عندما يبدي طرفا العملية التعليمية الرغبة المشتركة بصورة متزامنة متفق عليها، حيال التجمع في مكان ما، قد يكون داخل المؤسسة التعليمية، وقد يكون خارج أسوارها؛ من أجل العمل سويًا في تحقيق هدف رئيس، يتمثل في الربط الوظيفي، بين النظرية والتطبيق؛ حيث يتلقى المتعلم خبرات التعلم، وما تحويه من جوانب، معرفية، ومهارية، ووجدانية، ثم يأتي دور التطبيق عبر بوابة المعايشة، المحددة بفترة زمنية، والتي نحصد من خلالها نموًا متكاملًا لتلك الخبرات؛ فإن هذا في مجمله نطلق عليه المعايشة التعليمية، أو التربوية.
ولضمان نجاح تحقيق غايات المعايشة التعليمية، ينبغي أن يضع المعلم مع المتعلمين سيناريو واضح المعالم، يتضمن الممارسات التي سوف يتم القيام بها، وما يتبع ذلك من تنظيم وترتيب، لمجموعات التعلم، سواءً أكانت المهام تؤدي في صورة فردية، أم تشاركية، ناهيك عن تنظيم جلسات الحوار والمناقشة، تجاه القضايا المستهدفة؛ حيث التأكيد على أمرين غاية في الأهمية، الأول منهما تعميق الفهم بعد المرور بالتطبيق العملي، والآخر تصويب ما لدى المتعلم من أنماط فهم خطأ حال وجودها.
وفي هذا الإطار، أرى أن المعايشة التعليمية، تهتم بقناعة المتعلم بصورة الخبرة في صورتها المكتملة؛ فرغم أن هنالك اهتمام بالجانب العملي، أو التطبيقي؛ لكن لا يخلو الأمر من مهام تفكر وتفكير، تجاه ما يتم القيام به، وتحليل واستنتاج، يتمخض عن المشاهدة، أو الملاحظة، أو عند رصد النتائج، كما أن هناك مشكلات، قد تطرأ أثناء آليات التطبيق، أو التجريب، وهذا يستوجب أن يتصدى لها المتعلم، موظفًا ما لديه من مهارات تفكير، وخطوات منهجية تدرب عليها سلفًا لحل المشكلات، واعتقد أن هذا أحد مداخل الابتكار، وبوابة متسعة لتواتر الأفكار الملهمة من قبل المتعلم.
ومن القيم المعززة لنجاح المعايشة التعليمية، تحلي كل من، المعلم، والمتعلم بقيمة الصبر، ويبدو ذلك في تحمل المعلم لتساؤلات، واستفسارات، ومحاولات المتعلم، من أجل أن يكتسب الخبرة المنشودة، وفي المقابل تجنب أن يصاب المتعلم بفتور، أو يأس، من تكرار المحاولة، أو خوف من الوقوع في الخطأ؛ فتضعف العزيمة والإرادة لديه؛ لذا يجب أن يكون لديه مثابرة؛ من أجل الوصول للغاية، وصبر وتؤدة تجاه تحقيق ما يصبوا إليه.
وهنا نجد أن المعايشة التعليمية، لا تتوقف عند حد اكتساب الخبرة، بل تتعدى هذا الأمر تجاه تعديل سلوكيات، قد يكون غير مرغوب فيها؛ لذا عبر المخالطة، والاندماج الاجتماعي، مع المعلم والزملاء، يعتاد المتعلم على ممارسات حميدة؛ كي يحدث التواصل الفعال، ويستطيع أن ينغمس في مهام الأنشطة التي يكلف بها، بل ويقدم أفضل ما لديه من عطاءات، في صورة مساعدات لأقرانه، ويستقبل كل ما من شأنه، أن يكسبه، ويعمق لديه، أبعاد الخبرات التعليمية المنشودة.
وتسهم المعايشة التعليمية، في مقدرة المعلم على استثمار ما لدى المتعلمين من طاقات بناءة؛ حيث مشاركتهم الفعالة في مراحل التخطيط، والتجهيز، لما يقومون به من أنشطة، بل والعمل على تقييم مستويات الأداء من الحين للآخر؛ بالإضافة إلى الحرص على بلوغ مستويات الإتقان، في اكتساب الخبرات التعليمية؛ ومن ثم يسهل القضاء على ظاهرة الفروق الفردية، كما يسير التعلم وفق تفرد الخطو في التعلم، وهذا يسمح المتعلم صاحب المهارة المتفردة، من أن يقدم المساعد لأقرانه حال الاحتياج إليها.
وهناك نقاط قوة يتميز بها المجتمع التعليمي، ونقاط ضعف، قد تجد لها مكانًا بين بعض المتعلمين؛ ومن ثم فإن المعايشة التعليمية، لها دور فاعل في تعزيز نقاط القوة، ومعالجة مواطن الضعف لدى المتعلم؛ فالمخالطة تزيل الرهبة والخوف، اللتان يتملكان المتعلم؛ لذا يستبدلهما بحب الاستطلاع، والدفع بمزيد من الاستفسارات، سواءً لأقرانه المتفوقين، أو للمعلم.
والمعايشة في حد ذاتها تكسب الفرد شجاعة، يستطيع من خلالها أن يندمج مع أقرانه، ويحاول أن يحاكي الممارسات الصحيحة، التي تسهم في تنمية مقدرته على اكتساب الخبرات التعليمية المنشودة، كما تفتح له المجال لمزيد من المحاولات، حتى يصل في نهاية المطاف لمستوى الإتقان، ناهيك عن إصرار المتعلم على تقييم ذاته، وتقبل تقييم الآخرين له، وهنا تزداد ثقافة الالتزام بمعايير التقويم؛ حيث الالتزام بتوظيف الأداة المقننة التي تقيس ما وضع لقياسه؛ كي نصدر من خلالها الأحكام الصحيحة بصورة موضوعية.
إن للمعايشة ثمارًا يصعب حصرها؛ لكن يكفي أنها تمكن المعلم، من أن يستكشف الخصائص النفسية، والتعليمية، والاجتماعية، للمتعلمين، بما يجعله قادرًا على تكوين سجل تعريفي لكل متعلم على حدة، وهذا بالطبع يساعده في تحديد العديد من المهام، التي تتعلق باختياره لاستراتيجيات، وطرائق، وأساليب، ومعينات، التدريس، وأنماط التقويم المناسبة، ناهيك عن توزيع المهام، التي تتناسب مع طبيعة وخصائص المتعلم التعليمية.. ودي ومحبتي لوطني، وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر