يُعد الوجدان أحد المكونات الرئيسة لدى الإنسان، ويتضمن في مكنونه الغائر مشاعره، وانفعالاته، وميوله، واتجاهاته، وذوقه وتذوقه، وعقيدته، وقدرته على التكيف مع نفسه والآخرين، ومظاهر فرحه، وحبه، وكرهه، وحفاظه على عاداته، وصور تعاونه، وتعامله مع ما يحيط به من مظاهر الأشياء، وظواهرها.
وكما أن للجانب المعرفي لدى الإنسان غذاء يتمثل في تزوده بالجديد من المعارف؛ لتضاف إلى البنى العقلية، وكما أن للجانب المهاري غذاء يبدو في جديد الخبرات المهارية التي تصقله، وتنميه؛ فإن للوجدان غذاء يكمن في تعزيز مستدام لمكونه في النفس؛ لتترابط الجوانب مع بعضها البعض، ويصبح المحرك الأساسي للسلوك هذا الجانب الذي يحدث الاستقرار النفسي.
وإذا ما نظرنا إلى القيم التي نرصدها في جملة الأنشطة، والمواقف التي يتبناها المجتمع تحت مسميات تشكل معايير حاكمة للسلوك لدى منتسبيه؛ فإنها في حاجة لغذاء لدى الإنسان من المهد إلى اللحد؛ فقيمة الجمال تحتاج لقراءة تفاصيله التي ندربه عليها، وتعريفه بطرائق، وأساليب الاستمتاع بهذا الجمال، والآليات التي تسهم في المزيد من الإضفاء.
وتحتاج قيمة الصدق إلى غذاء يتمثل في تدريب الإنسان على أن يصف لسانه ما يطابق الحقيقة دون غيرها، وأن نقدم له برهانا منفعته، وثمرته التي تضبط السلوك؛ فيرى الإنسان في تلكما القيمة العظيمة المسار الآمن الذي يقيه شرور تغير الذات، وتحولها إلى طرائق حالكة الظلام؛ ومن ثم تطمئن النفس، وتستقر، وتهتدي إلى دروب الخير، والبر، وتتجنب التطرق إلى مسارات الشرور، التي يعف اللسان عن ذكرها.
ويكمن غذاء قيمة الصبر في تدريب النفس على التحمل من أجل بلوغ الغاية، وهنا تتباين طرائق، وأساليب تعزيز الصبر وفق أنماطه؛ فهناك الصبر على صور الطاعة، ومنها إتقان ما نقوم به، وهناك صبر على الابتعاد عن كل صور الفساد، والإفساد، وهناك صبر على الابتلاء، وهناك صبر على الظلم، وهناك صبر على تأخر قدوم الخير، وأرى أن الغذاء الكامل لهذا كله يتمثل في غرس الإيمان الذي يطمئن القلوب؛ فلا يبدى الإنسان خوفًا، أو جزعًا، أو هلعًا.
وقيمة الشجاعة تعني ثبات الإنسان عند الموضع، واطمئنان قلبه، فلا يتزحزح، أو يتزلزل عن موضعه، وهذه القيمة تحتاج منا أن نغذيها بمورد الإقدام للفرد؛ حيث لا يتراجع عن موقفه إذا ما كان صحيحًا، ولا يضير بغيره، أو بمن حوله، كما تغذى قيمة الشجاعة من خلال التعزيز المباشر لموقف الإنسان حتى يستشعر السعادة، والعزة، وينشرح صدره؛ فيكرر السلوك الحميد؛ ومن ثم يطمئن، ويصبح على يقين بأنه على الطريق السديد.
وتدريب الإنسان منذ صغره على البذل، والعطاء يعد غذاء لقيمة المروءة، التي نود تنميتها لديه؛ حيث يكون ذلك في سائر أعمال الخير دون استثناء، ومن خلال المروءة، التي تبدو ممارساتها متعددة في أعمال البر، وعبر المروءة يستشعر الفرد علو الهمة، والرغبة في المزيد من فعل الخيرات، التي تعود بالنفع على الآخرين، وهنا نستطيع القول بأن آثارها تمتد للنفس؛ فتعفه عن كل ما قد يضيرها، وتنسحب على الآخرين، فنراها في نزاهة التصرف، والقول على السواء.
وعندما نبادر بتعزيز ماهية الولاء، والانتماء لدى الإنسان؛ فإننا نروي الوطنية؛ كي تنمو، وتبقى ثمارها يانعة؛ ومن ثم يحافظ الفرد على وطنه، ويحترم قوانينه، ويشارك في خدمته بهمة، وإرادة، وعزيمة، ويبدى استعدادًا؛ للمساهمة في البناء، ويستشعر مسئولياته، التي يكلف بها في أي مجال، أو موقع، وهنا نغذي الوطنية بالمزيد من الإيثار لأجل الوطن، وبقائه؛ فتعلو مصلحة الوطن فوق مصلحة الأفراد، بل يضحى الفرد براحته، وبنفسه؛ وذلك بغرض تحقيق غاية سامية للوطن الخالد.
وما ورد من بعض القيم ما هوإلا نمذجة شارحة لفلسفة الغذاء الذي يتلقاه الفرد؛ لتصبح تلك القيم ذات أثر إيجابي يتصف بها سلوك الفرد؛ ومن ثم تصبح مواقفه، وأفعاله مرغوب فيها، وهنا ندرك أن الممارسات محلاة بمذاق القيم، التي تحافظ على بقاء الطبيعية الإنسانية، التي تحمل بين جنباتها الخير، وتطمح إلى الإعمار، عبر وجدان راق.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.