في الزاوية اليمنى للمقهى جلست احتسي كوب قهوتي كعادتي كل مساء ، بعد هنيهة دخلت امراة رشيقة القد جلست بالقرب مني ، بادلتني التحية دون معرفتها ، تبادر الى ذهني اسئلة غريبة ، لم اتعود التفكير فيها ، ولا طرحها ، انني رجل كثيرا ما ارتدي رابطة عنق ، اتظاهر في كل مكان بكوني استحق التقدير والاحترام ، افكر في كون رابطة العنق هذه ما يجعل مني الرجل المناسبة في كل مكان ، قد تعود تحية هذه المراة لي للونها ، طفقت تحتسي مشروبا لم اتعود شربه طوال حياتي ، ذلك انني رجل تعود شرب الشاي كعادة سكان اهل البوادي ، وعلاقتي بالمشروبات الاخرى تقتصر على شرب عصير الليمون فقط ، باقي المشروبات تبقى بالنسبة لي اشياء لا يتناولها الا اشخاص اكثر اهمية مني ، دفعني الفضول لمعرفة من تكون هذه المراة ، نبشت ذاكرتي باي سؤال ابدأ حديتي معها ، انني رجل لم يتعود مغازلة النساء ، لذلك وجدت صعوبة في تركيب جملة مفيدة ابدأ بها حديثي معها ، فكرت في الذهاب لسوق بيع الورود ، وهو بالمناسب قريب من المقهى لاشتري باقة ورد ، تخلصني من استعمال لغة لم اتعود استعمالها ، بعد التفكير مليا في الموضوع طلبت من النادل الحفاظ على ما تبقى من المشروب ، حيث بعد هنيهة سوف اعود ، بعد دقائق معدودة وصلت المكان المقصود ، بحثت عن اجود باقة ورد ، اخترت احسنها ، رجعت للمقهى وفي ذهني بدات ألملم بعض الكلمات التي يستعملها صديقي ، وهو يغازل بعض التلميذات ، تمكنت من ايجاد جملة اعتقدت انها مناسبة لفتح حوار يمكنني من التعرف على هذه الفتاة التي يفوق جمالها جمال كل النساء اللواتي صادفتهن ، وصلت الى المقهى ، احسست بعرق يتصبب في جبيني ، فكلما فكرت في البحث عن جمل اخرى اوظفها ، كلما يزاد العرق في جبيني ، لكن في النهاية طلبت منها ان تتقبل مني هذه الهدية المتواضعة ، ترددت في البداية بسبب عدم معرفتها لي ، لكن في النهاية قبلتها على اساس ان تكون اخر هدية اقدمها لها ، كما طلبت مني ان اكف عن التفكير في التعارف معها، فهمت ان المراة اتت للمقهى من اجل انجاز مهمة سرية .
اخذت كتبي وانصرفت ، بعدما فهمت أن الوطن والانسان لا يختزلان في رابطة عنق .