اليوم أقلد قلمي شرف نبش أسرار الضياع
لم تكن توبتي نتيجة ظروف قاسية أو محنة عارضة،
بل كنت انعم بكل أشكال الترف والحرية في كل شيء، وكنت أجسد العلمنة بمعناها الصحيح،
وكانت أفكارها نهجي ودستوري، وكتبها مرصوصة في مكتبتي، وقلمي تتلمذ على أشعار نزار قباني،
ورمي الحجاب حلم يداعب خيالي، وقيادة السيارة قضيتي الأولى أنادي بها في كل مناسبة، واستغل ظروف من هم حولي لإقناعهم بضرورتها.
تمنيت أن أكون أول من يترجم فكرة القيادة إلى واقع ملموس، ولطالما سهرت الليالي اخطط فيها لتحقيق الحلم.
أما تحرير المرأة السعودية من معتقدات وأفكار القرون البالية وتثقيفها وزرع مقاومة الرجل في ذاتها فلقد تشربتها وتشربتها خلايا عقلي.
وسعيت لتسليط الضوء على جبروت الرجل السعودي وأنانيته.
وقدمت الرجل المتحرر على طبق من ذهب على أنه يفهم المرأة واستخراج كنوز أنوثتها وقدمها معه جنباً إلى جنب.
وشوهت صورة الرجل المتدين على انه اكتسب الخشونة والرعونة من الصحراء وتعامل مع الأنثى كما تعامل مع نوقه وهو يسوقها بين القفار.
كانت الموسيقى غذاء روحي و نديمي من الصباح إلى الفجر التالي،
أما الرقص بكل أنواعه فقد جعلته رياضة تعالج تخمة الهموم.
ونظريات فرويد كنت ادعمها في كل حين بأمثلة واقعية، وأنسب المشاكل الزوجية إلى الكبت، والعقد إلى آثار أساليب التربية القديمة التي استعملها أهلنا معنا.
وكانت أفكاري تجد بين المجتمع النسائي صيتاً عالياً ومميزاً ، سرت عليها سنينا عديدة.
وفي يوم من الأيام كنت جالسة في ساحة أحد الاسواق لفت نظري شاب متدين بهيئته التي تدل على ذلك؛ ثوب قصير وسير هاديء وعيون مغضوضة،
أظنه في سن ما فوق العشرين
أعجبني هدوؤه، وطرأت علي بعدها أفكار غريبةٌ جداً!
علامات الرضى بادية على محياه، خطواته ثابتة رغم أن قضيته في نظري خاسرة هو والقلة التي ينتمي إليها .. يتحدون مارداً جباراً اسمه التقدم ولا يزالون يناضلون!
سخرت بداخلي منه ومنهم،
لكنني لم أنكر إعجابي بثباته، فقد كنت احترم من يعتنق الفكرة ويثبت عليها..
حاولت أن أحلل الموضوع فقلت في نفسي:
(ربما هؤلاء الملتزمون تدينوا نتيجة الفشل فأخذوا الدين شعارات ليشار إليهم بالبنان)
لكن منهم العلماء والدكاترة وماضي عريق قد ملكوا الدنيا حيناً من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب)
أو ربما هو الترفع عن الرغبات!
وعند هذه النقطة بالذات اختلطت علي الأمور _ الترفع عن الرغبات معناه الكبت_ والكبت لا ينتج حضارة!
حاولت أن أتناسى هذا الحوار مع نفسي لكن عقلي أبى علي ولم يصمت ومنذ ذلك الوقت وأنا في حيرة.
فقدت معها اللذة التي كنت أجدها بين كتبي ومع أنواع الموسيقى والرقص ومع الناس كافة علمت أني فقدت شيئا، لكن ما هو؟!
لست أدري!
اختليت بنفسي لأعرف.
طرقت أبواب الطب النفسي دون جدوى.
فقدت الإحساس السابق بل لم أعد أشعر بأي شيء!
كل شيء بلا طعم وبلا لون.
فعدت مرة أخرى لنقطة البداية عندما حصل التغيير بعد ذلك الحوار !
تساءلت كل ما أتمنى أستطيع أخذه..
ما الذي يحدث لي إذا ؟!
أين ضحكاتي المجلجلة؟
وحواراتي التي ما خسرت فيها يوما؟
جلسات الرقص والسمر ؟
وكلما حاولت أن أكتب أجدني أسير بقلمي بشكل عشوائي لأملأ الصفحة البيضاء بخطوط وأشكال لامعنى لها غير أن بداخلي إعصارا من حيرة!
بدأت أتساءل!
لماذا لم أعد أشعر بروعة الموسيقى المنسابة إلى مسمعي؟!
لو كانت غذاء الروح كما كنت أدّعي لكانت روحي الآن روضة خضراء.
وأين مني تلك الكتب التي احترمت كتّابها وصدقتهم؟
لماذا تخذلني الآن كلماتهم ولا تشعل حماسي كما كانت؟!
وهنا لاح سؤال صاعق:هل هؤلاء الغربيون فعلاً أفضل منا؟ وبماذا هم أفضل؟
تكنولوجيا؟
وبماذا خدمت التكنولوجيا المرأة عندهم؟
خدمت الرجل الغربي،
ولكن المرأة أين مكانها؟
معه في العمل؟
وأخرى في النوادي تتراقص على أنغام الآلات التي اخترعها الرجل!
وأخرى ساقية ونادلة له في الاماكن التي صنعها الرجل لتسليته!
اكتشفت حقيقة أمَـر من العلقم..
الرجل تقدم وضمن رفاهيته وتملص من الحقوق والواجبات و جعل المرأة صالة عرض لكل ما خطر على خياله واخترع لها اثواب بكل الأشكال.
اشتهاها راقصة؛ فرقصت شرقي وغربي.. فالس وباليه.. كما اشتهاها العازف..
اشتهاها ممثلة، فمثلت كل الأدوار التي تحاكي رغباته من المحرمات والعلاقات والاعتداءات.. أي دور وكل دور!
اشتهاها على الشاطئ؛ فأوجد لها ملابس البحر، وأظهر منها ما أراد أن يرى على انه موضة وحداثة!
اكتشفت الخديعة الكبرى في شعار حرية المرأة
فإذا الرجل قد نادى بها، وإذا بهدفه هو الوصول إلى المرأة!
ثم من ماذا يريدون بتحرير المرأة، من الحجاب؟
إنه عبادة كالصلاة والصوم.. وقد كنت سأحرم نفسي منه لولا أن تداركتني رحمة ربي!
يريدون أن يحرروني من طاعة الأب والزوج.. إنهم حُماتي بعد الله.
يريدون أن يحرروني من الكبت،
كيف سميتم العفة والطهارة كبتاً؟ كيف؟
ما الذي جنوه من الحرية؟
غير الأمراض والضياع!
حرروا المرأة كما يزعمون!
أخرجوها من بيتها تكدح كالرجل فضاع الأطفال،
واليوم يدرسون ضياع الأطفال!
تباً لهم وتباً لعقلي الصغير كيف صدقتهم؟
كيف لم أر تقدمنا والمرأة متمسكة بحجابها؟
بعده عرفت علتي وعلة الشباب جميعاً.
أولاً: مشكلتنا الأساسية: أننا لا نعرف عن الإسلام إلا اسمه وعادات ورثناها عن أهلنا كأنه واقع فرض علينا.
وثانياً: لم ندرك طريقة الغزو الحقيقية،
خدرونا بالرغبات..
شغلونا عن القرآن وعلوم الدين،
فهي خطة محكمة، تخدير ثم بتر، ونحن لا نعلم.
اتجهت إلى الإسلام من أول نقطة
من كتب التوحيد إلى الفقه
ومع كلمات ابن القيم عدت إلى الله، ومع إعجاز القرآن اللغوي والتصويري والعلمي والفلكي ووو
ندمت على كل لحظة ضيعتها أقلب فيها ناظري في كتب كتبتها عقول مسخها الله وطمس بصيرتها.
كانت معجزة أمامي هو القرآن الكريم ، لم أحاول يوما أن أفهم ما فيه أو أحاول تفسيره،
:
وبعدها أخرجت من منزلي ومن قلبي كل آلات الضياع والغفلة، وعندما خرج حب اللحن من قلبي، وجدت حلاوة الشهد تنبع من قراءة آيات القرآن، وعرفت أعظم حب!
أحببت الله تعالى
لبست الحجاب الإسلامي الصحيح بخشوع وطمأنينة واقتناع بعد تسليم أشعرني برضا الله عني، ثم عرفت قول الله تعالى:
*﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾*
[سورة الذاريات 57]
أصبحت في سكناتي وحركاتي وطعامي وشرابي استشعر معناه العظيم.
اصبحت انتظر الليل بشوق إلى مناجاة الحبيب أشكو إليه شدة شوقي إلى لقائه، وإلى لقاء المصطفى محمد ﷺ، وحنيناً إلى صحابته الكرام رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ
، ونسائه الطاهرات.
وأخيرا
كلمة إلى كل من سمع قصتي:
لا ترفضوا دينكم قبل أن تتعرفوا عليه جيداً لأنكم إذا عرفتموه لن تتخلوا عنه،
فداه الأهل والمال والبنون والنفس.