قال الله تعالى في كتابه العزيز (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) الاسراء: 79، إننا حين نسمع النداء للصلاة نردد دعاءً لننال به شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: الَّلهمَّ ربَّ هذه الدعوةِ التَّامةِ، والصَّلاةِ القائمةِ آتِ محمَّدًا الوسيلةَ والفَضيلةَ، وابعثه مقامًا محمودًا الَّذي وعدته، ونحن في ذكرى مولده الشريف نؤكد عشق الأفئدة له عليه السلام؛ لنحيا بسيرته العطرة وسنته التي لنا بمثابة النبراس الذي نهتدي به.
وحب النبي صلى الله عليه وسلم يفوق محبة النفس والوالد والولد؛ إذ يعد هذا الحب الخالص صلب الإيمان وعماده، ولا يكتمل إلا به، فنتذوق حلاوة الإيمان بمقتضى حبنا للمصطفى الهادي من الظلمات للنور، والاحتفاء بمولده الشريف ما هو إلا تعبير مبسط عما يجول في نفوسنا من بهجة لذكراه الطاهرة؛ فنجتمع على دروب الخير من سماع سيرته التي تروي قلوبنا بالإيمان، وتضيء الطريق المليء بمنغصات الحياة وتحدياتها؛ فتزداد الإرادة وتعلو الهمة وتتجدد العزيمة تجاه فعل الخير والحض على المعروف.
وفي ذكر الحبيب المصطفى يلتف المصريون حول مائدة الذكر من تلاوة القرآن وإنشاد يثلج ويطرب القلوب، وبتناول سيرته الشريفة الطاهرة يتأكد سياج الحق ويعمر الوجدان بنبله صلى الله عليه وسلم، وعبر الاحتفاء بذكرى النبي نستطيع أن نغرس السلوك الحميد، ونطرح النصح المعين لفعل الخيرات وترك المنكرات والتمسك بهداه؛ فتاريخ النبوة يؤكد المسار الصحيح لممارسة أركان الإسلام بدءً من صيغة التوحيد، مروراً بكيفية الصلاة وحق الزكاة وصورة الصيام وأركان الحج.
إننا نحتفل بمولد سيد المرسلين الذي جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال الجلال، وأنواع الفضائل وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعم؛ فقد أيقظت سنة الشفيع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القلوب وأخرجتها من حيز الجهالة إلى طريق الضياء، وما مدح النبي إلا تأكيدًا على فضائله وشمائله؛ فتاريخ سيرته العطرة ايقظ الأفئدة التي حيرتها مزاعم الدنيا الزائفة والمعتقدات غير الراسخة؛ فحضت النفس على الإيثار والمحبة والترابط والتواصل، وهذا ما نرصده من حالة المصريين في نسيجهم المنيع ومعدنهم الأصيل.
وتتعدد مظاهر الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ومن مكارمها كثرة الصلاة على الرسول الأمين، وهذا يؤكد ثمار الاحتفاء بسيد المرسلين عبر ذكراه العطرة، والتي تعد مناسبة تحثنا جميعًا على الإبحار في الصلاة على الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، بما يتيح لنا أن ننهل من أنوارها ونقتبس من أسرارها؛ فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل: ” إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ” الأحزاب: 56، وفي المقابل إنه، صلى الله عليه وسلم، وصف المعرض عن الصلاة عليه بالبخيل، لما قال عليه السلام: ” البخيل من ذكرت عنده ثم لم يصل علي”، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” رغم أنف رجل ذُكرتُ عنده فلم يصل عَليَّ ، ورغم أنف رجل أدرك أبويه عنده الكبر فلم يدخلاه الجنة ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له”(رواه الترمذي) .
ويشهد العالم الإسلامي أن المصريين يبدون فرحة متفردة بشأن احتفالهم بالنبي ومولده صلى الله عليه وسلم، وهذا كما ذكرنا من قبل أنه يعد ضرباً من الإيمان وامتثالا لأوامر الرحمن، وهذا الفرح مرتبط بقوله تعالى: ” قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ” يونس: 58؛ لذا بات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إشارة واضحة للتعبير عن محبته صلى الله عليه وسلم وسبب من أسباب تثبيتها في الأفئدة وترسيخها في قلوب المصريين.
وما من مناسبة احتفاء واحتفال بنبينا العظيم إلا ورسخت عبر مراسمها الحض على التخلق بأخلاق الرسول الكريم، عبر استحضار سيرته ومكارمه وكمالاته ومعجزاته وأصول رسالته ومقاصد دعوته، من خلال خطب تحمل كلمات جياشة ومعبرة لما تقدمه من معان، وتتوالى قراءة القرآن، وصور الإنشاد في حبه وخلقه صلى الله عليه وسلم منظومة أو منثورة أو تستحضر في شكل محبوب ومحبب في السنة النبوية الشريفة وفي التعلق والتخلق بها.
ونثمن ما تقوم به الدولة المصرية بمؤسساتها الرسمية من أمور تنظيم للاحتفال بمولد سيدنا محمد عليه الصلاة وأتم التسليم؛ فلم يسبق لها قط أن أغفلت هذه المناسبة العظيمة، بل وتدشن لها المراسم بحضور القيادات، وممثلي الأزهر الشريف بمؤسساته المختلفة؛ لتؤكد على الحب والتعظيم لجناب سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم والفرح به، وتأكيد شكرٌ لله تعالى على هذه النعمة.
حفظ الله علينا ديننا، وأنار طريق الصواب والرشد لمسيرة وطننا الحبيب بقيادته السياسية الرشيدة المحبة لوطنها ودينها، وكل عام وأنتم بخير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكون.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بالقاهرة – جامعة الأزهر