إن مفهوم الانتماء الوطني يولد مع الشخص أو الفرد من خلال ارتباطه بوالديه وبالأرض التي ولد وعاش فيها، حيث يكتسب الفرد الانتماء الوطني من أسرته التي تربت وعاشت علي الولاء والوفاء للدين والوطن والقيادة، وينمو هذا الانتماء من خلال مؤسسات المجتمع المتمثلة في المدرسة والأسرة والجامعة والإعلام وأماكن العبادة والمساجد والأقران، إن الحب والإخلاص للوطن والولاء له واجب وغريزي في كل فرد عاش في هذا البلد الطيب ورثه من آبائه الأوفياء ونما من خلال مؤسساته الولاء والانتماء للوطن والقيادة
كما يتأصل الولاء والانتماء وجدانياً من خلال ما يكنه الشخص من مشاعر إيجابية تتمثل في الحب والاعتزاز والفخر تجاه الوطن؛ فالشعور بالفرح عندما يحصل الوطن على أي مكسب، والشعور بالحزن عندما يتعرض الوطن لأي خسارة، والشعور بالغضب عندما يواجه الوطن أي إساءة، والشعور بالفخر عندما يذكر اسم الوطن في أي محفل، والشعور بالاشتياق عندما يسافر الشخص إلى أي بلد آخر، إنما يعكس الحالة الوجدانية لولاء الشخص وانتمائه.
إن تناول مفهوم الانتماء من الناحية النفسية ليس بالأمر الجديد؛ فقد تحدث (ماسلو) في هرمه الشهير عن الانتماء كإحدى الحاجات الإنسانية الأساسية المهمة في حياة البشر. ويمكن وصف الانتماء للوطن باعتباره اتجاهاً إيجابياً مدعماً بالحب، ينبع من وجدان الفرد الذي يرتبط بوطنه كعضو فاعل فيه، ويقدم لقيادته الولاء والطاعة. فيتأصل الولاء والانتماء سلوكياً من خلال ما نمارسه في حياتنا اليومية وفي أعمالنا الوظيفية، فكل موظف في مجال عمله تقع عليه مسؤولية أخلاقية تجاه وطنه تتمثل في المساهمة في البناء والعطاء، يؤدي واجبه بكل أمانة وصدق وإخلاص، واضعاً نصب عينيه رفعة وسمعة وطنه، إنما يعبر عن ولائه وانتمائه.
ويتأصل الولاء والانتماء فكرياً من خلال اعتقاد الشخص أن كل ما يقدمه الفرد لوطنه إنما يمثل واجباً عليه وليس منة أو تفضلاً منه، وعندما يعتقد الشخص أن الولاء للوطن مبدأ أخلاقي وشرف عظيم لا يناله من ساوم على حبه وولائه لوطنه من أجل مال أو منصب أو غيره، كما لا يخضع الولاء لمبدأ (حبني على لقمة وأبغضني على فقدانها) وكما قال الفيلسوف الأمريكي جوزيا لويس إن الولاء هو «إخلاص شخص لموضوع إخلاصاً طوعياً وعملياً غير مشروط» وبذلك يعتبر الولاء قيمة أخلاقية يتبناها الشخص لذاتها وليس من أجل منفعة شخصية.
ويعتبر التقمص العاطفي والفكري والسلوكي للوطن واجباً وطنياً يحتم على الفرد تبني شعور الوطن وأفكاره وسلوكه، فنحب ما يحب وطننا ونكره ما يكره، ونسير على نفس السلوك الذي يرتضيه الوطن، وننهج بفكره وتوجهاته، فكأنما كل فرد في المجتمع يمثل مرآة تعكس صورة الوطن، ويرتبط بكل ما يرمز له الوطن من قيم ومثل وخصوصيات وقوانين وأمجاد وتاريخ.
ويجب على كل مربي أن يعي حجم المسؤولية والأمانة التي يحملها في عنقه تجاه وطنه، فيربي رعيته على حب الوطن والولاء له والاعتزاز بالانتماء له، ويغرس فيهم أن الولاء للوطن شرف وعزة والولاء لغيره خيانة وذلة.
أحب الأشياء إلى النفس وأقربها إلى القلب الأوطان ، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي : وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي هناك اتهام يوجهه بعض الأباء إلى بعض شبابنا في هذه الأيام وهو عدم الانتماء الحقيقي لبلدهم وهذا واضح وظاهر في عدد من الأمور والأفعال والتصرفات ، على عكس الأجيال السابقة والتي كانت الأكثر انتماءاً والأكثر ارتباط بأوطانهم ، أما شباب هذه الأيام فإن الكثير منهم فقد معنى الانتماء للوطن وهى الكلمة التي تربت عليها أجيال سابقة جيل الاباء والأجداد وأصبح هناك خلط بين كلمتي الانتماء والولاء، مما أدى إلى سفر أو هجرة الكثيرين ، ففكرهم الدائم الترحال والسفر إلى أوروبا وأمريكا
وفى اعتقادي أن غموض كلمة الانتماء في المجتمعات أدى إلى ظهور الاتجاهات الفكرية المتطرفة والجماعات المتعصبة وتغليب المصلحة الشخصية للشباب على المصلحة العامة للوطن فمعنى كلمة الانتماء هو الانتساب أو انضمام الفرد إلى جماعة معينة، او بمعنى اخر هو حالة شعور الإنسان والشخص إلى الانضمام إلى مجموعة، وهو عبارة عن علاقةٍ شخصيةٍ حسيةٍ ايجابية، يبنيها الفرد مع أشخاصٍ آخرين أو مجموعةٍ ما، أما مفهوم الانتماء إلى الوطن فيعني تلك الحالة والشعور بالانضمام إلى الوطن، وتكوين علاقةٍ ايجابيةٍ مع الوطن، وتكوين علاقةٍ قويةٍ تربطنا بالوطن، والوصول إلى أعلى درجات الإخلاص للوطن ،أما الولاء فهو عبارة عن الإيمان والاقتناع بقضايا الوطن والتفاني في حلها والتضحية من أجل الارتقاء بالبلد والنهوض بها حتى إن كان على حساب المواطن .
وغرس وتعميق الانتماء واجب على جهات كثيرة فمسؤولية تعميق الانتماء يقع على الأسرة والمدرسة والجامعة ووسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية وجهات اخرى كثيرة عليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم في تنمية وتعزيز قيمة الانتماء للوطن من خلال وسائل متنوعة منها : التربية السليمة للأطفال منذ منشأهم؛ لأنّ الانتماء الأول يبدأ من الانتماء للبيت والأسرة، بالإضافة إلى دراسة وذكر بعض الأمثلة من السلف الصالح، وكذلك العظماء من الملوك والحكام، في حبهم وانتمائهم للوطن ، والاسترشاد بالآيات القرآنيّة، والأحاديث الشريفة وكذلك القصص التي تظهر وتبين قيمة الوطن والانتماء له ، ومن أهم الوسائل التي تعمق الانتماء تعزيز الثقافة العربية والوطنية في أبناء الجيل، والتأكّد من أن الثقافة الأجنبية لا تزعزع انتمائهم للوطن
ومن أهم الأمور التي تساعد على تعميق الانتماء عند الشباب تذليل كافة الصعوبات التي تواجهه ومحاولة التغلب عليها وإيجاد الوسائل التي تساعده على التغلب على العقبات التي يواجهها ويقابلها في حياته وعلينا كذلك الحرص على متابعة ما يتفاعل معه أبنائنا في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وذلك من أجل تعزيز المفاهيم التراثية ، وحثّهم على الاعتزاز بتراثهم وجذورهم .
أخيرًا علينا الوعي بأهمية الانتماء والإخلاص، وتوعية شبابنا بأهمية الانتماء ، حتى يكون له مردودًا ملموسًا في تنمية حبهم إلى وطنهم، وحماية أمنه واستقراره من أيدي العابثين والطامعين وعدم العبث بأمنه. وبذل الجهد لتطويره والدفع بعجلته نحو الازدهار والتقدم، والانتماء له بكل ما في الكلمة من معنى، ومحبته بصدق أرضاً وقيادة وشعباً ليكونوا لبنة صالحة من لبنات المجتمع. وحبنا وانتماؤنا لهذا الوطن يختلف عن انتماء كافه الشعوب الاخرى لاوطانهم لان الانتماء لهذا الوطن يغلفه ويلتف حوله تاريخ وموقع وحضارة وأماكن مقدسه لم يهبها الله الا لبلدنا فقط ولله الحمد وأصبحت بلدنا فخر لكل من ينتمي اليه سواء في الماضي البعيد او الحاضر السعيد او المستقبل المنير
إن النمو النفس اجتماعي للشخصية في هذه المرحلة المراهقة يصادف أزمة هوية، فإما أن يصل المراهق إلى تحقيق هوية الأنا لديه إما أن يدخل في أزمة تؤدي به إلي التشتت وعدم وضوح الدور في الحياة الاجتماعية، لأن الفرد في هذه المرحلة يبدأ في تحديد أهدافه الأيديولوجية والاجتماعية في الحياة، مما يتطلب من المؤسسات بصفة عامة والجامعات بصفة خاصة أن تأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار وتعمل علي إرساء الهوية المهنية والدينية والسياسية لدي الفرد من خلال مده بالمعارف والخصوصيات التي تتوافق مع البيئة التي يعيش فيها–
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا