إن قيم الولاء والانتماء للوطن تستدعي أن يكون قائد المؤسسة على وعي تام بخبرات ومهارات من يستعين بهم لإنجاز المهام وتحقيق الغايات؛ فثمرة العطاء المتوقع لا تقوم على المولاة والسمع والطاعة وتنفيذ الأوامر دون إسداء النصح والبرهنة على صحة المسار الذي ينبري قطعًا على فكر صحيح مبني على أيديولوجية الوطن ومبادئه التي لا تتسق قطعًا مع منتسبي الفكر المشوب.
وقد يرتأى أناسٌ لبعض الوقت أن من يمارسون فلسفة الاستحواذ وتوظيف مقومات المؤسسة لتعضيد جذور الفساد والإفساد بصوره المتلونة تحت ستار غامض لا يراه العامة ولا يشغل تفكير غير المهتم؛ فإن ذلك سينعكس في وقت ليس بالبعيد على البنيان فاسد التركيبة؛ فلا مناص من محاسبة تقوم بها الدولة؛ فالقيادة السياسية منذ أن تولت إدارة شئون الفساد عزمت بقوة على رصد واجتثاث الفساد؛ لأن التنمية يصعب أن تحدث في مناخ غير داعم ينتهجه البعض ليحقق مصالح شخصية مقيتة.
وتجد أن التعتيم يشكل المنهج الرئيس لفساد المؤسسات؛ فليس هناك معيارية في الاختيار ولا شفافية في تحقيق الغايات والمصالح؛ فالاستعانة بالأذرع المؤيدة والمناصرة والمعززة لمسارات الفساد بصورته المعلنة والمقنعة تقوم على تكوين حزمة من أصحاب الفكر المؤيد لاستراتيجية المفسد، وهذا يتنافى مع ما تدعو الدولة إليه؛ فهناك نظم الحوكمة المؤسسية التي من شأنها تقوم على الشفافية وإظهار صورة العلاقات الأفقية والرأسية عبر خريطة التدفقات المتشابكة، وهو ما يحقق فعليًا الانضباط المؤسسي الذي ننشده.
ودعونا نثمن كل من يتبني استراتيجية واضحة المعالم تدور حول بناء الإنسان؛ كي تضمن تهيأت جيل يوالى الدولة ويحفظ ويصون مقدراتها، ولا ينتهج الفكر غير القويم، ويحارب الشائعات، لا ينساق لتيارها الجارف عبر الفضاء المفتوح، وفي المقابل ينبغي أن نكشف عن محاولات تزييف الوعي من خلال أصحاب الفكر الضال، الذين يحرصون على انتقاء العناصر المساعدة في إيجاد المناخ الداعم لبث السموم والعمل بشكل جاد على الإفساد المؤسسي لتلقي منافع في صورتها المعلنة والمضمرة.
وقد يرى المفسد أنه تغلغل بفساده ووصل لغايته؛ لكن نؤكد له بأن النهاية قريبة ومحتومة، وقد وصفها فخامة الرئيس في كثير من خطاباته بأن المحصلة لزوال وأن الحرام لن يبقى، ولن يكون لأصحابه المكانة التي يتمنونها؛ فغياب الضمير، أو تبني فكرة تقوم على تحقيق غاية لا تتسق مع نهضة الوطن بانتهاج ادعاءات مزيفة سوف تنكشف بسبل عديدة؛ فنوقن أن للدولة أجهزتها الوطنية التي تحارب دروب ومسارات الفساد بكافة المؤسسات.
وليس هناك ما يمنع من أن تتبنى مؤسسات الدولة آليات ومعايير في اختيار من يتولون شئون إدارتها؛ فمن يهتم بأمر الإصلاح ينبغي أن يتثبت ويتريث؛ كي يضمن أنه يولي من يصلح لمسيرة التقدم والتطوير المتضمنة باستراتيجية الوطن ورؤيته الطموحة؛ فهناك من يحرص على المظهر دون الجوهر ولا يتبنى من الأفكار الريادية التي تفتح مسارات للابتكار بتنوعاته المختلفة، ومن ثم تساعد في بناء الإنسان وترقى بأنماط تفكيره؛ ليصبح منتجًا في تخصصه النوعي.
نود أن تراجع بعض مؤسسات الدولة مسارات الإصلاح والتي لا تنفك عمن يتولون المسئولية، وأن تتم الاختيارات وفق معايير يقترحها الحكماء والخبراء في المجال ويصدق عليها المجتمع المستهدف؛ لتصبح دستورًا في المؤسسة يزيل كل لبس وشك ويقطع دابر المصالح والأغراض الشخصية ويعلو بالشأن العام؛ لتعم الفائدة وتزول صور الفساد والإفساد التي تغلف بأفكار المفسدين وأصحاب المآرب.
إن حكم الفرد وتحكمه بعيدًا عن معايير الشفافية ونصوص القانون واتباع الهوى يردي بالنتاج المنشود ويقوض جهود التنمية ويضير بمصالح الدولة العليا، وعلى مؤسساتنا الوطنية الرقابية أن تفرض سطوتها وتطيح بكل من تسول له نفسه ويخالف صحيح القانون والدستور.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر