يا صَرحَ الفَقرِ قد ولدتُ في ظلِّك،
حيثُ الصبرُ والعزيمةُ أهدى لي مِشكاةً من الألم،
بُكيتُ صبياً تُحيط بي القيودُ،
والريحُ تعصفُ بين أضلعي كما يعصفُ الدهرُ بالعمر.
لكن الأملَ كان نَجمًا في ظُلمات الليالي،
يمدني بومضاتِ الرجاءِ حين تكادُ النفسُ تنطفئ،
وفي كُلِّ زاويةٍ كنتُ أزرعُ بذورَ الصبرِ،
تنمو على ضفافِ القهرِ لترتفعَ كالنخيلِ.
في فجرِ العُمرِ وفي جَنباتِ المَدى
تحديتُ أمواجَ الدنيا كالفرسان،
ما لانت لي جبهةٌ ولا خفَّت لي عَزيمة،
ففي روحي نارُ الحلمِ، تَشُقُ الجبالَ كَالأعلام.
من أرضِ البيداءِ جئتُ، جِذري في الصلابة،
ومن مَعينِ الماضي شَربتُ حكمةَ الأجداد،
فأصبحتُ كالفارسِ العباسي،
يُدوِّنُ النصرَ في كتبِ المجدِ كالملاحمِ تُروى.
وها أنا اليومُ في شبابي، جَسدي كالسيفِ، روحي كالريحِ،
أرتقي سلمَ الطموحِ، لا أنظرُ خلفي إلا لِأتعلم،
تَشَكّلَت نفسي من كلِّ جرحٍ إلى نجمٍ،
وصرتُ كالبحرِ الذي يُخفي في أعماقه كنوزَ الصبر.
بين الماضي والمستقبلِ، أزفُّ النصرَ لِقلبي،
قد سطَّرتُ قصتي كالشعراءِ الأُمويين،
لأنني في وجعي وجدتُ الحياةَ، وفي أملي وجدتُ المدى.
يا لُبَابَ الأيامِ، يا روحَ المستقبلِ،
من طياتِ الأحلامِ أُكوّنُ العوالم،
أغزلُ خيوطًا من نورٍ، أتجاوزُ بها حُدودَ الأرض،
لأنني خُلقتُ لأحيا في تحدٍّ للكونِ والمصير.
آه يا دهرُ، ما أبهجك في انتصاري،
حين تصيرُ معاناتي زينةً على جبينِ المجدِ،
وتُغني الحياةُ على إيقاعِ الألمِ والأملِ معًا،
لأُخلدَ بذكري في مستقبلِ الوجود.