تقوم جريمة الحث على الاقتتال إذا ما جاء بالسلوك الإجرامي المكون للركن المادي لها والذي يتمثل بثلاث صور وفق ما نصت عليه المادة (195) من قانون العقوبات العراقي إذ تتمثل الصورة الأولى للسلوك الإجرامي بأنه نشاط مادي إيجابي متمثل بتسليح المواطنين وذلك بإعطائهم الأسلحة أو تزويدهم بالمال اللازم لشرائه ، أما الصورة الثانية والثالثة فإن السلوك الإجرامي يتخذ صورة السلوك المادي ذا المضمون النفسي إذ تكون جريمة إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي في الصورتين الأخيرتين : ( الحمل على التسليح و الحث على الاقتتال ) جريمة سلوك مادي ذي مضمون نفسي يتمثل بصورة نشاط يصدر من الجاني يطرق به نفوس من وجه اليهم وأن يكون من شأنه التأثير في ذهن من وجه اليهم كان يخلق لديهم فكرة الجريمة أو يزيل التردد في تنفيذها .
أما قانون مكافحة الإرهاب العراقي رقم 13 لسنة 2005 فقد نص هو الآخر على جريمة إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي (3) وأضاف للصورة التي ذكرت أعلاه نمطين آخرين لتحقق السلوك الإجرامي بورود عبارة بالتحريض أو التمويل عليه يمكن ارجاع صورة التحريض الى الصورة الثانية والثالثة ليدخل ضمن السلوك المادي ذي المضمون النفسي وإرجاع صورة التمويل لصورة السلوك المادي ذي المضمون المادي أو بعبارة أخرى سنقسم السلوك للركن المادي لجريمة إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي على قسمين القسم الأول يضم السلوك المادي البحت والذي يضم بطيه ( التسليح والتمويل ) أما القسم الثاني فهو السلوك المادي ذو المضمون النفسي والذي يضم ( الحمل على التسليح والحث على الاقتتال والتحريض )
أولاً – السلوك المادي البحت ( التسليح والتمويل : – يراد بالتسليح تزويد المواطنين بالأسلحة والاعتدة وملحقاتها اللازمة لاستعمالها في الحرب الأهلية أو اعطائهم المال اللازم لشراء الأسلحة (4) أي انصراف نية الجاني بتسليح المواطنين بالسلاح أو إعطائهم المال لشراء السلاح تتجه نحو تحقيق غاية الجاني بإثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي (5) ولم تشترط النصوص القانونية المنظمة لهذه الجريمة بعدد المواطنين الذين يتم تزويدهم بالسلاح وهذا ما نستشفه من نص المشرع العراقي بعبارة ( تسليح المواطنين) وكذلك ما جاء به المشرع الأردني بعبارة تسليح الأردنيين (6) ، وترك أمر تقديرها للسلطة القضائية إذ يكون لها سلطة تقدير ذلك في ضوء ملابسات ملابسات وظروف كل قضية ويبدو واضحاً أن النص القانوني قد تطلب تسليح المواطنين حصرا عليه لا تقوم الجريمة إذا ما تم تسليح الأجانب (7)
أما بشأن نوع الأسلحة التي يزودون المواطنين بها فيرى رأي من الفقه الجنائي أن نوع الأسلحة التي يزودون المواطنين بها لا يؤثر على قيام الجريمة (8) على خلاف هذا الرأي يرى جانب آخر من الفقه الجنائي أن تكون الأسلحة المزودة لغرض قيام الجريمة لابد أن تقع ضمن الأسلحة التي أشار اليها قانون الأسلحة إذ يوجد نوعان من الأسلحة النوع الأول وهو الأسلحة النارية كالمسدس والبندقية وبندقية الصيد أما النوع الثاني من الأسلحة فهي الأسلحة الحربية المستعملة من القوات المسلحة (9) أي أن الجريمة لا تقوم اذا ما زوّد المواطنون بغير هذه الأنواع من الأسلحة المنصوص عليها في القانون ، ويضيف هذا الجانب من الفقه بضرورة توسيع نطاق المقصود بالأسلحة فقد يزود المواطنون بمواد لا توصف بأنها أسلحة بذاتها كالمواد الكيمياوية التي تدخل ضمن صناعه المتفجرات إذ ما اتجهت نية الجاني لإحداث إثارة الفتنة الطائفية بإشعال الحرب الأهلية أو بالاقتتال الطائفي (10).
أما التمويل فهو أحد السلوك المجرم المكوّن للركن المادي لهذه الجريمة استناداً لما نص عليه قانون مكافحة الإرهاب العراقي (11) وقد أورد المشرع العراقي لفظ التمويل بصورة مطلقة دون أن يضع تعريفا له في قانون مكافحة الإرهاب وذلك ليترك للقضاء الجنائي مساحة واسعه لتحديد الأفعال التي تدخل ضمن ، مفهوم التمويل وقد ورد تعريف لتمويل الإرهاب في قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب العراقي (12) وقد دخل مصطلح التمويل في ميدان القانون الجنائي إثر اتساع الجريمة الإرهابية والدعوات التي نادت بضرورة تجفيف منابع التمويل للأنشطة الإرهابية كوسيلة للحد من إنتشار الإرهاب (13) لذلك نرى ارتباط مصطلح التمويل بقانون مكافحة الإرهاب وقد عرف تمويل الإرهاب بأنه: ( توفير الأموال من الأفراد أو المؤسسات لمصلحة فرد أو مجموعة منظمة لاستعمالها في أعمال إرهابية) (14).
ثانيا – السلوك المادي ذو المضمون النفسي.
أن السلوك المادي ذو المضمون النفسي المكون للركن المادي لجريمة استهداف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي يتمثل أما بالحمل على التسليح أو بالحث على الاقتتال ، ولما كانت جميع هذه المصطلحات تندرج ضمن النشاط التحريضي حسب الرأي الراجح في الفقه الجنائي (15) إذ نرى أن صور التحريض على استهداف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي وفق التشريع الجنائي العراقي تتجسد بصورتين هما الحمل على التسليح والحث على الاقتتال والتي ورد النص عليها في قانون العقوبات العراقي (16) كما نص قانون مكافحة الإرهاب العراقي على صورة أخرى تمثلت بالتحريض على إثارة الحرب الأهلية (17) ولم يحدد القانون الأخير العمل أو الأعمال التي ينص عليها التحريض التي من شأنها أن تؤدي لإشعال وإثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي وهذا يعني منح القضاء الجنائي سلطة تقديرية واسعة وإفساح المجال أمام القضاء لتقدير ظروف كل جريمة ولإضفاء وصف جريمة إثارة الحرب الأهلية إذا ما انصب التحريض على أي عمل يرى القضاء أنه من شأنه إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بالرجوع الى صور التحريض الذي يستهدف إثارة هذه الجريمة والمتمثلة بالحمل على التسليح أو الحث على الاقتتال ، ومما توجب الإشارة اليه أن كل من الحمل والحث يمثل المعنى اللغوي للتحريض ، فالصورة الأولى من صور التحريض : ( الحمل على التسليح ( والتي نص عليها في المادة (195) عقوبات عراقي والمادة (4/2) من قانون مكافحة الإرهاب العراقي والتي تقابلها المادة (142) عقوبات أردني هي حمل المواطنين على تسليح بعضهم ضد البعض الآخر وإذا كان التحريض بمفهومه الواسع يشمل كل ما من شأنه دفع الآخر للتصرف على وجه معين (18) فإن الحمل على التسليح بأي فعل من شأنه أن يحمل المواطنين على التسليح أي أن الحمل على هذا الأمر يتم بأي عمل يفيد إقناع المواطنين بفكرة التسليح سواء خلق المحرض هذه الفكرة أم كانت موجودة فشجع عليها فالمهم في الأمر أن ينصب النشاط التحريضي بخلق أو تحبيذ فكرة تسليح المواطنين .
أما الصورة الثانية من صور نشاط التحريض الواردة في المادة (195) عقوبات عراقي فهي حث المواطنين على الاقتتال وهذه الصورة تتحقق حسب رأي بعض الفقه الجنائي بتشجيع المواطنين على مقاتلة الطرف الآخر من المواطنين (19) . ويرى آخر من الفقه الجنائي أن مصطلح الحث جاء به المشرع بمعنى أوسع من مجرد التشجيع أو خلق فكرة الجريمة بل يمتد ولا يقتصر على مجرد إثارة الفتنه واشعال الحرب الأهلية إنما يدفع باتجاه استمرار الاقتتال الطائفي والحرب الأهلية وديمومتها (20) ، ونحن نرى أن مفهوم الحث يقع سواء بخلق فكرة الجريمة أم بمجرد تحبيذها أو التشجيع عليها وهذا ما يتفق مع الطبيعة المميزة للتحريض باعتباره نشاط يتجه للإرادة الخاصة بمن يوجه اليه بقصد التأثير فيها فيدفعه لارتكاب الجريمة سواء بخلق فكرة الجريمة أم بالتشجيع على فكرة إتيان الجريمة ، والجدير بالذكر أن قانون مكافحة الإرهاب العراقي رقم 13 لسنة 2005 لم ينص على صورة الحث على الاقتتال فقد وسع الأمر بذكره التحريض (21) فالتحريض على أي فعل من شأنه أن يؤدي لاستهداف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي تقوم به الجهة وبهذا يكون المشرع العراقي قد توسع في سياسة التجريم إذ إن هذا التوسع يكمن في أهمية المصالح المحمية محل الحماية الجنائية لما لها من مساس بكل مقدرات البلاد.
الفرع الثاني الركن المعنوي
يتمثل الركن المعنوي في جريمة التحريض على إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بالجانب النفسي الذي يربط الجاني بماديات الجريمة، وتتخذ هذه العلاقة صورة معينة فتكون أما بصورة القصد الجنائي أو الخطأ غير العمد حسب طبيعة الجريمة وإمكانية تحققها ، ونجد أن الركن المعنوي في جريمة التحريض على إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي يتخذ صورة القصد الجرمي والمكون من عنصري العلم والإرادة أي يجب أن يحيط الجاني علماً بأن فعله ينطوي على إثارة الاقتتال الطائفي أو اذكاء مشاعر الكراهية والتباغض بين أبناء الوطن الواحد وأن تنصرف إرادته الى السلوك المكون للجريمة وهذان العنصران يمثلان القصد العام في الجريمة (22) وبالإضافة لتوافر القصد العام في قيام جريمة استهداف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي يتطلب لقيام هذه الجريمة توافر القصد الخاص والذي يتميز بأن العلم والإرادة لا يقتصران على أركان الجريمة وعناصرها بل يمتد الى وقائع ليست من اركان الجريمة وفي هذه الجريمة تتمثل بغاية الجاني على استهداف إثارة الحرب الأهلية أو السعي لإثارة الاقتتال الطائفي أو بمعنى آخر أن يكون هدف الجاني هو إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي فاذا ما انعدمت هذه الغاية انعدم القصد الجنائي وبالتالي عدم قيام مسؤوليته بهذه الجريمة وإن أمكن محاسبة عن جريمة أخرى حسب الأحوال والظروف (23) أي ان يكون النشاط التحريضي للمحرض مجرم لابد أن يكون بتعبيرصادر عنه كاشفاً بوضوح غايته بإثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي (24).
____________
1- يرى جانب من الفقه الجنائي ان جريمة الحث على الاقتتال لا تقوم بتوافر ركنيها المادي والمعنوي فقط بل يتطلب نموذجها القانوني توافر الركن المفترض المتمثل في الدولة كمجنى عليه حيث يبرر هذا الاتجاه رأيهم بضرورة توافر الركن المفترض لقيام جريمة استهداف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي هو ان الجاني لابد ان يستهدف بسلوكه الإجرامي اركان الدولة ( الدولة كمجنى عليه ) والمتمثلة بالشعب والاقليم والسيادة وذلك من خلال اقتتال الشعب وتجزئة الإقليم وفقدان السيطرة أو السيادة على جزء من الإقليم. للمزيد ينظر. د. آدم سميان ذياب العزيزي ومحمد عباس حسين الركن المفترض في جريمة إثارة الحرب الأهلية، بحث منشور في مجلة تكريت للحقوق المجلد (1) العدد (1)، سنة 2018، ص 1-18. اما الجانب الاخر من الفقه فيرى ان هذه الجريمة تقوم بركنيها المادي والمعنوي. للمزيد ينظر د. محمد عودة الجبور، الجرائم الواقعة على امن الدولة وجرائم الارهاب دار الثقافة ط1 عمان 2009، ص315. د. عودة يوسف سليمان الموسوي جريمة استهداف اثارة الحرب الاهلية عبر وسائل الإعلام طا، المركز العربي، القاهرة ،2018، ، ص 111. د. سعد إبراهيم الاعظمي، موسوعة الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي، ط1 ، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2000 ، ص83. ونحن نتفق مع الراي الأخير الذي يقضي بقيام جريمة استهداف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بالأركان العامة للجريمة فقط ، ومعا جل احترامنا للرأي الفقهي الذي يقضي بضرورة توافر الركن المفترض إلا اننا لا نتفق مع الرأي الفقهي انف الذكر لأننا نرى قيام جريمة استهداف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي بتوافر الركن المادي والركن المعنوي ونبرر ما نذهب اليه كون جريمة استهداف إثارة الحرب الأهلية أو الاقتتال الطائفي جريمة متناوبة السلوك وقد خصص المشرع لقيامها صورتين الأولى المتمثلة بإثارة الحرب الأهلية والصورة الثانية بإثارة الاقتتال الطائفي حيث تقوم الجريمة بمجرد إتيان الفاعل أي من صور السلوك الإجرامي لهذه الجريمة والمتمثل بتسليح المواطنين أو حملهم على التسليح أو حثهم على الاقتتال من ما من شأنه استهداف قيام احد صورتي هذه الجريمة وجعلها الإعدام اما اذا لم تقع النتيجة التي يبتغيها الجاني ففعلة مجرم وينطبق علية النص محل الدراسة (195) عقوبات عراقي مع مراعات تخفيف العقوبة لعدم وقوع الأثر من فعل التحريض أو اتيانه للصور الأخرى من السلوك ، ومن خلال مطالعة النص لا نجد تحقق الجريمة يقف على ان يكون المجنى عليه الدولة فهذه الجريمة تقوم وان لم تقع النتيجة المادية لها .
2- تقابلها المادة (142) من قانون العقوبات الأردني والمادة 289 من قانون العقوبات السوري والمادة 308 من قانون العقوبات اللبناني.
3- تنظر المادة (4/2) من قانون مكافحة الإرهاب العراقي.
4- ينظر: د. عبد الاله محمد النوايسة، الجرائم الواقعة على امن الدولة في التشريع الأردني، دار وائل للنشر، عمان ،2005، ص237.
5- ينظر: د. محمد عودة الجبور، مرجع سابق، ص316.
6- تنظر المادة (195) من قانون العقوبات العراقي والمادة (142) من قانون العقوبات الاردني
7- شهد العراق في الأونة الأخير حرب أهلية واقتتال طائفي مقيت كان للعنصر الأجنبي دور فعال في إثارة الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي فاذا ما كانت النص القانوني (195) من قانون العقوبات العراقي ينسجم مع ظروف تشريعه في وقتها أصبحت الآن نصوص لا تغطي الحماية الجنائية الكاملة لأمن المواطن ، فتسليح العناصر الأجنبية اصبح امراً مسلم به عشناه ونعيشه يوميافي عراقنا الجريح، عليه اصبح من الضروري إعادة النظر بصياغة النص القانوني انف الذكر على النحو الذي يكفل فيه توافر الحماية الجنائية الازمة للمصالح المعتبرة وذلك بتجريم فعل التسليح اكان للمواطن ام للأجنبي على حد سواء.–
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا