يقول الكاتب الفرنسي أناتول فرانس في كتابه (الحياة الجميلة) : “أسوأ يوم في التاريخ هو يوم معركة (بواتييه) عندما تراجع العلم والفن والحضارة العربية أمام بربرية الفرنجة ، ألا ليت شارل مارتل قطعت يده ولم ينتصر على القائد الإسلامي عبد الرحمن الغافقي”
“حين نتذكر كم كان العرب بدائيين في جاهليتهم يصبح مدى التقدم الثقافي الذي أحرزوه خلال مئتي سنة ، وعمق ذلك التقدم ، أمراً يدعو إلى الذهول حقاً ، ذلك بأن علينا أن نتذكر أيضاً أن النصرانية احتاجت إلى نحو من ألف وخمسمئة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة مسيحية ، وفي الإسلام لم يُولّ كل من العلم والدين ظهره للآخر ، بل كان الدين باعثاً على العلم ، وإن الحضارة الغربية مدينة للحضارة الإسلامية بشيء كثير إلى درجة نعجز معها عن فهم الأولى إذا لم تتم معرفة الثانية”
وحسبنا والطب، الذي كان لعلماء العرب والمسلمين فيه مندوحة وأطروحة، جعلتهم نحارير مغاوير، أعجزوا كل أطباء أوروبا بفضل شمولية منهجهم، وسعة مداركهم ، حتى أنهم لم يتركوا مقالة لطبيب على بسيط الأرض لنحو قرون تترى، وحسبنا مجدداً مؤلفاتهم الخالدة التالدة، فهذا ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى ، وصاحب أعظم وأكبر موسوعة في الطب قاطبة [ الشامل في الصناعة الطبية ] ؛ وعلى الدرب الساطع، كتاب «الحاوي» لأبي بكر الرازي ، و«القانون في الطب» لابن سينا ، وكتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» لأبي القاسم الزهراوي … هذه الكتب التي كانت تدرس في جامعات أوروبا حتى القرن الثامن عشر الميلادي كانت حجر الأساس الذي بُني عليه علم الطب الحديث.. كما كان النبوغ الطبي لصنوهم علي بن عيسى الكحال، أعظم طبيب عيون في القرون الوسطى، وصاحب كتاب [ تذكرة الكحالين ]… وعلى التماهي كان ابن الجزار القيرواني، أول طبيب في التاريخ يتخصص في طب الأطفال، والذي ترك أفخم المؤلفات التي تُرجمت لللاتينية واليونانية والعبرية ومنها : زاد المسافر وقوت الحاضر – العدة لطول المدة وهو أطول كتاب له في الطب مطلقاً … وكتاب طب الفقراء…
وقد برع العلماء المسلمون أيضًا في علم الصيدلة، ويكفينا ما جاء في الموسوعة البريطانية والذي نصه: «والحق أن كثيرًا من الأدوية وكثيرًا من مركباتها المعروفة حتى يومنا هذا والمبنى العام للصيدلة الحديثة –فيما عدا المركبات الحديثة بطبيعة الحال– قد بدأه العرب..
ويكفي مجال الصيدلة هذا الجهبذ الألمعي المسلم ابن البيطار، الذي كان له في هذا الفن من العلم القدح المعلي، والذي سطر إحدى أوسع وأغزر مؤلف في تاريخ علم الصيدلة والنبات، وهو كتاب [ الجامع لمفردات الأدوية والأغذية ] والذي يحتوي على وصف لأكثر من ألف وأربعمائة نوع من الأعشاب والعقاقير الطبية،،
وقالت عنه المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها “شمس العرب تسطع على الغرب”: «إن ابن البيطار من أعظم عباقرة العرب في علم النبات، فقد حوى كتابه الجامع كل علوم عصره، وكان تحفة رائعة تنم عن عقل علمي حي، إذ لم يكتفِ بتمحيص ودرس وتدقيق مائة وخمسين مرجعا، بل انطلق يجوب العالم بحثاً عن النباتات الطبية فيراها بنفسه ويجري تجاربه…..