تحليل العلاقة بين الاستثمار الأجنبي المباشر وترکيبة مزيج الطاقة في مصر، تلعب دورًا محوريًا في إعادة تشکيل الخريطة الاستثمارية في قطاع الطاقة بما يضمن إعادة توزيع کفء للاستثمارات بين المصادر التقليدية غير المتجددة والمصادر المتجددة. وبالنظر إلى المزيج الحالي لإنتاج الطاقة في مصر، يتضح أنه يتکون بنسبة کبيرة من مصادر الطاقة التقليدية غير المتجددة، ففي عام 2020 شکلت المصادر الحرارية نحو 90.2% من إجمالي القدرة الأسمية الکلية للطاقة الکهربائية، فيما شکلت مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة نحو 5%.
يتناول البحث قياس أثر الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع البترول المصري على مزيج الطاقة خلال الفترة بين عامي (2001-2020)، من خلال تحليل السلاسل الزمنية Time Series Analysis باستخدام طريقة المربعات الصغري المصححة کليًا FMOLS . وأظهرت نتائج تقدير معلمات النموذج إلى وجود علاقة معنوية طردية في الأجل الطويل بين الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع البترول وبين نسبة الطاقة الکهربائية من مصادر حرارية من إجمالي الطاقة الکهربائية المولدة کمؤشر على مزيج الطاقة، مما يؤکد صحة الفرضية التي قام عليها البحث ومفادها أن الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع البترول يلعب دورًا في تحديد مزيج الطاقة المصري.
حجم الاستثمارات المتجددة: تضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة إلى 3.5 مليار دولار، خلال العام المالي 2021/2022 مقارنة بالعام المالي 2020/2021، وهو ما يوضح توسع الاستثمارات الأجنبية في مصر بهذا المجال، إذ إن تضاعفها خلال سنة يوضح الاهتمام المتزايد من قبل الدول المختلفة لزيادة تدفقاتها الاستثمارية لتنفيذ مشروعات للطاقة المتجددة في مصر، كما أشارت التقديرات إلى أن حجم استثمارات الهيدروجين الأخضر المعلنة في مصر تقدر بنحو 107 مليارات دولار؛ إذ حصلت مصر على 40% من إجمالي الاستثمارات المعلنة في الشرق الأوسط وإفريقيا، وجاء ذلك انعكاسًا لمؤتمر “COP 27”.
وحصلت مصر على تعهدات بقيمة 100 مليار دولار لمشروعات الهيدروجين الأخضر، التي يتم تمويل معظمها من الشركات الأجنبية بنسبة 53%، وتمول الشركات الهندية نسبة 21% من قيمة هذه الاستثمارات، وهو ما يوضح التوسع المستقبلي الذي ستشهده مصر للاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة المتجددة.
(*) استثمارات متعددة: تتعدد جنسيات الشركات الأجنبية التي تستثمر في مجال الطاقة المتجددة بمصر، على النحو التالي:
– استثمارات نرويجية: وقعت شركة “سكاتك” النرويجية اتفاقية مع وزارة الكهرباء لتخصيص قطعة أرض لإنشاء محطة رياح في محافظة سوهاج، التي تبلغ تكلفتها الاستثمارية 5 مليارات دولار، وقدرتها الإنتاجية 5 جيجا وات، وتعد الاتفاقية أحد الاتفاقات التي جرت على هامش مؤتمر المناخ “cop 27”، إذ تم خلال المؤتمر توقيع مذكرة التفاهم الخاصة بهذه المحطة.
بالإضافة إلى ذلك شاركت شركة سكاتك في إنشاء وتشغيل أول منشأة للهيدروجين الأخضر في مصر بمنطقة العين السخنة، بقدرة إنتاجية 100 ميجاوات، بالتعاون مع صندوق مصر السيادي و”أوراسكوم كونستراكشن” وشركة “فيرتيجلوب”، أبريل 2022، إذ يتم توريد الهيدروجين الأخضر المُنتج لشركة “فيرتيجلوب” الرائدة في مجال إنتاج الأمونيا، إذ يُستخدم الهيدروجين الأخضر كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء، ومن المقرر أن يدخل المشروع حيز التشغيل في عام 2024.
يُعد قطاع الطاقة أحد أهم القطاعات الداعمة لخطط التنمية الاقتصادية التي تتبناها الدولة المصرية، وذلك من خلال دوره في إمداد القطاعات الإنتاجية الأخرى بما تحتاجه من مصادر للطاقة للقيام بعمليات التشغيل، ومن ثمّ توفير فرص العمل وزيادة الناتج المحلي، فضلًا عن دوره في توفير احتياجات القطاع العائلي من مصادر الطاقة والكهرباء بما يتناسب مع زيادة أعداد السكان وزيادة أعداد الوحدات السكنية،
وكذلك دوره في تعزيز أوضاع الميزان التجاري وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وقد أولت الدولة اهتمامًا كبيرًا بتطوير القطاع من خلال الاستراتيجية الوطنية للطاقة، وقد ساهم ذلك في تعزيز الاستثمارات في مجال الطاقة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض مصادر الطاقة، وتحسين وضع الميزان التجاري البترولي.
إلا أنه من جهة أخرى يلاحظ وجود عدد من العوامل التي من شأنها التأثير على استقرار أوضاع قطاع الطاقة بدرجة أكبر من غيره من القطاعات الاقتصادية. ومن هذا المنطلق يناقش المقال العوامل المؤثرة على جذب الاستثمارات إلى قطاع الطاقة، وكذا التحديات التي تواجه استقرار واستدامة الاستثمارات في مجال البحث والتنقيب عن الطاقة.
شهدت السنوات الماضية طفرة في عمليات الاستكشاف والتنقيب والإنتاج للطاقة في مصر، ترتب عليها زيادة الإنتاج بقطاع الاستخراجات (الزيت الخام، والغاز، واستخراجات أخرى)، وصناعة تكرير البترول إلى نحو 1.19 تریلیون جنيه عام 2020/2021، مقارنة بنحو 1.12 تريليون عام 2019/2020. وتستهدف الحكومة زيادة الإنتاج بقطاع الاستخراجات وصناعة تكرير البترول إلى نحو 1.31 تريليون جنيه في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي الجاري 2021/2022، لتصل نسبة مساهمة الأنشطة 10.6% من الناتج المحلي الإجمالي. وتُولِي مصر أهمية خاصة لزيادة الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة؛ فوفقًا لاستراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة لعام 2035، تهدف الدولة إلى زيادة إمدادات الكهرباء المولدة من المصادر المتجددة إلى 20٪ عام 2022 و42٪ بحلول عام 2035، مع توفير طاقة الرياح بنسبة 14٪، والطاقة المائية بنسبة 2٪، والطاقة الشمسية بنسبة 25٪ بحلول عام 2035.
أما بالنسبة للاستهلاك، فتعتبر مصر رابع أكبر مستهلك للطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد بلغ إجمالي استهلاك الطاقة نحو 89 مليون طن من النفط المكافئ عام 2020، ومن المتوقع أن يشهد عام 2021 نموًا بنسبة 1.8% في استهلاك الطاقة مع عودة القطاعات كثيفة استهلاك الطاقة إلى العمل بعد التعافي من جائحة كورونا. كما يتوقع أن يرتفع الاستهلاك إلى 107 ملايين طن بحلول عام 2030، وفقًا لتقديرات وحدة المعلومات الاقتصادية (EIU) التابعة لمجموعة الإيكونوميست.
تطور وضع الميزان التجاري البترولي الذي يعكس تحسن قيمة الصادرات البترولية بدءًا من عام 2015/2016، وقد فاقت قيمتها قيمة الواردات عام 2018/2019 ليترتب على ذلك وجود فائض بالميزان البترولي يُقدر بنحو 100 مليون دولار،
وتزداد الأهمية النسبية لهذا التحسن عند الأخذ في الاعتبار أن الصادرات البترولية المصرية تتركز في الغاز الطبيعي منخفض السعر نسبيًا، أما الواردات البترولية فتتركز في النفط الأعلى سعرًا مقارنة بالغاز الطبيعي. ومع تراجع النشاط الاقتصادي وحركة الإنتاج نتيجة أزمة جائحة كورونا تراجع كل من الصادرات والواردات خلال عام 2020/2021.
يتأثر قطاع الطاقة بعددٍ من العوامل الداخلية والخارجية على حد سواء. فعلى صعيد العوامل الخارجية، تمثل الدورة الاقتصادية للاقتصاد العالمي أحد أهم العوامل المؤثرة على قطاع الطاقة، وقد ظهر ذلك جليًا مع تراجع الاقتصاد العالمي نتيجة أزمة كورنا واتخاذ العديد من الإجراءات الاحترازية حول العالم، وإغلاق المصانع وتباطؤ حركة الإنتاج، إذ انخفض الطلب على قطاع الطاقة محليًا وعالميًا. ومع استمرار تداعيات جائحة كورونا على مختلف دول العالم يتوقع أن يشهد قطاع الطاقة تذبذبات واضحة خلال الفترة الحالية والمستقبلية، فضلًا عن تأثر أسعار الطاقة بتقلبات العملات الرئيسية، فمع ارتفاع أسعار الدولار تنخفض أسعار النفط وتنكمش أرباح الاستثمارات البترولية، وهو الأمر الذي يؤثر على الأسعار المستقبلية للبترول من خلال إعادة تقييم العقود الآجلة للنفط. وعلى صعيد المخاطر المحلية، فهي تتمثل في معارضة الزيادة في أسعار الطاقة، وانعكاس ذلك على المستويات العامة للأسعار.