هناك فارق كبير بين الإدارات الأمريكية وبين الشعب نفسه.أغلبيتهم أُناس طيبون ولا يهتمون أصلاً بالسياسة
رغم سعادتى الشديدة بوجودى فى الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر يناير باعتباره الشهر الذى يشهد ذكرى رحيل أيقونة الدفاع عن الحقوق المدنية فى العالم مارتن لوثر كينج،إلا أننى وبصراحة شديدة لست سعيداً أن أكون فى أمريكا خلال هذه الأيام التى تشهد فيها ولاية كاليفورينا حرائق غير مسبوقة تأكل الأخضر واليابس،ليس اعتراضاً منى على أقدار الله ولكن تؤلمنى جداً موجات الشماتة المتلاحقة على السوشيال ميديا التى تتلألأ فرحاً باحتراق واحدة من أهم الولايات وتبتهل لله طلباً للمزيد منها !!
أتفهم مشاعر الغضب التى تنتاب كل عربى من انحياز الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإسرائيل المغتصبة لأراضى فلسطين،ولكن لا أتفهم هذه الرؤية الشامتة فى أبرياء يتعرضون لمحنة.الموضوع هنا انسانى بحت ليس له علاقة بالسياسة ولا حتى بالدين،بل ولو أردت أن تعطى للموضوع بُعداً دينياً تعالى نتأمل سويا موقف قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال رحلته الشهيرة للطائف عندما سلطوا عليه الصبية والسفهاء ليقذفوه بالحجارة حتى أدمت قدمه الشريفة.فى هذا اللحظة إذا بسيدنا جبريل يهبط عليه قائلا إن معى ملَك الجبال فلو شئت لأطبق عليهم الأخشبين ( جبلين بمكة المكرمة)، فماذا قال النعمة المسداة والرحمة المهداة؟! رفض رفضاً قاطعاً وقال: لا لعل يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله.كان من السهل أن يومئ فقط الرسول برأسه ليقع العقاب على أهل الطائف فى التو واللحظة لكن ليس من أجل هذا بُعث صلى الله عليه وسلم فدخول أحدهم النار يوجع قلبه الكريم المحب لكل الناس.
أما سياسياً فأزعم ومن خلال زياراتى المتعاقبة للولايات المتحدة واحتكاكى بالكثير من طوائف هذا الشعب أن هناك فارقاً كبيراً بين الإدارات الأمريكية وبين الشعب نفسه.
أغلبيتهم أُناس طيبون ولا يهتمون أصلاً بالسياسة حيث يشغلهم فقط فرص العمل والرواتب والضرائب والمساكن وغيرها من المشاكل التى تشغل بال أى شعب آخر ، بل وأزيدك من الشعر بيتا لقد كنت هنا قدراً عندما اندلع طوفان الأقصى ولمست تغييراً كبيراً فى وجهة نظر الأمريكيين تجاه القضية الفلسطينية وليست أحداث الجامعات الأمريكية منا ببعيد عندما انبرى شبابها يهتف ضد زبانية إسرائيل وزعماء عصابتها حتى اضطر بعض رءوساء الجامعات أن يطالبوا البوليس الأمريكى لفض المظاهرات.
من وقتها وكل يوم تكتسب القضية الفلسطينية-على الأقل-تعاطفاً جديداً،حتى لو كان مجرد تعاطف فهو يعنى الكثير بالنسبة لشعب كل إعلامه كان يوهمه ليلا نهارا أن العرب ارهابيون لا يريدون لهم الخير.
أفهم بل وأدعو إلى استمرار مقاطعة منتجات الشركات الأمريكية التى تدعم الكيان الصهيونى وهو ما أوجع ولا يزال كل داعمى الباطل ولكن لا أفهم لماذا هذا الشطط فى التشفى فى شعب والدعاء بهلاكه حرقاً، ألم يكن من بين هذا الشعب ابراهام لنكولن محرر العبيد ومارتن لوثر كينج والذى حارب طيلة حياته لتحقيق المساواة وحقوق الإنسان للأمريكيين الأفارقة والمحرومين اقتصاديًا وضحايا الظلم من خلال الاحتجاج السلمى، وكان القوة الدافعة وراء أحداث تاريخية ساهمت فى إصدار قوانين الحقوق المدنية وحق التصويت.
فبعد أن رفضت مواطنة ملونة التخلى عن مقعدها لراكب أبيض فى حافلة مونتجمرى وتم القبض عليها، قاطع النشطاء الحافلات ٣٨١ يوماً مما شكّل ضغوطًا اقتصادية شديدة على نظام النقل العام وأصحاب الأعمال فى وسط المدينة، وتم اختيار مارتن لوثر كينغ زعيماً للاحتجاجات وقاد مسيرة فى واشنطن عام ٦٣ بلغت ذروتها بخطاب كينج الأكثر شهرة، والمعروف بخطاب «I Have a Dream»، « لديّ حلم «وهو نداء مفعم بالحيوية للسلام والمساواة يعتبره الكثيرون تحفة بلاغية .
لقد حقق كينج- الذى تستحق حياته وكفاحه مرورا بحصوله على نوبل وحتى اغتياله مجلدات وليس مجرد مقالاً-أهدافه بالمقاطعة السلمية وصارت ذكراه يوماً قومياً وإجازة رسمية فى كل الولايات، ولم نسمع أنه تمنى يوماً حرق البيض أو إبادتهم أو شمت فى مصائبهم وهو درس لمتعصبى السوشيال ميديا،لديّ حلم أن يتأملوه ولعلهم يتفكرون.