توجد علاقة ارتباطية بين الوعي السياحي والتنمية السياحية داخل البلاد؛ حيث حالة النشاط التي تنتاب القطاع السياحي عندما يتوافر هناك وعيًا سياحيًا لدى المواطن؛ إذ يشكل دوره فارقًا كبيرًا في آليات وصور التنشيط السياحي؛ فنجده يعمل بكامل طاقته ليسوق للأنشطة السياحية في ربوع وطنه، ونراه يحسن استقبال الزائرين ويرحب بهم ويقدم لهم الخدمات قدر استطاعته، وهذا حينما يكون لديه إدراكًا ويقينًا بأن ُالسياحة تُعدّ رافدًا مُهمًا للفرد وللمجتمعات وللأوطان.
وتُعد السياحة من مظاهر النشاط البشري التي يستطيع أن يستثمر فيها فكره؛ ليوجد مدخلًا للتنمية الاقتصادية في ضوء تعددية أنماطها؛ فهي في المجمل تُمثِّل رافدًا ماليًا واقتصاديًا مهما للدول، ومن ثم يمكن النهوض بمقدراتها عندما تتوافر الرغبة الحقيقية والإرادة المشفوعة بالتخطيط العلمي والمتابعة على أرض الواقع؛ فيتم من خلال ذلك رفع كفاءة الأماكن وتقديم الدعم اللوجستي لها، بما يسهل الوصول إلى أماكنها، ويساعد في تقدم الخدمات التي ينشدها السائح لتلبي متطلبه وتنال رضاه.
ويسهم الوعي السياحي في دفع الدولة إلى تطوير الخدمات السياحية، وأن تتوسع وفق مخطط استراتيجي لتوفير مقومات واحتياجات ومتطلبات القطاع السياحي؛ حيث يمثل الوعي السياحي إحساس كافة فئات المجتمع بقيمة وعوائد هذا القطاع على العديد من المستويات؛ فتجعل هناك رغبة في الحصول على المعرفة والفهم للسياحة، وتدفع الجميع تجاه المحافظة على المقدرات السياحية؛ حيث يدرك كل فرد بأن عاداته وسلوكياته تؤثر على هذا القطاع المهم بالبلاد.
وهنا اتفق بأن الوعي السياحي يشكل أهمية قصوى في التنمية السياحية؛ حيث يعد ضمانة لأن يستشعر المواطن أهمية المواقع السياحية، ليس هذا فحسب، بل ويدرك أهميتها في تنمية الحياة الاجتماعية والثقافية لأفراد المجتمع، والسياحة كغيرها من القطاعات الاقتصادية تواجه بعضالتحديات التي تحتاج إلى تضافر لمواجهتها.
وبالاطلاع على طبيعة السائح الذي يقصد بلد ما تجد أن لديه ثقافة بلاده، وعندما يختلط بالمجتمعات المضيفة التي لديها تفردًا ثقافيًا فإنه حتمًا يتأثر بها، وهنا نأمل من خلال الوعي السياحي أن نحدث أثرًا إيجابيًا لدى السائح؛ إذ يرصد حالة الاحترام والتقدير والتفهم لاحتياجاته والرغبة الصادقة في تقديم كل ما يسبب له الراحة والسعادة والمتعة، ومن ثم يقدر ثقافة المجتمع ويحترمها ويصون تقاليدها.
ويُشكل قطاع السياحة موردًا اقتصاديًا من موارد الدخل القومي؛ ويساعد في تحسين ميزان المدفوعات، ويُعدّ من روافد توفير العملات الأجنبية، ويعمل على إيجادالمزيد من فرص عمل، مما يحد من البطالة، ويحقق زيادة الدخول ومن ثم يرفع معدلات الأداء للاقتصاد من خلال تنشيط الدورة الاقتصادية.
ومرجعية تأثير السياحة في الاقتصاد تتأتى من تعدد أنماطها؛ ففي بلادنا هناك السياحة الدينية والثقافية وسياحة الآثار والرياضية والشاطئية والساحلية والعلاجية وسياحة المنتجعات الصحية والترفيهية والترويحية وسياحة المشتريات، بالإضافة إلى سياحة المؤتمرات والندوات العلمية والمهرجانات، وهنا يتوجب أن يعمل المواطن الذي يمتلك وعيًا سياحيًا على تعظيم مقدرات وطنه؛ فيتقن الحرف والمهارات اليدوية التي تسهم في زيادة الجذب السياحي، ويقدم أجود ما لديه من نتاج بغض النظر عما كان استهلاكيًا أم يرتبط بالتراث الثقافي، كونه يدرك بأن صناعة السياحة تتطلب تضافر الجهود المخلصة.
والوعي السياحي يساعد الفرد على أن يضفي اللمسات الفنية عبر ما يقدمه من الحرف الجاذبة التي تعبر عن حضارة الدولة، وتطوير المهن المرتبطة بالمجال السياحي، كما يحرص على تطوير صناعتها باعتبارها عاملًا رئيسًا لاستقطاب قوي في اقتصاديات الدولة ومحركًا لديناميكية التجارة والتنمية في أرجائها.
وكون السياحة تعمل على أن يحصلالفرد على المتعة والترفيه والاستجمام الذهني والروحي والنفسي والعقلي والبدني؛ إلا أنها على المستوي الاجتماعي ينبغي أن نعي أهمية كأداة فاعلة في تُشكّل الاتصال الثقافي والحضاري بين المجتمعات، وهذا يساعد على تكوين الشخصية ويقلل المسافات بين الشعوب، فمن خلالها يتم التعرف على الأنماط المتباينة من صور العلاقات الاجتماعية أو ثقافات وعادات وتقاليد الشعوب الأخرى.
وعلى المستوى الثقافي نجد أن السياحة تعمل على تمديد اللقاءات الاجتماعية بين السائحين مع بعضهم البعض وبين أبناء الوطن؛ ما يؤدي إلى تبادل الأفكار والخبرات والتعاملات، وتأكيد الهوية الوطنية؛ بالإضافة إلى إبراز مكنونات التراث الحضاري، وتحفيز التبادل الثقافي، واكتساب اللغات المتعددة، والتعرف على العادات والتقاليد المجتمعية التي ترتبط بالنسق القيمي الذي يؤمن بها المجتمع المستضيف.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر