وفي ظل التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، تتخذ مصر موقفًا حاسمًا دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية، مؤكدةً أن أي تسوية عادلة يجب أن تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، فهل ينجح المجتمع الدولي في فرض حل منصف، أم إن المنطقة على أعتاب تصعيد جديد؟
وأكدت مصر مجددًا موقفها الثابت والراسخ تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، مشددةً على ضرورة إنهاء الظلم التاريخي الذي تعرض له هذا الشعب، وضمان حقه في تقرير المصير، والبقاء على أرضه، والاستقلال الكامل وفقًا لحدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف.
تلعب مصر دورًا محوريًا في حلحلة الأزمات وإعادة الاستقرار في دول المنطقة العربية، حيث تحتل القضية الفلسطينية الاهتمام الأكبر ومركزية الأولويات، باعتبارها قضية العرب الأولى، لدى الدولة المصرية لعدة اعتبارات في مقدمتها الأمن القومي المصري، وروابط التاريخ والجغرافيا. ويظل الموقف المصري ثابتًا من القضية،
ويتمثل في ضرورة التوصل إلى حل جذري شامل، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته وفقًا للمرجعية الدولية، وبذلت مصر العديد من الجهود الحثيثة لوقف إطلاق النار، والتمسك بالحل في السلام العادل القائم على الشرعية الدولية. من هذا المنطلق، سيتم توضيح دور وموقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية، في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية، والأزمات العالمية المتتالية، والتحوّلات غير المسبوقة في المشهد الميداني للتصعيد الحالي في فلسطين منذ السابع من أكتوبر 2023.
وجاء هذا التأكيد عبر بيان رسمي لوزارة الخارجية المصرية، شددت فيه على رفضها القاطع لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، مشيرةً إلى وجود إجماع عربي حول رفض هذه الممارسات التي تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والمواثيق الحقوقية العالمية.
على الأرض، انعكست تهديدات ترامب والتصعيد الإسرائيلي على الأوضاع في قطاع غزة، حيث أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن رفع الجهوزية وتعليق الإجازات للجنود، تحسبًا لأي عمليات عسكرية مستقبلية، كما دفع الاحتلال بتعزيزات إضافية إلى الحدود، ما أثار مخاوف من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، وخاصةً بعد عودة آلاف الفلسطينيين إلى منازلهم المدمرة شمال قطاع غزة.
كدت جمهورية مصر العربية على ثوابت موقفها والموقف العربي والإسلامي بشأن القضية الفلسطينية وأهمية تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة.
جاء ذلك خلال جلسة مباحثات بين وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي، ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بمقر وزارة الخارجية في واشنطن.
وأعربت مصر عن تطلعها للتنسيق مع الإدارة الأميركية للعمل على تحقيق السلام العادل المنشود في الشرق الأوسط، وبما يستجيب للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة على جميع ترابه الوطني.
وأشار وزير الخارجية المصري إلى جهود مصر في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بجميع مراحله الثلاث، ونفاذ المساعدات الإنسانية، مشددا على أهمية الإسراع فى بدء عملية التعافي المبكر، وإزالة الركام وإعادة الإعمار بوجود الفلسطينيين بغزة في ظل تمسكهم بأرضهم ورفضهم الكامل للتهجير بدعم كامل من العالمين العربي والإسلامي والمجتمع الدولي.
وشدد على أهمية إيجاد أفق سياسي يؤدي إلى تسوية نهائية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بما يحقق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وشهد الشارع الغزي حالة من الترقب والقلق، حيث عبر مواطنون عن خشيتهم من تجدد العمليات العسكرية الإسرائيلية في حال نفّذ ترامب تهديداته، وقال المواطن الغزي صابر حجازي إنه يخشى عودة القصف بعد أن بدأ السكان في إعادة بناء حياتهم، فيما تساءلت سهاد فتحي بغضب عن مصير الفلسطينيين إذا ما استؤنفت الحرب مرة أخرى.
كما دعت الخارجية المصرية المجتمع الدولي إلى التوحد خلف رؤية سياسية عادلة تضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق العودة للاجئين الذين أُجبروا على مغادرة ديارهم قسرًا. لم يتوقف الدعم المصري للقضية الفلسطينية خلال السنوات التالية، واستمر هذا الدعم واتخذ أشكالًا أخرى، خاصة بعد أن دخلت منظمة التحرير في إطار عملية تفاوضية مع تل أبيب، بداية من اتفاقية “غزة-أريحا” وصولًا إلى اتفاقية أوسلو للسلام عام 1993، علمًا بأن مصر حاولت خلال تفاوضها مع إسرائيل لتوقيع اتفاقية “كامب ديفيد” أن توجد آلية لسلطة حكم ذاتي فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، لكن حال غياب منظمة التحرير عن هذه الجهود حينها دون التوصل إلى اتفاق حول هذا الأمر خلال عامي 1979 و1980.
تبذل مصر جهودًا دبلوماسية حثيثة لتجنب الارتدادات الخطرة للتصعيد الحالي، والمواجهات المفتوحة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، في ظل الدور المحوري لمصر في القضية الفلسطينية، وإمساك القاهرة بكافة جوانبها، باعتبارها الضامن والمساند لفلسطين عبر التاريخ وحتى هذه اللحظة الراهنة،
وأهمية التأكيد على حل السلام العادل القائم على الشرعية الدولية، من أجل دعم وتحقيق استقرار الأمن القومي العربي ككل. تحركت مصر في المسارات السالف ذكرها وهي تواجه بشكل شبه دوري تداعيات جولات التصعيد المتكررة من جانب الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة، والتي تطورت خلال الأشهر الأخيرة لتشمل عدة مناطق في الضفة الغربية، منها مخيم جنين. لكن كانت جولات التصعيد ضد قطاع غزة دومًا هي الأكبر والأكثر صعوبة في إخمادها وإيقافها، وهنا يتجلى بشكل واضح حجم وأهمية الدور المصري في مثل هذه المناسبات، ومن أقرب الأمثلة على هذا الأمر، جولة التصعيد التي شهدها قطاع غزة في مايو 2021، والتي استمرت لمدة 11 يومًا. وتمكنت مصر بعد جهود حثيثة من إيقاف هذه الجولة التي كانت هي الأعنف منذ أعوام طويلة.
المسار المصري في مثل هذه المناسبات يتضمن السير في عدة مستويات مختلفة: أولًا وقف العمليات العسكرية وفرض هدنة لدواعي إنسانية، ثم الانتقال بعد ذلك إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار سيرتبط بطبيعة الحال بشروط ومطالب متعددة من كلا الطرفين، وهو ما يحتاج إلى وسيط نزيه يتمتع بثقة الجانب الفلسطيني، ويرتبط في نفس الوقت بعلاقات مع الجانب الإسرائيلي تسمح له بممارسة مهام الوساطة. وهو ما يتوفر بشكل كامل في الجانب المصري الذي لعب دور البطولة في التوصل للتهدئة خلال جولة مايو 2021 التصعيدية، وهو ما أسفر عن إيقاف هذه الجولة العنيفة من القتال.
النجاح المصري في هذا الصدد دفع بعض الأطراف الغربية -التي كانت تفكر في انتهاج سلوك مناهض للدولة المصرية- إلى التراجع عن موقفها والإقرار بأهمية ومحورية الدور المصري، ناهيك عن إقرار القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بفاعلية الدور المصري في هذه الأزمة، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن عقب التوصل إلى اتفاقية التهدئة، عبر اتصال هاتفي جمعه والرئيس عبد الفتاح السيسي، أعرب فيه “بايدن” عن “امتنانه الصادق” له وفريق الوساطة الذي شكله، للعبهم الدور الحاسم في المسار الدبلوماسي لهذه الأزمة.
اللافت في هذا الإطار أن مصر لا تكتفي فقط بالعمل على إيقاف التصعيد والقتال؛ فمهام الأغاثة وإعادة الأعمار تبقى جزءًا أصيلًا من هذا الجهد، وبجانب القوافل المتعددة من المساعدات المصرية التي تمر بشكل دوري عبر معبر رفح، تعهدت مصر عقب جولة مايو 2021 التصعيدية بالعمل بشكل ميداني أكبر على إعادة إعمار قطاع غزة، وخصصت لهذا الغرض مبلغ يعد الأضخم في تاريخ القضية الفلسطينية “نصف مليار دولار”، وهو ما وسع بشكل كبير من هامش الدور المصري في الملف الفلسطيني، ليصبح ذا اتجاهات مختلفة.
استمرت المساعي المصرية لتفعيل هذا المسار الذي كلما تمت فيه خطوة أصابه الجمود مرة أخرى؛ إدراكًا من القاهرة أن توحيد الرؤى الفلسطينية هو المسار الوحيد الذي من خلاله يمكن إيجاد حلول دائمة للقضية الفلسطينية. وتكللت الجهود المصرية بالنجاح في أكتوبر 2017، عبر رعايتها اتفاقًا تاريخيًا للمصالحة الفلسطينية، وقعته حركتا التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” والمقاومة الإسلامية “حماس”، تم بموجبه الاتفاق على توحيد المؤسسات الحكومية وتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها كاملة في إدارة شؤون قطاع غزة كما في الضفة الغربية.
تضارب الرؤي الفلسطينية جعل مسار المصالحة يتباطأ مرة أخرى خلال السنوات اللاحقة، لذا حرصت مصر على إدامة التواصل المشترك بين الفصائل الفلسطينية، فقامت برعاية نحو 20 اجتماعًا منذ 2017، استهدفت توحيد الصف الفلسطيني، كان من أهمها جلسات الحوار الوطني الفلسطيني التي استضافتها القاهرة في فبراير 2021 وشارك فيها 14 فصيلًا فلسطينيًا هم من سبق لهم التوقيع على اتفاق المصالحة في القاهرة عام 2011، وتناولت المباحثات في هذه الجلسات الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية التي تمت حول إجراء الانتخابات الفلسطينية.
ويبقى الاجتماع الأهم -بالنظر إلى التحديات التي شهدها الملف الفلسطيني على المستويين الميداني والسياسي خلال العامين الماضيين- هو الاجتماع الذي استضافته مدينة العلمين في يوليو الماضي، ليس فقط من أجل دفع مسار التواصل والتعاون والحوار بين هذه الفصائل، بل أيضًا لمواجهة تصاعد السياسات الإسرائيلية القمعية ضد الشعب الفلسطيني، والمتمثلة بالاقتحامات والعمليات العسكرية المتكررة وتسارع النشاطات الاستيطانية.
