يذود عن حريته، يغالب أيادي عدَّة تتكالب عليه، يقاوم شعور بالخنوع تنقله إليه، لكن إلى متى؟
اليأس يحيط به، يغشيه، يتملكه، يقتات عليه، ثم استسلم للأمر..
هجرته الأيادي، وشبح ابتسامة تعلو وجوههم الشاحبة، انصرفوا عنه وأهملوا وجوده بمجرد أن استتب لهم الأمر، لقد انضم إليهم ظل جديد..
انزوى في ركن مظلم، يفكر، كيف انتهى به الأمر سجين في عالم الظلال؟! بل، كيف بدأ؟!
لا يستطيع تذكر أي شيء قبل اللحظة التي بدأ صاحبه يتوطَّأه برجليه، لقد وقف فجأة، ثم رفع قدمه وداس عليه..
اعتاد صاحبه بعدها الأمر، أخذ يفعله عمدًا، حتى صار نهجه، يدوسه بقدميه في جميع الاتجاهات، شرقًا وغربًا، يمينًا ويسارًا، ويقهقه مستمتعًا بالأمر..
هي نفس اللحظة التي نُقص فيها جزء منه، لقد صار يمتد على الأرض دون موضع القلب..
ثم بدأ يتلاشى رويدًا، حتى وجد نفسه سجينًا في عالم الظلال.
يملأ اليأس نفسه، والكمد يحتل صدره، داهمه الندم؛ بكى بكاء الظلال، صرخ بصوت كالصمت، وفجأة عاد قلبه إلى موضعه..
الحنين يضرب أوصاله، يأخذه بعيدًا إلى حيث لا يدري ولا يعلم، يبتسم..
يشعر بالبهجة؛ لقد بدأ يتذكر لحظات أفيائه، حين كان يمتد على الأرض أمام صاحبه، كأنه دليله، ربما مرشده، أو قائده، لكن، لم يخامره الشك وتراوده الظنون ويخالطه الشك؟!
يتمنى الرجوع، إلى أين؟ من هو حقًّا؟!
يستنهض همته التي فترت، يستنفر إرادته التي خارت، يستجمع قدرته التي كادت أن تتلاشى..
يشعر بكيانه يتغير، كينونة ليست كالظلال، يصرخ بأعلى صوته:
- من أنا؟!
تعلو همته، تشتد إرادته، تتَجَلَّد عزيمته، يتَصَلَّب عوده، يصرخ مرة أخرى: - أريد العودة، أشتاق إلى الرجوع، إلى ذاتي، إلى حياتي.
وجد نفسه بغتة قرب صاحبه، لم يكن يمتد على الأرض، بل يقف في قبالته..
صراع إرادة يدور بينهما..
يتصلب عوده أكثر، تتعاظمت إرادته، وجسد صاحبه يتموج أمامه..
ثم بدأ صاحبه يميل إلى الخلف مرتكزًا على الكعبين، حتى افترش الأرض ممتدًا أمامه.