انعكاسات سياسات تخفيض قيمة الجنية المصرى، التى أتبعتها الحکومة المصرية ضمن سياسات الإصلاح الاقتصادى، على نسب الفقر وعدالة توزيع الدخل فى مصر خلال الفترة من 1999 وحتى 2019. وقد تم إستخدام منهج التحليل الوصفى لاستنباط العلاقة النظرية بين المتغيرات المختلفة ومدى إنطباق تلک العلاقة على الواقع الاقتصادى فى مصر، کما تم إستخدام منهج التحليل القياسى لتحديد مدى التأثير الکمى لسياسات تخفيض قيمة الجنية المصرى على معدلات الفقر ومدى تاثير ذلک على عدالة نوزيع الدخل.
وتوصل البحث إلى نتائج تتطابق مع النظرية الاقتصادية، فانخفاض سعر صرف الجنية المصرى أدى إلى زياظات متتاليه فى اسعار السلع الاساسية ما ادى الى أرتفاع معدلات التضخم، وهو ما زاد من حدة شعور الطبقات متوسطة ومنخفضة الدخل بانخفاض دخولهم الحقيقية ما زاد من حجم الفقراء فى مصر ليصل إلى نحو 62% من سکان مصر تحت خط الفقر وفقاً لتقارير البنک الدولي.
کما أثبت البحث تدهور توزيع الدخل فى غير صالح الطبقات محدودة الدخل والفقراء و ارتفاع عدم عدالة توزيع الدخل في مصر منذ عام 2015. وتمت الوصية بضرورة اتخاذ الحكومة المصرية العديد من الإجراءات لتطوير شبكة الضمان الاجتماعي لمواجهة الانعكاسات السلبية للإجراءات الاقتصادية على الفقراء ومحدودي الدخل. إن تغيرات أسعار الصرف في النظام التجاري المفتوح لها آثارا مباشرة وغير مباشرة على المتغيرات الاقتصادية الكلية والجزئية ، وعلى المستوي القومي والشخصي. وبالنظر إلى مصر التي تعتمد في استهلاكها وإنتاجها على استيراد نسبة كبيرة من احتياجاتها، فإن هذه الآثار تكون كبيرة خاصة في القطاعات التي ترتفع فيها نسبة الاعتماد على المكون الأجنبي لمستلزمات الإنتاج أو سلع الاستهلاك النهائي. فهناك ارتفاع دائم في الاعتماد على الخارج في توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي.
وانتهجت الدولة المصرية سياسة تخفيض سعر صرف الجنيه المصري في سياساتها لأصالح ا خلال الثالث شهور الأولى الاقتصادي منذ عام 1991 وحتى عام 2016 . وكان هذا الانخفاض كبير ومتتاليا من عام ،2016 وأدى هذا الانخفاض والذى حدث بداية في السوق الموازية )السوق السوداء( إلى توجه البنكً المركزي إلى تخفيض قيمة العملة المحلية أكثر من مرة خلال أسابيع قليله إ لرغبات المتعاملين في نصيانا السوق، وقوى العرض والطلب على العملة الجنبية، وبهدف القضاء على المضاربات على العمة الجنبية خاصة الدولار. ومن المعلوم أن هذا الانخفاض في قيمة العملة المحلية )الجنية( سيؤدى إلى ارتفاع معدلات التضخم)طبقا للنظرية الاقتصادية(، خاصة في اقتصاد يعتمد بنسبة كبيرة من استهلاكه على الواردات، والتي ارتفعت قيمتها نتيجة إل نخافض قيمة العملة المحلية، ما يعنى ارتفاع تكلفة المعيشة وخاصة على الفئات محدودة الدخل، ً من عمليات المضاربة، سواء و أصحاب الدخول الثابتة. في حين أن هناك بعض فئات المجتمع ستحقق أرباحا في سوق العملة أو أسواق السلع والخدمات المختلفة. ما يعنى حدوث إعادة لتوزيع الدخل في غير صالح ذوى الدخول المحدودة ولصالح المضاربين و أصحاب المهن الحرة بلغ الدولار أعلى مستوى له منذ عام 2000، بارتفاع قدره 22% مقابل الين، و13% مقابل اليورو، و6% مقابل عملات الأسواق الصاعدة منذ بداية هذا العام. وتنطوي هذه الزيادة الحادة في قوة الدولار خلال شهور قلائل على انعكاسات اقتصادية كلية كبيرة بالنسبة لكل البلدان تقريبا، نظرا لهيمنة الدولار في مجالي التجارة الدولية والتمويل.
وبينما تراجع نصيب الولايات المتحدة من الصادرات السلعية العالمية من 12% إلى 8% منذ عام 2000، فإن نصيب الدولار من الصادرات العالمية ظل ثابتا حول نسبة 40%. وبالنسبة لكثير من البلدان التي تكافح لتخفيض التضخم، أدى تراجع عملاتها مقابل الدولار إلى زيادة ما تواجهه من صعوبة في تحقيق هذا الهدف.
وتشير التقديرات إلى أن كل ارتفاع في سعر الدولار بنسبة 10% ينتقل تأثيره* إلى التضخم على هيئة ارتفاع بنسبة 1%، في المتوسط. وتكون هذه الضغوط بالغة الحدة في الأسواق الصاعدة، انعكاسا لاعتمادها الأكبر على الواردات ونصيبها الأكبر من الواردات التي تسدَّد فواتيرها بالدولار مقارنة بالوضع في الاقتصادات المتقدمة.
وفي ظل هذه الظروف، هل ينبغي للبلدان أن تعمل جاهدة على دعم هذه العملات؟ هناك عدة بلدان تلجأ بالفعل إلى القيام بتدخلات في سوق الصرف. وقد هبط المجموع الكلي للاحتياطيات الأجنبية لدى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بأكثر من 6% في السبعة شهور الأولى من هذا العام. وتتطلب استجابة السياسات الملائمة للضغوط الخافضة لسعر الصرف التركيز على القوى الدافعة لتغير سعر الصرف وعلى الإشارات الدالة على وجود اضطرابات في السوق. وعلى وجه الخصوص، ينبغي ألا يكون التدخل في سوق الصرف بديلا لإجراء تعديل مبرر في السياسات الاقتصادية الكلية. وهناك دور للتدخل المؤقت حين تؤدي تحركات العملة إلى زيادة كبيرة في المخاطر على الاستقرار المالي و/أو تشكل عائقا كبيرا أمام قدرة البنوك المركزية على الحفاظ على استقرار الأسعار.
واعتبارا من الآن، تمثل أساسيات الاقتصاد عاملا رئيسيا في ارتفاع سعر الدولار، أي الارتفاع السريع في أسعار الفائدة الدولارية وتحقيق الولايات المتحدة معدلات تبادل تجاري أفضل – وهي مقياس لأسعار صادرات أي بلد مقابل وارداته – بسبب أزمة الطاقة. وفي سياق مكافحة الارتفاع التاريخي في معدل التضخم، شرع الاحتياطي الفيدرالي في عملية تشديد عاجلة لمسار أسعار الفائدة الأساسية. وإذ يواجه البنك المركزي الأوروبي امتداد التضخم على نطاق واسع، فقد أشار إلى مسار أقل حدة لأسعار الفائدة الأساسية، بدافع القلق من أن تؤدي أزمة الطاقة إلى هبوط اقتصادي. وفي الوقت ذاته، سمح التضخم المنخفض في اليابان والصين للبنك المركزي في البلدين بمقاومة الاتجاه العالمي نحو التشديد. أما في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بخلاف الصين، فقد كان الكثير منها متقدما في دورة التشديد النقدي العالمية – مما قد يرجع في جانب منه إلى القلق بشأن سعر صرف عملاتها مقابل الدولار – بينما مرت مجموعة الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية المصدرة للسلع الأولية بصدمة إيجابية في معدلات التبادل التجاري. وبالتالي، كانت ضغوط أسعار الصرف في متوسط اقتصادات الأسواق الصاعدة أقل حدة مما كانت عليه في الاقتصادات المتقدمة، بل إن سعر الصرف ارتفع في بعضها، مثل البرازيل والمكسيك.
ونظرا للدور المؤثر الذي تؤديه أساسيات الاقتصاد كعوامل دافعة، فإن الاستجابة الملائمة هي السماح لسعر الصرف بأن يتعدل، مع استخدام السياسة النقدية لإبقاء التضخم قريبا من المستوى المستهدف. وسيساعد ارتفاع سعر السلع المستوردة من خلال تأثيره الخافض للواردات على تحقيق التكيف اللازم مع الصدمات التي تواجهها أساسيات الاقتصاد، مما يساعد بدوره على الحد من تراكم الدين الخارجي. وينبغي استخدام سياسة المالية العامة لدعم أكثر الفئات ضعفا دون تعريض مستهدفات التضخم للخطر. وثمة حاجة لخطوات إضافية أيضا لمعالجة مخاطر التطورات السلبية العديدة التي تلوح في الأفق. فمن المهم الانتباه إلى أننا قد نشهد اضطرابات أكبر بكثير في الأسواق المالية، بما في ذلك احتمال الفقدان المفاجئ للإقبال على أصول الأسواق الصاعدة مما يمثل دافعا لخروج تدفقات رأسمالية كبيرة، حيث يتراجع المستثمرون مُفَضِّلين الاستثمار في الأصول الآمنة.
وفي هذه البيئة الهشة، من الحكمة تعزيز الصلابة في مواجهة الصدمات. فبالرغم من أن البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة قد راكمت احتياطيات دولارية في السنوات الأخيرة، مستفيدة من دروس الأزمات السابقة، فإن هوامش الأمان هذه محدودة وينبغي استخدامها بحكمة.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا