في ساحة العلاقات الإنسانية، يظل العطاء رمزا للنقاء وشعاعا من نور يبدد ظلام الأنانية، فهو ينثر بذور المحبة ويغمر القلوب بالدفء.
إلا أن هذا العطاء، حين يقدم بلا قيد أو شرط، قد يتحول إلى سيف ذي حدين، يكشف نبل المانح، لكنه أيضا يفتح أبواب الطمع التي تسكن نفوسا لا ترى في العطاء نعمة تستحق الامتنان، بل حقا مكتسبا لا يرد.
الشخص الطماع لا ينظر إلى المانح على أنه إنسان ذو احتياجات وأولويات، بل يراه مجرد أداة لتحقيق رغباته.
يبدأ بعرض وجهه المبتسم وكلماته المزيفة المغمورة بشكر خادع، لكنه ما إن يتوقف نهر العطاء أو يتباطأ، حتى ينقلب إلى كائن آخر.
تتبدل ملامحه إلى ملامح الجحود، ويتحول إلى عدو لدود، كالثعبان السام أو العقرب اللحاء، الذي يلدغ من أحسن إليه،
ويصبح كالثور الهائج في الحلبة، ويظهر ما أخفى من أنانية وجحود.
الطماع يجيد ارتداء قناع الضحية، يلقي اللوم على المانح، ويبرر أنانيته بعبارات واهية، يدفع بالآخرين إلى الشعور بالذنب، ويشن حربا نفسية تشوه العطاء النبيل وتحوله إلى واجب مفروض، متناسيا أن المانح إنسان له حدود.
إن هذه الازدواجية، من امتنان كاذب إلى عداوة طافحة، تكشف جوهر الطماع.
إنه لا يقدر الخير الذي منح له، بل يراه فرضا يلقى على عاتق الآخرين، وحين ينقطع هذا الفيض، يخلع قناعه ليظهر وجهه الحقيقي، كالشيطان الرجيم وجه يهدم العلاقات ويزرع الكراهية.
فلنكن حكماء في عطائنا، العطاء قيمة سامية، لكنه يحتاج إلى توازن.
اعط بلا حساب، لكن لا تمنح لمن لا يقدر، ضع حدودك بوضوح، واعلم أن من يحبك بحق، سيظل وفيا لك حتى لو توقفت عن العطاء.
العطاء سلاح في يد الإنسان الحكيم، نور يضيء القلوب، لكنه لا يستحق أن يبدد على من اختاروا العيش في ظلام الطمع والجحود.
فكن كريما بحكمة، واجعل عطاياك نورا لا يضيء لمن اختاروا طريق الظلام.