رحلة بناء الجبال
تخيل أنك تقضي سنوات طويلة في بناء جبل شامخ، حجرا فوق حجر، حتى يصبح علامة شاهدة على كفاحك وجهدك. لكن، في لحظة غفلة، تأتي ريح عاتية تهدم ما بنيت، ليس بسبب قوة تلك الريح، بل لأنك فتحت لها الباب بنفسك.
هكذا هو حال الحسنات؛ نبنيها بالجهد والنية الصالحة، لكنها قد تتحول إلى سيئات بأفعال تافهة نظنها صغيرة، لكنها تهدم جبال الخير.
"الظلم ـ ريح عاتية تهدم الجبال"
الظلم لا يمحو الحسنات فقط، بل ينقلها للآخرين:
عندما تظلم إنسانا، فإنك تمنحه من حسناتك كتعويض له.
يوم القيامة، تجد نفسك مفلسا، تقف أمام الله بلا زاد، لأن الظلم أفرغ مخزونك.
الظلم كالثقب الأسود، يبتلع كل ما يمر في مداره، لا يبقي ولا يذر.
الحسنات التي كدستها تصبح وقودا لتسدد ديونا أنت في غنى عنها.
قال رسول الله ﷺ: “اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.”
والظلم ليس فقط في الاعتداء الجسدي، بل يشمل الكلمة الجارحة، النظرة المستهزئة، وحتى الصمت عند الحاجة للنطق بالحق.
"الغيبة والنميمة ـ السكاكين الخفية'
الغيبة أشبه بسكين حاد تذبح به نفسك دون أن تدري.
كل مرة تذكر فيها عيب أحدهم، فإنك تضيف حجرا إلى جبل سيئاتك بينما تهدم جبل حسناتك.
قال الله تعالى: “وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (12) الحجرات
فكل كلمة سوء عن الآخرين هي شوكة في طريقك إلى الجنة.
لماذا هو "اختيارك"
لأنك بوعيك تقرر أن تظلم أو تحسن.
لأنك تختار أن تذكر الله بلسانك أو تنطق بالسوء عن الناس.
لأنك تستطيع أن تعتذر وتصلح ما أفسدت، أو تكابر فتزيد الأمر سوءا.
"كيف تحمي جبلك"
اولا. أغلق الأبواب أمام الرياح:
لا تترك مجالا للظلم في حياتك، رد المظالم والحقوق، واعتذر إن أخطأت.
ثانيا . اجعل قلبك ميزانا:
تعامل مع الآخرين كما تحب أن يعاملوك. تذكر قول النبي ﷺ: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.”
ثالثا . التوبة والمراجعة اليومية:
اجعل التوبة عادة يومية، فهي كسلاح يعيد بناء ما تهدم، اجلس مع نفسك كل مساء واسألها: ماذا فعلت اليوم؟
رابعا . كن أنت الضوء:
بدلًا من أن تكون مصدرا للظلم أو الإساءة، كن مصدرًا للعدل والإحسان، أنر حياة من حولك، وستزداد جبال حسناتك ارتفاعا.
" أي الجبال تختار"؟
الحياة قصيرة، لكنها مليئة بالاختيارات، كل كلمة، كل فعل، وكل نية هي لبنة في بناء جبلك.
فهل تبني جبل الحسنات الذي يرفعك إلى الجنة؟ أم أنك تهدمه لتبني جبلا من السيئات الذي يثقلك يوم الحساب؟
"تذكر":
أنت المهندس الذي يحدد شكل جبل أعمالك. كن حكيما، واجعل من جبلك شاهدا على رحلتك نحو الخلود.
"اختيارك مصيرك"
ليست مجرد كلمات، بل هي واقع يتجلى في حياتك اليومية، فاختر اليوم: أي جبل تريد أن تراه؟
@إشارة