علي عكس كثيرين لم أتفاءل بسقوط بشار الأسد قبل عدة أشهر، واحتفاء أبناء سوريا بنصر زائف وتحرر ديكوري منقوص!.
لم أسر كثيرا حين رقصت “عرائس جهنم”، طربا وابتهاجا بهذا النصر مبتور الأركان، وتحولت الميليشيات المسلحة بين عشية وضحاها إلي جنود أوفياء يرتدون ثياب الوطنية والانتماء لبقايا “وطن “!.
وبحكم العقل والمنطق ومن قراءة المشهد الشائك لم يسعد أحرار العرب أيضا بعد أن لجأ هؤلاء “المحررون” لما هو أسوا “كالمستجير من الرمضاء بالنار”، ونجحوا ظاهريا في إبرام صفقة عبثية ستكشف عن ملامحها الأيام القادمة، وستصب لا محالة في صالح الكيان الصهيوني والذي دمر غالبية مقدرات الجيش السوري في عدة ساعات، مستفيدا من حالة الفراغ السياسي والأمني قبيل وأثناء فعاليات التمثيلية “الدراماتيكية” لرحيل بشار وهذا الصمت المريب وتلك التصريحات الانهزامية للشرع ورفاقه بعد الإطاحة ببشار والوصول مؤقتا، وربما دائما إلي سدة الحكم!.
ليس تعاطفا أو إنحياز لنظام “بشار” المتغرطس والذي عزل سوريا عربيا ودوليا وقدمها لقمة سائغة علي مائدة اللئام، الذين تقاسوا ثرواتها مع سبق الإصرار والترصد.. لكن توجسا مما هو قادم، وعلي أدني تقدير كان لدينا مقومات لجيش عربي، وبقايا وطن ودولة !.
ولعل الأسوأ في مرحلة ما بعد “بشار” تسليمها هدية لإسرائيل، تعيث فيها فسادا ،وتستبيح أراضيها وتهدد بنزع سلاح الجنوب السوري وإبقائها منطقة عازلة دون رادع، أو رد فعل أوحتي تعليق يشفي غليل كل عربي ويحفظ وجه بلد “الأحرار”!
واليوم ومن جديد ومنذ ساعات قليلة شنت إسرائيل غارات عنيفة على سوريا وتوغلت بريا على عدة محاور في “القنيطرة” و”درعا”، مع قصف مكثف على حى “المزة” بالعاصمة السورية دمشق، خلف دمارا كبيرا وضحايا من المصابين والقتلي الأبرياء !.
وقال التلفزيون السوري إن طائرات حربية إسرائيلية استهدفت محيط منطقة “الكسوة” جنوبي العاصمة دمشق.
كما ذكر أن القوات الإسرائيلية توغلت بآليات وعربات عسكرية في قرية ” البكار” على الحدود الإدارية بين محافظتي “درعا والقنيطرة” ، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن الطيران الإسرائيلي استهدف عددا من تجمعات الآليات الثقيلة في عدة ثكنات في درعا.
وذكرت المنصات الإعلامية أن الطيران الإسرائيلي ما يزال يجول في سماء “القنيطرة” و”درعا” والحدود السورية اللبنانية، كما أشارت إلى أن الطيران الحربي حلق في سماء “دمشق” وريفها بعد قصف منطقة “الكسوة”!.
وفي المقابل، قالت “القناة 14” العبرية إن الجيش أغار على قواعد عسكرية كانت تخدم الجيش السوري سابقا ودمر وسائل قتالية في دمشق!.
كما وثقت مقاطع “ڤيديو” نشرها مدونون في سوريا القصف الإسرائيلي الذي استهدف جنوبي العاصمة دمشق.
ويبدو أن مخطط “نتانياهو” يحوي الكثير والكثير من المناورات انتهازا للفرص وفرضا لسيناريوهات بديلة، وبرعاية أمريكية بعد أن فشل في تنفيذ مخطط تهجير وإخراج الفلسطينين من غزة وتصفية القضية إلي الأبد!.
ولا أدري لماذا لا يتحرك الشعب السوري ومتي يفيق من ثباته، وماذا يفعل “الشرع” ورفاقه، ويبدو أنهم لم يستوعبوا بعد نموذج إنهيار الدول، والذي جسده بإمتياز لانظير لها “النموذج اللبناني”، مما جعلها عرضة لأطماع إيران وذراعها حزب الله الذي أسهم في تعطيل الحياة السياسية وأضعف الاقتصاد والجيش، وهيأ المناخ لإسرائيل لتبرير احتلال أجزاء من الجنوب لبنان، وتماطل الآن في الانسحاب منها، كما سيطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي علي حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط .. ولم تحرك لبنان ساكنا ولم تسكن متحركا لحماية أراضيها المغتصبة وسيادتها المهيضة!
في اعتقادي أن إسرائيل في جعبتها الكثير من صور الرد المباشر وغير المباشر، علي الموقف العربي والتوافق الإيجابي تجاه قضية التهجير وتحاول إضافة مكاسب جديده قبل بدء المرحلة الثانية من التهدئة واتفاق وقف إطلاق النار.
وقبل أن نطالب العرب بالتحرك لوقف تلك المهازل يجب أن يتحرك ضمير الشعب السوري المنوط به حماية أرضه والاقتداء بالنموذج الفلسطيني الصامد في التمسك بأرضه وحقه في الحياه بعزة وكرامة وشرف.. إنه مؤشر خطير يتطلب وقفات حاسمة قبل فوات الأوان!.
وفي عصر يتنكر للضعفاء ولا يعترف إلا بالقوة، يبقي الوطن صامدا ما بقي شعبه وجيشه وقيادته في بوتقة واحدة وعلي قلب رجل واحد. أما هذه الحالة المريبة التي نراها جلية في المشهد السوري الغامض، فنحن أمام نموذج جديد للادولة، نفذته أيادي آثمة بحنكة مع سبق الاصرار والترصد في ليبيا واليمن والسودان ولبنان ومن قبلها العراق، بعد تدمير جيشها ومقدراتها وإدخالها في دائرة النزاعات والصراعات الطائفية، وتحاول جاهدا العودة من جديد.
وتبقي رسائل القاهرة في قوتها وشموخها علامات بارزة في هذه المرحلة الحرجة لكل من يهمه الأمر، علي كافة المستويات الإقليمية والدولية ولأهل مكة الأدري بشعابها والأولي بالدفاع عنها.. لعل وعسى!!