.
أزمة جديدة تهدد منظومة الرعاية الطبية الخاصة، وهى التى يلجأ إليها معظم المواطنين من متوسطى الحال بمصر، وهى قرار وزارة التنمية المحلية بضرورة استخراج قرار تصالح على العيادات الطبية الخاصة حتى يتم تحويلها إلى مقر إدارى وما يستتبع ذلك من ضرورة دفع أموال طائلة أو إغلاق العيادة، وقد قامت عدة محافظات بتوجيه إنذارات بذلك للأطباء فعليا.
فمن المعلوم بالضرورة أن إجبار الأطباء على دفع أموال طائلة مقابل التصالح قد يكون فى متناول يد المقتدرين منهم ولكن قد يستتبع ذلك قيام العديد برفع قيمة الأتعاب لتعويض ما دفعوه، ومن الناحية الأخرى فإن هذا القرار سيجبر غير المقتدرين من الأطباء -وهم كُثر- على إغلاق عياداتهم تماما، وفى كلا الحالتين سيؤثر ذلك سلبا على المواطن.
.
يحدث ذلك على الرغم من أن هذه العيادات حاصلة على تراخيص رسمية بعد إستيفاء الشروط المطلوبة وفقا لقانون المنشآت الطبية رقم 51 لسنة 1981 والمعدل بالقانون 153 لسنة 2004 وهما من قوانين الدولة الواجبة النفاذ والتى صدرت قبل تاريخ إصدار قانون التصالح، أى أن الأطباء لم يخالفوا القانون لترخيص عياداتهم بل إنهم يقومون بممارسة نشاطهم المرخص منذ سنوات وتحت سمع وبصر جميع أجهزة الدولة، ولا يصح أن يصدر قانون جديد يتم تطبيقه بأثر رجعى على أصحاب المراكز القانونية المستقرة.
.
والعجيب هو ما صرحت به وزيرة التنمية المحلية لأعضاء وفد نقابتى الأطباء البشريين وأطباء الأسنان الذين طلبوا منها التدخل لحل هذه المشكلة، فقد صرحت لهم السيدة الوزيرة بأن الرخص الممنوحة للعيادات من المحافظات تُعتبر رخصة تشغيل لمزاولة النشاط فقط، ولكن تغيير النشاط من سكنى إلى إداري أو تجاري يُعد مخالفة لأحكام القانون 119 لسنة 2008، ويستوجب التصالح عليها وفقًا لقانون التصالح على مخالفات البناء رقم 187 لسنة 2023.
إن تصريح الوزيرة يفهم منه أن الترخيص هو للتشغيل فقط وكأنها رخصة عامة للطبيب لتشغيل عيادة دون تحديد موقعها (ويفهم من ذلك أن الطبيب يجب عليه عند اختيار موقع العيادة أن يتأكد من كونها مرخصة ترخيص إدارى)، وللأسف فإن تصريح السيدة الوزيرة يتناقض مع مادة قانونية بأحد قوانين الدولة، فقد نصت مادة 13 من قانون المنشآت الطبية رقم 51 لسنة 1981 على الآتى” يلغي الترخيص بالمنشأة الطبية في الأحوال الآتية: …. (2) إذا نقلت المنشأة من مكانها إلي مكان آخر أو أعيد بناؤها.
وبالتالى فإن الترخيص لا يصدر لتشغيل عيادة بصفة عامة ولكنه ترخيص لتشغيل هذا المكان تحديدا، ودون أن يشترط القانون أن يكون إداريا أو تجاريا.
.
نأتى لبعض المواد القانونية بقانون المنشآت الطبية رقم 51 لسنة 1981 والمعدل بالقانون 153 لسنة 2004:
مادة 7: يجب أن يتوافر في المنشأة الطبية الاشتراطات الصحية والطبية التي يصدر بها قرار من وزير الصحة …..
هذه المادة توضح بجلاء عدم وجود اشتراط لكون العيادة مرخصة إدارى أو تجارى، لأنه من المعلوم أن العيادات ليست نشاطا تجاريا ولا إداريا، بل إنها خدمة مهنية تقدم الرعاية الطبية للمواطنين وبالتالى فإن لها اشتراطات طبية فقط.
.
مادة 11: يجب التفتيش علي المنشأة الطبية مرة علي الأقل سنويا للتثبت من توافر الاشتراطات المقررة في هذا القانون والقرارات المنفذه له…. وفي حالة المخالفات الجسيمة يجوز للمحافظ المختص بناء علي عرض من السلطات المختصة بأن يأمر بإغلاق المنشأة….
أى أن القانون حدد سبب إغلاق العيادة على سبيل الحصر بمخالفات اشتراطات قانون المنشآت الطبية (وليس مخالفات أى قانون آخر قد يصدر مستقبلا).
.
بعض مواد اللائحة التنفيذية لقانون المنشآت الطبية، الصادر بقرار وزير الصحة رقم 216 لسنة 1982 والمعدل بالقرار رقم ( 284 ) لسنه 1985:
نصت المادة (1) على الاشتراطات اللازمة للترخيص على سبيل الحصر ولا يوجد منها أى اشتراط لكون هذه العيادة مسجلة إدارى أو تجارى.
كما نصت المادة (17) على المستندات الواجب تقديمها للجهة الإدارية للترخيص وهى كالتالى: شهادة تسجيل النقابة للمنشأة، ورسم هندسي موقع عليه من مهندس نقابي للمنشاة يبين الموقع وتفاصيل محتويات كل دور، وكذلك بيان بالتجهيزات الطبية … أى أن المستندات القانونية قد خلت من طلب أى مستند يثبت تسجيل العيادة إدارى أو تجارى.
كما نصت المادة (18) على قيام لجنة بمعاينة المكان الذي أعد كمنشأة طبية للتثبت من استيفاء الشروط والمواصفات المنصوص عليها في القانون رقم (51 لسنة 1981) …. أى أن الشروط المطلوبة هى المذكورة حصرا بقانون المنشآت الطبية وليس بأى قانون آخر.
.
أما محاولة استناد البعض لنص المادة 66 من القانون 119 لسنة 2008، والتي تنص على الآتى “يقع باطلا كل تصرف يكون محله تغيير استخدام المبانى أو أى من وحداتها لغير الغرض المرخص به، وذلك قبل الحصول على الموافقة اللازمة من الجهة المختصة”، فإن هذا إستناد فى غير محله بالنسبة لعيادات الأطباء المرخصة حيث أنهم قد حصلوا فعلا على موافقة الجهات المختصة.
.
أخيرا فقد أكدت محكمة النقض في أثناء نظرها الطعن رقم 10600 لسنة 91 بتاريخ 19 فبراير 2023 أن المراكز القانونية التي نشأت واكتملت وأصبحت حقاً مكتسباً في ظل قانون معين تخضع كأصل عام من حيث آثارها وانقضائها لأحكام هذا القانون، وأن ما يرد من قواعد في قانون لاحق إنما ينطبق بأثر فوري على ما لم يكن قد اكتمل من هذه المراكز، وأن العبرة في هذا هي بوقت حصول الواقعة المنشئة أو التى اكتمل بها المركز القانوني وليست بوقت المطالبة.
.
من كل ما سبق يتضح بجلاء أنه لا يجوز قانونا مطالبة الأطباء بالتصالح طالما أنهم حاصلين على تراخيص رسمية وفقا لقانون من قوانين الدولة صدر بتاريخ سابق على إصدار قانون التصالح، فقد أصبحت لهم مراكز قانونية مستقرة.
.
فى النهاية أدعو نقابة الأطباء لاتخاذ جميع الإجراءات القانونية والنقابية المتاحة للعمل على إلغاء هذه القرارات التعسفية، مع ضرورة تضامن جموع الأطباء فى أى خطوات مطلوبة لذلك.