مقالة علمية
ترجع أهمية الشعاب المرجانية الكبيرة للبشرية عموماً وللنظام البيئي البحري بشكل خاص، حيث تعد موطنًا لـ 25% من الأحياء البحرية رغم أنها لا تغطي سوى 2% من قاع المحيطات أو ربما أقل، كما ينتفع بها ملايين الأشخاص حول العالم من العاملين بالسواحل وبصيد الأسماك وقطاع السياحة، مضيفاً أنها في الوقت الراهن تواجه هذه الشعاب المرجانية العديد من الظروف الضاغطة، التي تُشكِّل تهديدًا وجوديًّا لها، وفي مقدمتها ارتفاع درجة حرارة الأرض الناتج عن تغير المناخ، للحد الذي أضحت معه نصف الشعاب المرجانية حول العالم مهددة بحلول عام 2035، في حال لم يتم احتواء التأثيرات الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ . إن الأهمية الاقتصادية والبيئية للشعاب المرجانية، والتي تتجاوز أغراض الترفيه والمتعة للقائمين على استكشافها؛ حيث تلعب أدوارًا أساسية على الصعيدين الاقتصادي أو البيئي، إذ تُسهِم في تنقية مياه البحار من الملوثات، كما تعد حاجزا أمام العواصف والفيضانات، وكذلك في حماية الحدود المتاخمة للشواطئ من التآكل، بالإضافة إلى دورها في حماية المنازل والمباني المُطلة على الشواطئ، كما تلعب دورا مهما في الحفاظ على التنوع البيولوجي للبيئة البحرية باعتبارها موطنا رئيسيا لغذاء ومأوى آلاف الكائنات والحيوانات والنباتات البحرية المتنوعة .
ومصر تمتلك نحو 30 محمية طبيعية، منها 6 محميات تضم شعابًا مرجانية، وهي: محمية رأس محمد، ومحمية نبق، ومحمية أبو جالوم بمحافظة جنوب سيناء، ومحمية وادي الجمال والتي تقع في جنوب محافظة البحر الأحمر، ومحمية جزر البحر الأحمر الشمالية، ومحمية السلوم في محافظة مطروح . وتولى الدولة المصرية لهذه الثروة الفريدة من الشعاب المرجانية، حيث تم وضع جميع المناطق العامرة بالشعاب المرجانية تحت الحماية القانونية، كما تم حظر صيد الطيور والأسماك والأصداف والمحارات والشعاب المرجانية وغيرها من الكائنات البحرية بالمنطقة الواقعة على خليج العقبة من طابا حتى رأس محمد . وأطلقت محافظة البحر الأحمر، في يونيو 2019، مبادرة لحظر استخدام الأكياس البلاستيكية؛ بهدف تقليل الضرر الجسيم الذي تعاني منه البيئة البحرية بسبب البلاستيكيات، كما نظمت غرفة سياحة الغوص المصرية دورات لتزويد الغواصين بأساليب التعامل مع الشعاب المرجانية والكائنات البحرية الحية، وقامت جمعية المحافظة على البيئة بالبحر الأحمر (هيبكا) بالتعاون مع محافظة البحر الأحمر ووزارة البيئة، في يونيو 2021، ببناء أكبر مشروع شمندورات لحماية الشعاب المرجانية .
إن مصر يوجد بها 209 أنواع من الشعاب المرجانية، ويضم البحر الأحمر واحدة من أطول تجمعات الشعاب المرجانية الحية في العالم، حيث تمثل نحو 5% من الغطاء المرجاني العالمي، وتمتد لمسافة تبلغ نحو 4 آلاف كم من سواحله، وتأوي ما يُقدر بـ 350 نوعًا مختلفًا من الشعاب المرجانية، مما يجعله مساهمًا رئيسًا في قطاع السياحة الساحلية بمصر . وأن الشعاب المرجانية تعادل نصف عائدات السياحة المصرية بشكل عام، وبما يقدر بنحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر لعام 2019، كما تمتد الشعاب المرجانية على خليجي السويس والعقبة، بمساحة تُقدر بنحو 1760 كم2، بمتوسط عرض يبلغ نحو 250 مترًا .
أهمية الشعاب المرجانية
تعد الشعاب المرجانية كنظام بيئي حيوي ثمين ومصدراً رئيسيا للأمن الغذائي فالعديد من الأسماك مثل النهاش والهامور والتونة من أبرز الكائنات البحرية التي تعتمد بشكل مباشر على الشعاب المرجانية للتكاثر، وهي تمثل مصدرًا رئيسيًا للغذاء خاصة للأشخاص الذين يعيشون بالقرب من السواحل؛ حيث يعتمد أكثر من 500 مليون شخص حول العالم على أسماك الشعاب المرجانية كمصدر للغذاء وسبل العيش، فضلا عن ذلك لها دور بالغ الأهمية في تحقيق التنمية الاقتصادية؛ حيث تُسهِم في توفير الثروة السمكية التي تُعَد من أهم مصادر الدخل القومي، كما تُعّد مصدرًا رئيسيًا لتوفير فرص العمل والدخل لملايين الأشخاص من الصيادين والعاملين في قطاع السياحة في البلدان التي توجد بها، إلى جانب أن الشعاب المرجانية نفسها تعد مصدرًا لعدد متنوع من المستحضرات الطبية والعقاقير.
المخاطر التي تتعرض لها الشعاب المرجانية
للمخاطر التي تواجه الشعاب المرجانية عديدة، حيث أشارت الأمم المتحدة إلى أن 70% من الشعاب المرجانية في العالم معرضة للخطر، 20% منها قد تم تدميره بالفعل، و24% معرضة لخطر التدمير الوشيك، و26% إضافية معرضة للخطر على المدى الأبعد، وتتمثل تلك المخاطر في تهديدات طبيعية وأخرى بشرية؛ ومن أهم المخاطر الطبيعية: تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة سطح البحر، بالإضافة إلى التغير في منسوب مياه البحر . كذلك تؤدي درجة حرارة المياه دوراً هاماً في سلامة الشعاب حيث تنمو الشعاب في البحار الدافئة. فإذا كانت درجة حرارة المياه مرتفعة جداً أو منخفضة جداً فإن الشعاب المرجانية سرعان ما تمرض وتبدأ في فقدان النباتات التي تعيش داخل هيكلها تاركة المرجان بيضاء اللون. وهذه الحالة تعرف بالتبييض. مع الإهتمام بتنظيم إستخدام تقنيات الصيد بالجر والشانشولا لمنع تدمير الشعاب المرجانية والحفاظ على تنوعها البيولوجي بالبحر الأحمر.
أيضا هناك أمراض تصيب المرجان وتعرضه لموت بطيء. كمثال تعرض الطوق الأبيض والطوق الأسود التي تفصل أنسجة الشعاب على امتداد خط يستمر ليغطي المستوطنة كلها.
أما المخاطر البشرية التي تواجه الشعاب المرجانية، فمن أبرزها ما يرتبط بأعمال الردم والتجريف حول المناطق المحيطة بها، ما يؤدي لتعكير المياه والحد من كمية الضوء الذي يصل إلى الشعاب أو سد مسامها بما يتسبب في تدميرها، كما يساهم الصيد الجائر لأسماك الزينة والأصداف والرخويات وغيرها من الأحياء المائية إلى الإخلال بالنظام الإيكولوجي للشعاب المرجانية، كما أن صناعة السفن في حد ذاتها قد تؤدي إلى ارتفاع نسبة التلوث البكتيري، والتأثير سلبًا على البيئة البحرية بشكل عام، كذلك فإن استخدام أدوات الصيد المخالفة والمواد السامة (السيانيد) يؤدي لتدمير الشعاب المرجانية، فضلا عن ذلك فالتلوث البحري يُعَد تهديدًا خطيرًا على حياة الشعاب المرجانية، بالإضافة إلى دور حوادث شحوط مراكب الصيد وحوادث اصطدام السفن بالشعاب المرجانية في إتلافها.
تعتبر التلوث وتغير المناخ من بين أكبر التهديدات التي تواجه الشعاب المرجانية. ارتفاع درجات الحرارة في المحيطات يؤدي إلى ظاهرة اصطفاف جينات الشعاب المرجانية وتبيضها، وهو ما يعني أنها تفقد ألوانها وتصبح أكثر عرضة للموت. كما يمكن أن يؤثر التلوث النفطي والتلوث البلاستيكي على الشعاب المرجانية بطرق مختلفة، حيث يمكن أن تتسبب المواد الكيميائية السامة في قتل المرجان والكائنات الأخرى في الشعاب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتسبب التلوث البلاستيكي في انسداد المرجان ومنع تدفق المياه والمغذيات اللازمة لبقاء الشعاب حية. ويعَدُّ الصيد المفرط والتجمع غير المسؤول للأسماك والكائنات الأخرى الموجودة في الشعاب المرجانية أيضًا تهديدًا كبيرًا. قد يؤدي جمع المرجان والأسماك بشكل غير مستدام إلى انخفاض أعدادها وتأثير سلبي على توازن النظام البيئي في الشعاب المرجانية. كذلك يجب أن نأخذ في الاعتبار تأثير النشاط البشري العام على الشعاب المرجانية. على سبيل المثال، قد يؤدي الغوص غير المسؤول والترفيه البحري غير المستدام إلى التلف المادي للمرجان وتدمير النظام البيئي الحساس. علاوة على ذلك، فإن إنشاء الموانئ والمنشآت الساحلية والتطور السكني الساحلي يمكن أن يتسبب في تدهور جودة المياه وزيادة تعرض الشعاب للتلوث.
حماية الشعاب المرجانية
لحماية الشعاب المرجانية وحفظ تنوعها البيولوجي، يجب اتخاذ إجراءات وقائية وحماية فعالة. يجب تعزيز الوعي بأهمية الشعاب المرجانية وتعليم الناس حول أثرها البيئي والاقتصادي. يجب أيضًا تنفيذ سياسات واضحة للحفاظ على الشعاب المرجانية وتنظيم الصيد والنشاط البشري في المناطق المحيطة بها. بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز الجهود للحد من التلوث وتغير المناخ والتصدي للتهديدات البيئية الأخرى التي تؤثر على صحة الشعاب المرجانية.
في الختام، يجب أن ندرك أهمية الشعاب المرجانية كنظام بيئي حيوي ثمين وأن نعمل معًا لحمايتها من التاثيرات المناخية والصيد الجائر وإستخدام تقنيات الصيد بالجر والشانشولا امنع تدمير الشعاب المرجانية والحفاظ على تنوعها البيولوجي. تحقيق التوازن بين احتياجات التنمية البشرية والحفاظ على البيئة البحرية سيساهم في ضمان استمرارية هذه البيئة البحرية الفريدة .