في هذه الحياة الواسعة، حيث تتشابك الخيوط بين الأرض والسماء، تقف الأشجار كرموز حية تحمل في أغصانها معاني عظيمة.
فكل شجرة ليست مجرد كائن طبيعي، بل هي تجسيد حي لحالة نفسية وفكرية نعيشها.
هناك شجرة طيبة، تثمر لنا الأمل والراحة، تمنحنا ظلها في الأوقات الصعبة، وتغذي أرواحنا بالسلام.
وهناك شجرة خبيثة، تثمر الألم، وتخدر القلوب بأشواكها.
في حياتنا، تتعدد الأشجار، وكل شجرة تمثل نوعا من العلاقات والمواقف التي نمر بها، تزرع فينا ما نختار أن نحصد (الطمأنينة أو الشقاء، الأمل أو الندم).
كما قال الله تعالى في كتابه الكريم:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [ إبراهيم: 24]
الشجرة الطيبة هي تلك التي ترسخ جذورها في أرض صلبة من الإيمان والأمل، تشدها سماء من النور والتضحية، أغصانها ممتدة إلى السماء، تميل برفق لتُظِل من حولها، أوراقها خضراء، ناعمة، تسبح في أنوار الرحمة.
هي شجرة تمنح الحياة لمن يقترب منها. فهي لا تظلم ولا تأخذ، بل تعطي بغير حساب.
الشجرة الطيبة تزرع في الأرض بذور المحبة، وتطعم الأمل، ولا تحصد إلا السعادة، في وجودها، ينبعث السلام، وحين تغيب، يشعر القلب بالغربة.
الشجرة الطيبة تعطيك الثمر دون أن تطالبك بشيء، تمنحك أوقات الهدوء، وتضيء دربك في أوقات الحيرة.
هي الصديق الذي لا يفر من أمامك حين تحتاجه، بل يقف إلى جانبك، يدعمك ويمنحك القوة لتستمر.
هي تلك الكلمة الطيبة التي تريح القلب وتزيل الهم.
أما الشجرة الخبيثة، فهي شجرة سامة تزرع في الأرض الألم، جذورها ضحلة، تسرق من الأرض دون أن تعطي.
أوراقها ذابلة، وعروقها عميقة في الظلام. هي تلك التي تحمل أشواكا بدلاً من الأزهار، وأوراقًا صفراء تجذب الرياح العاتية، وتذبل مع مرور الوقت. هي التي توهمك بالظل في البداية، لكن سرعان ما تكتشف أنك تسير في طريق مليء بالأشواك.
الشجرة الخبيثة هي أولئك الذين يسلبون منك طاقتك في أوقات ضعفك.
تُظهر لك الاهتمام حينما تكون الأمور سهلة، لكنها تختفي حينما تبدأ العواصف.
هي الحروف الباردة التي لا تحمل أي مشاعر، هي العلاقة التي تهدمك دون أن تشعر.
هي كلمات تجميلية تقال لتسكتك لكنها تخفي وراءها خيبة الأمل.
كما قال الله تعالى:
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (إبراهيم: 26).
الشجرة الخبيثة تبقى دائمًا في الظلال المظلمة، تقتات على أحزان الآخرين، ولا تزرع إلا التوتر والقلق.
وهي ليست حاضرة في الأوقات الصعبة، بل تختفي حينما يحتاجك قلبك.
هي الوعد الذي ينكسر، واليد التي تخذلك حينما تتوقع أن تساعدك.
وفي النهاية، كل واحد منا يقرر أي الشجرتين يختار ليغرسها في عين قلبه.
الحياة مليئة بالاختيارات، ونحن من نحدد من نسمح له بالاقتراب منا، ومن نسمح له بأن يظل بعيدا عن أرواحنا.
فلتكن شجرتك طيبة، شجرة تثمر الخير وتظل بالرحمة، ولا تجعل في قلبك مكانا لشجرة خبيثة، لأن الشجرة الخبيثة لا تترك في النفس سوى الندم.
وها هي الدعوة توجه إليك، كما وجهها الله
تعالى في قوله:
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (السجدة 14)
فلنترك في قلوبنا شجرة طيبة، نراها تؤتي ثمارا تظلنا في ظلها في هذه الحياة، وتضيء لنا الطريق في الآخرة.