مصر ليست فقط مهد الحضارات، بل أيضًا منارة العلم وحاضنة الفكر الإسلامي الوسطي، وذلك بفضل الأزهر الشريف، الذي يُعد أقدم وأهم المؤسسات الإسلامية في العالم؛ فمنذ تأسيسه قبل أكثر من ألف عام، ظل الأزهر منبرًا للعلم، وقلعة تحمي الإسلام الوسطي المعتدل، وترسّخ مبادئ التسامح والعدل، وتحارب التطرف والغلو، ليظل الحصن الحصين للعقيدة الصحيحة والمصدر الأول لنشر قيم الاعتدال والتعايش السلمي.
وقد تأسس الأزهر عام 972م في عهد الدولة الفاطمية، وسرعان ما تحول من مسجد للصلاة إلى جامعة إسلامية عالمية، يقصدها طلاب العلم من مختلف أنحاء العالم، لينهلوا من معين علوم الدين واللغة والفكر الإسلامي، وعلى مر العصور، حمل الأزهر رسالة نشر الإسلام الوسطي المعتدل، فواجه التيارات المتشددة، وصان الإسلام من التحريف والجمود، كما أرسل بعثاته التعليمية إلى إفريقيا وآسيا وأوروبا، ناشرًا نور العلم، ومُعلّمًا أصول الدين الصحيحة، مما رسخ لمكانة الإسلام في العالم، وأسهم في بناء جسور التواصل بين الشعوب والحضارات.
وجدير بالذكر أن الأزهر لم يقتصر دوره على التعليم فحسب، بل كان ولا يزال المرجعية الدينية الأولى للمسلمين، ومصدر إشعاعٍ علمي وروحي امتد تأثيره إلى كل بقاع الأرض؛ فمن ساحاته خرج كبار العلماء والمفكرين الذين أثروا الفقه الإسلامي، وساهموا في صياغة الفكر الديني الصحيح والمتجدد، كما وقف عبر تاريخه سدًّا منيعًا أمام محاولات استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية أو طائفية، ليبقى ضمير الأمة وراعي وحدتها الفكرية والدينية، فالأزهر الشريف لم يكن مجرد مؤسسة تعليمية، بل قلب الأمة النابض، يواجه التحديات بكافة أشكالها، ويقود حركة التجديد الديني وفق منهج قوامه الاعتدال والتسامح، وبذلك سيظل الأزهر شامخًا بحاملي لوائه، مضيئًا بعلمائه، محافظًا على رسالته في نشر العلم، وإرساء قيم الحق والعدل والسلام.
ونؤكد أن الأزهر الشريف ليس مجرد جامعة، بل هو صرح علمي وإسلامي شامخ، يجمع بين علوم الدين وركائز المعرفة الحديثة، فبفضله تلاقت الأصالة مع المعاصرة في منظومة تعليمية متكاملة، ويضم الأزهر كليات رائدة في الفقه وأصول الدين والتفسير والحديث واللغة العربية، إلى جانب مجالات الطب والهندسة والصيدلة والإعلام، مما يجعله منارةً للفكر العلمي وقلعةً تحمي التراث الإسلامي وتواكب تطورات العصر.
ولم يكن دوره مقتصرًا على التعليم فحسب، بل اضطلع برسالة سامية في حفظ الهوية الإسلامية، وترسيخ قيم الاعتدال والتسامح، وتعليم اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، لكل راغبٍ في التعرف على جوهر الإسلام وسماحته، ومن بين أروقته، انطلق صوت الحكمة، يدعو إلى الحوار، ويرسّخ مبادئ العدل والسلام، فظل الأزهر على مر العصور حصنًا منيعًا يحمي الإسلام من التطرف والانحراف، وينشر نوره في أرجاء العالم، ليبقى شاهدًا على عظمة مصر وريادتها الفكرية والدينية.
وقد كان الأزهر ولا يزال في طليعة المواجهة ضد التطرف والإرهاب، مستندًا إلى تعاليمه القائمة على الاعتدال والتسامح، وله دور محوري في تصحيح المفاهيم المغلوطة، وترسيخ مبادئ السلم الاجتماعي، ومن خلال دار الإفتاء المصرية وهيئة كبار العلماء، أصدر الأزهر العديد من الفتاوى التي توضح الأحكام الشرعية الصحيحة، وتفند الادعاءات التي تسيء للإسلام، مقدمًا خطابًا دينيًا عقلانيًا ينمي الوعي الديني الصحيح.
ويُعد الأزهر الشريف على مر العصور مدافعًا صلبًا عن القضايا الإسلامية العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث رفض الاحتلال الإسرائيلي، وأكد حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه، وأصدر العديد من البيانات والفتاوى الداعية لنصرة القدس وحماية مقدساتها، ولم يقتصر دوره على التعليم والدعوة، بل امتد إلى دعم الشعوب الإسلامية في أزماتها، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو بالمواقف السياسية والدينية الداعمة لقضايا الأمة، وسعى دائمًا إلى دعم الهوية الإسلامية، وحماية التراث، وربط المسلمين بتاريخهم وحضارتهم للحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية؛ فسيبقي الأزهر الشريف خالدًا رمزًا ومرجعًا علميًا وروحيًا للمسلمين في مختلف أنحاء العالم ناشرًا لقيم الحق والتسامح والسلام، وستظل مصر الأزهر حاملة لواء الإسلام الصحيح، ومهد العلم والدين، ومصدر إشعاع حضاري للأمة بأسرها.
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر