يخطىء من يظن أو يتوهم أن الشعب الفلسطينى يمكن أن يفرط في أرضه ويقبل أن يعيش فى قصور فاخرة خارج أرضه.. فقد شاهدنا بعد وقف العدوان على غزة كيف يعشق هذا الشعب تراب وطنه وكيف يضحى بحياته ويفضل أن يستشهد ويدفن في أرضه ووطنه عن النجاة من الموت والذهاب الى مكان آخر.
مشاهد تاريخية شاهدها العالم خلال الأيام الماضية لعودة أهل غزة من الجنوب الى الشمال رغم أن هذه العودة لا تزال محفوفة بالمخاطر ويمكن أن تعود إسرائيل للعدوان عليهم من جديد.. لكنه عشق الوطن وترابه.
لقد ضحي الشعب الفلسطينى بأرواح مئات الآلاف من أطفاله وشيوخه ونسائه وشبابه في حروب ظالمة شنها العدو الصهيونى المجرم خلال العقود الأربعة الماضية والأبشع عدوانه الأخير على غزة على مدى 15 شهرا كاملة حيث هدمت بيوت الفلسطينيين في كل المدن والقرى في غزة والضفة حتى داخل مدينة القدس نفسها.. وبعد كل عدوان يعود الفلسطينيون لبناء بيوتهم من جديد وكلهم اصرار على عدم ترك الأرض والتضحية بكل غال -وليس هناك أغلى من أرواحهم- دفاعا عن الأرض والكرامة.. وقد شاهدنا جميعا كيف كانت الفرحة والسعادة تغمر نفوس الفلسطينيين وهم عائدون الى ديارهم من جنوب غزة الى شمالها يرفعون تكبيرات العيد ( الله أكبر الله أكبر ولله الحمد) وعندما وصلوا الى منازلهم المدمرة، قبلوا ترابها وأقاموا الخيام فوق انقاضها؛ ليؤكدوا للعالم أنهم أكثر شعوب العالم تمسكا بارضهم.. فهى رمز كرامتهم وشرفهم .
****
مشكلة الأمريكان والصهاينة ومن يسير فى فلكهم من السياسيين الغوغائيين في العالم أنهم يعتبرون أنفسهم ملاك الكرة الأرضية ومن حقهم ان يتصرفوا في خريطة العالم كيفما يشاءون؛ وهؤلاء يعيشون في وهم كبير، ولا يعرفون قيمة الأرض عند أصحابها لأنهم تربوا في مجتمعات لقيطة قامت على العدوان والاحتلال ومصادرة حقوق الآخرين واغتصابها بالقوة .. ولذلك يظل مفهوم العنف والقوة يسيطر على عقولهم وتظل البلطجة السياسية والعسكرية أداتهم لتحقيق اطماعهم .. لكنهم يواجهون دائما بدروس في الوطنية والتمسك بالأرض من شعوب ضعيفة عسكريا واقتصاديا، ولا تملك الا الارادة وقوة العزيمة، فهى سلاحهم في كل المواقف والأزمات.
منطق البلطجة السياسية والعسكرية الذى تستخدمه بعض الدول يتنافى تماما مع شعارات السلام والعدالة الجوفاء التى تتشدق بها تلك الدول
فهى تحاول خداعنا طوال الوقت ولكن أفعالهم على الأرض تفضحهم وتكشف عن نواياهم الحقيقية
اعتزاز الإنسان بوطنه واجب دينى وقيمة إنسانية لا يمكن أن يفرط فيها أهل غزة الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الوطن.. وواجبنا كعرب ومسلمين أن نساندهم في التمسك بوطنهم والاستقرار على أرضهم، وهذا ما تفعله مصر منذ أن ابتليت أرض فلسطين العزيزة باحقر قوة احتلال في التاريخ..
الدعم المصرى للقضية الفلسطينية سياسة مصرية راسخة مهما كانت الضغوط والتحديات .. وستظل مصر السند الأقوى للفلسطينيين خاصة فى ظل ما يتعرضون له اليوم من مخططات إبادة شاملة لبيوتهم ومقومات حياتهم وتهجير لمن تبقى منهم على قيد الحياة.
الدعم المصرى للفلسطينيين عموما وأهل غزة على وجه الخصوص ليس دعما رسميا فحسب.. بل هو دعم شعبى في المقام الأول فالمصريون يعيشون مع ما يجرى في غزة والضفة الغربية من عدوان همجى صهيونى مجرم لحظة بلحظة بكل مشاعرهم ووجدانهم.. يبكون دما على الضحايا ويعبرون عن سعادتهم مع كل مشاهد كفاح وانتصار للمقاومة وسيظل الشعب المصرى يدعم أهل غزة ويقدم لهم ما يستطيع من وسائل الدعم حتى تعود غزة افضل مما كانت عليه قبل العدوان الإجرامى عليها.
****
بقى أن نؤكد للمجرمين الصهاينة ولكل من يدعمهم أن تعاليم ديننا تفرض علينا السعى لتحرير الأوطان المحتلة عن طريق الجهاد المشروع فهذا حق وواجب، والجهاد قد يكون بالوسائل السلمية عن طريق المفاوضات، والتقاضى أمام المحاكم الدولية، واللجوء للمنظمات الدولية، وغير ذلك من الوسائل والجهود التى تكفل استعادة الحقوق المغتصبة دون حمل السلاح.. وإذا ما فشلت هذه الجهود، واستنفذت مراحلها، وفقد الأمل فى جدواها؛ أصبح الجهاد المسلح واجبا لتحرير الأوطان؛ خاصة إذا ما مارس المحتل عنفا وصلفا وعدوانا، وصادر حقوق أصحاب الأرض، ورفض الانصياع لنداء الحق كما فعل الصهاينة مع أهل غزة على مدى أكثر من نصف قرن.
إذن.. نحن مأمورون شرعا بمواجهة المعتدين الذين يحاربوننا حربا ظاهرة وباطنة، ويحتلون أرضنا وهؤلاء هم الذين وصفهم الحق سبحانه وتعالى بأنهم “لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمةً وأولئك هم المعتدون”، أي أن هؤلاء الذين أمرنا بجهادهم والتصدي لهم يمارسون الحرب علينا، ولا يقيمون وزنا لكرامة الإنسان، ولا للعهد الذي بينه وبينهم، وسلوكهم الذي لا يحيدون عنه هو العدوان والظلم.. فهؤلاء الذين يعتدون على ديننا وأوطاننا ويلحقون الأذى بنا، ويصرون على ظلمنا وقهرنا وإهدار حقوقنا.. هم الذين أمرنا بالتصدي لهم، ووقف عدوانهم، ورد كيدهم إلى نحورهم.. وهذا الحق تكفله كل الشرائع السماوية وليس شريعة الإسلام فقط، لأنه يقوم على ميزان الحق والعدل، وهذا يعنى أن أهداف الكفاح المسلح ومشروعيته في الإسلام أهداف أخلاقية لا تعرف الظلم، وهنا يضع القرآن الكريم (ميزان الحق والعدل) في قول الحق سبحانه: “إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز“.
ليس من العدالة والإنصاف أن يترك الصهاينة يواصلون ظلمهم وعدوانهم وإهدارهم لحقوقنا والعدوان علينا ونهب ثرواتنا.. ولولا أن الله تعالى قد اقتضت سنته أن يسلط على الظالمين من يردعهم لعاثوا في الأرض فسادا، وهذا ما شاهدناه ونشاهده دائما فى سلوك المحتل للأراضى الفلسطينية منذ أن ابتليت فلسطين بالاحتلال.. وهؤلاء المعتدين الظالمين لا يحث ديننا وحده على التصدي لهم ووقف عدوانهم.. بل كل الشرائع السماوية تحث على وقف ظلمهم وعقابهم على ما اقترفت أياديهم من جرائم ضد الإنسانية.
b_halawany@hotmail.com