تعزز التربية الرقمية السلوك السوي الذي بواسطته يتم مواجهة السلوك العدواني الذي يتكرر من الفرد أو المجموعة تجاه فرد لا يمتلك مقومات الدفاع عن نفسه، عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو ما يرد إليه من الرسائل والصور والوسائط الرقمية أو مواقع الويب، أو الملفات الشخصية المزيفة المحرجة من خلال التطبيقات المختلفة عبر هاتفه المحمول أو جهازه الرقمي.
وتحرص التربية الرقمية على تنمية الوعي الصحيح في أنماطه المختلفة لدى الفرد كآلية رئيسة تواجه السلوك غير السوي عبر البيئة الافتراضية، والمتمثل في شتى صور السلوك الذي يستهدف الإحراج، أو التشهير، أو الانتقام، أو التقليل من الشأن والعمل، أو التحرش، أو الافتراء، والبهتان، أو الابتزاز، أو الهجوم غير المبرر، أو الإيذاء، أو الإذلال، أو الإساءة، أو الاستمتاع، أو ممارسة السلطة على هذا الفرد، أو الشائعات المغرضة.
وبشكل مباشر تعمل التربية الرقمية على مواجهة التنمر الرقمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي والذي يمثل إحدى الجرائم الإلكترونية؛ حيث يتبع القلة من مستخدمي الإنترنت أساليب غير سوية وغير أخلاقية، ومخالفة للقوانين في ممارسة أنشطة غير مقبولة تستهدف أشخاصًا بعينها، وتضير بهم على المستوى المادي والمعنوي.
وثمة ذكر لمتنوع من الأضرار التي تنال الفرد المُتنمر عليه؛ حيث إنه قد يعاني من أعراض الاكتئاب، والشعور بالقلق والخوف، وفقد الثقة بالنفس والآخرين، وفقدان الاستقرار والأمان، وانخفاض تقدير الذات، وبعض مظاهر التوتر، والعنف وتوالد العدوانية، وضعف الأداء العام، والاختناق العاطفي، وضعف المشاركة الاجتماعية، وقد يصل إلى الشعور بالعزلة أو تعاطي المواد المخدرة وإيذاء النفس أو الانتحار.
وتؤدي التربية الرقمية دورًا فاعلًا في تناول مشكلة التنمر الرقمي التي توصف بأنها طابع شخصي يرتبط بالعوامل الاجتماعية والتربوية للشخص المُتنمر، وعبر أنشطتها تعمل التربية الرقمية على الحد من آثار التنمر الرقمي المدمرة على مستوى الفرد والمجتمع، خاصة وأن المُتنمر يستغل ضعف وخطأ الآخر، ويحاول أن يضير به بطريقة ما.
وفي هذا الإطار نرصد سلبية تجاه اهتمام الأهل والأصدقاء بالشخص المتنمر عليه، وما يواجهه من مشكلات في العالم الافتراضي والواقعي؛ حيث يتوجب أن يكون هناك تفاعل ومؤازرة لمن يقع عليه التنمر ومواجهة ضد من يمارس التنمر، وفي المقابل يتفاعل الآخرون ممن هم متواجدون على مواقع التواصل الاجتماعي مع المُتنمر الذي يفلت من العقاب؛ لقلة توافر الأدلة أو التزييف بواسطة استخدام حسابات وهمية.
وفي إطار زخم البيئة الرقمية من التقارب والتداخل والتفاعل الرقمي بين الأفراد والمجموعات عبر شبكة الإنترنت بات من الأهمية ضبط العلاقات بصورة تضمن السلامة للجميع عبر بوابة التربية الرقمية؛ فقد أصبح توظيف واستخدام التقنيات الرقمية للفرد جزءا لا ينفصل عن ممارساته اليومية كي يكتسب خبرة أو يطلع على مجريات الأحداث، أو يشارك في الفعاليات المتنوعة عبر منصات التواصل الاجتماعي على المستوى الخاص أو العام، كما أن توافر التقنيات الرقمية مع الجميع أحدث ثورة في التواصل منقطعة النظير يصعب ضبطها.
ومن المهام التي تلقى على عاتق التربية الرقمية تخطيطها الممنهج وفق فلسفة الاحتواء التي تشمل رعاية الفرد المتنمر عليه بغية إشعاره بالثقة والأمن والاهتمام، ما يعطيه القدرة على التعبير عما يتردد داخله من مخاوف واضطرابات وتهديدات، تلقاها من المتنمر، دون خوف أو قيود، وهذه أول بوادر الإيجابية، ويُسمى هذا بتنقية الوجدان؛ ليستبصر ما قد يكون وقع فيه من خطأ جراء تعاملاته الرقمية مع الطرف الآخر؛ بغية الوقوف على حل لها بعد تفكير عميق، وهذا من آليات المواجهة الفاعلة.
وتعمل برامج التربية الرقمية على وصول المُتنمر به لمرحلة التفكير في مشكلته، ومن ثم تبدأ المواجهة الصريحة أو المعلنة؛ بغية تغيير موقفه والتصدي لمشكلته، مستخدما مهارات اجتماعية راقية، تتمثل في تحمل المسئولية والاندماج الاجتماعي مع الأسرة والأصدقاء وتدعيم العلاقات والمشاركة الفاعلة والتواصل الإيجابي.
وفي ضوء ما تمت الإشارة إليه يستطيع أن يصل الفرد المُتنمر به إلى وضعية صريحة لتفسير ما مر به، وهذه هي مرحلة الإدراك التام للموقف، بل وتبسيطه، وعليه يتحول سلوكه السلبي لسلوك المبادأة، ويتغير نمط تفكيره بعد العديد من المناقشات والحوارات الثرية معه؛ ليصل لاستراتيجية المواجهة والتخطيط لمساره المستقبلي؛ ليكمل حياته العملية والعلمية بصورتها الطبيعية، وينقذ نفسه من براثن التنمر الرقمي.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر