إن تحقيق النمو الاقتصادي الشامل هو التحدي المحوري أمام الاقتصاد المصري. فعلى الرغم مما حققته مصر من تقدم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي خلال الفترة الماضية، فلا تزال مصر تعاني من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وضعف برامج الحماية الاجتماعية. وهو ما يتطلب سياسة اقتصادية ملائمة للتغلب على هذه التحديات وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل.
تحديات مفهـوم التنميـة المستدامة في مصر كإطـار عـام يهدف إلى تحسـن جـودة الحيـاة في الوقـت الحـاضر بما لا يخـل بحقـوق الأجيال القادمـة في حيـاة أفضـل، ومـن ثـم يرتكـز مفهـوم التنميـة الـذي تتبنـاه الاستراتيجية عـلى عدة محاور:
الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته: الحد من الفقر بجميع أشكاله والقضاء على الجوع، توفير منظومة متكاملة وشاملة للحماية الاجتماعية، تعزيز الاتاحة وضمان جودة وتنافسية التعليم، تعزيز الاتاحة وضمان جودة الخدمات الصحية المقدمة، تعزيز الإتاحة وتحسين جودة الخدمات الأساسية (المياه والصرف الصحي، الكهرباء، تدوير المخلفات، المواصلات، والإسكان)، تحسين البنية التحية (الطرق والمرافق وغيرها)
ورفع معايير السلامة والأمان بها، تحسين جودة البيئة العمرانية والارتقاء بالمظهر الحضاري، تحسين نوعية البيئة المحيطة بالمواطن المصري، ضبط النمو السكاني وتحسين الخصائص السكانية، إثراء الحياة الثقافية، تطوير البنية التحتية الرقمية.
العدالة والاندماج الاجتماعي والمشاركة: تحقيق المساواة في الحقوق والفرص، تحقيق العدالة المكانية وسد الفجوات التنموية الجغرافية، تمكين المرأة والشباب والفئات الأكثر احتياجًا وضمان حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دعم المشاركة المجتمعية في التنمية لكافة الفئات، تعزيز روح الولاء والانتماء للهوية المصرية وتنوعها الثقافي، تعزيز الشمول الرقمي.
اقتصاد تنافسي ومتنوع: تحقيق نمو اقتصادي مرتفع احتوائي ومستدام، رفع درجة مرونة وتنافسية الاقتصاد، زيادة معدلات التشغيل وفرص العمل اللائق، تحسين بيئة الأعمال وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال، تحقيق الشمول المالي، إدراج البعد البيئي والاجتماعي في التنمية الاقتصادية، تحقيق الاستدامة المالية، التحول نحو الاقتصاد الرقمي والاقتصاد القائم على المعرفة.
المعرفة والابتكار والبحث العلمي: الاستثمار في البشر وبناء قدراتهم الإبداعية، التحفيز على الابتكار ونشر ثقافته ودعم البحث العلمي، تعزيز الروابط بين التعليم والبحث العلمي والتنمية.
نظام بيئي متكامل ومستدام: مواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية، تعزيز قدرة الأنظمة البيئية على التكيف، تعزيز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر والكوارث الطبيعية، الاعتماد المتزايد على الطاقة المتجدّدة، صون الطبيعة وحماية مواردها والتنوع البيولوجي، تبني أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة، تحقيق أفضل استخدام للموارد الطبيعية، حوكمة مؤسسات الدولة والمجتمع والإصلاح الإداري وتحسين كفاءة وفاعلية الأجهزة الحكومية، ترسيخ الشفافية ومحاربة الفساد، دعم نظم الرصد والمتابعة والتقييم وإتاحة البيانات، تعزيز الشراكات بين كافة شركاء التنمية، تعزيز المساءلة وسيادة القانون، وتمكين الإدارة المحلية.
السلام والأمن المصري: ضمان الأمن الغذائي والمائي وأمن الطاقة المستدام، ضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ضمان الأمن المعلوماتي (السيبراني)، تأمين الحدود المصرية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
تعزيز الريادة المصرية: تعزيز مكانة مصر وتعزيز الشراكات إقليميًا ودوليًا عبر أطر السياسة الخارجية المصرية في المنظمات الإقليمية والدولية ومن خلال العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف مع القوى الاستراتيجية لدعم عملية التنمية المستدامة في مصر على مستوى السياسات والبرامج التنفيذية في جميع المجالات.
تمتلك مصر إمكانات هائلة بفضل تعداد سكانها البالغ حوالي 100 مليون نسمة وموقعها الجغرافي الذي يتيح مدخلاً ممتازاً للأسواق الأجنبية المهمة. غير أن التنمية الاقتصادية ظلت مكبوحة بسبب تركة السياسات الاقتصادية المنغلقة، وضعف الحوكمة، والدور الكبير الذي تقوم به الدولة في النشاط الاقتصادي والذي أسفر عن سوء توزيع كبير للموارد.
ومع ما يشهده الاقتصاد من تقدم نحو الاستقرار، تواجه مصر تحدي تحديث الاقتصاد لتحسين الاستفادة من إمكاناتها المتاحة. ومن العناصر الضرورية في عملية التحديث ضمان أفضل تخصيص للموارد من أجل توليد نمو أعلى، وإزالة التشوهات السعرية التي تعوق الأسواق عن العمل بكفاءة.
ودعم الطاقة من أبرز التشوهات السعرية؛ فهو يبقي تكلفة الوقود في مستوى أقل بكثير من سعر السوق، مما يشجع الاستخدام غير الكفء للطاقة والاستثمار المفرط في الصناعات كثيفة الاستخدام لرأس المال سعياً للاستفادة من تكلفة الوقود المنخفضة. ودعم الوقود مكلف وغير منصف، حيث يستفيد بمعظمه الأثرياء الأكثر استهلاكا للطاقة مقارنة بشرائح المجتمع الأخرى.
وسيساعد تحديد أسعار صحيحة للوقود على رفع كفاءة الاقتصاد حتى لا تتجه الاستثمارات إلى القطاعات كثيفة الاستخدام لرأس المال والطاقة. وبدلاً من التركيز على هذه القطاعات، ينبغي توجيه الاستثمارات إلى القطاعات المنشئة لفرص العمل والمفيدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تنتفع بمواطن القوة في مصر وتساعدها على الاندماج في سلاسل العرض العالمية. ويؤدي تخفيض دعم الطاقة أيضا إلى تحرير موارد للإنفاق على الصحة والتعليم – وهما قطاعان ضروريان لتحقيق النمو الاقتصادي والتقدم المجتمعي على أساس طويل الأجل. عود بعض الأسباب إلى عقود مضت، مثل تعثر التنمية الصناعية بسبب سوء التخطيط والبيروقراطية، وسياسات التصدير التي خلفت عجزا تجاريا مستمرا.
وتسبب الإقبال على الاقتراض في تراكم الديون الخارجية. كما صار الدائنون الأجانب يحجمون عن الاستثمار مما دفع الحكومة إلى الاقتراض محليا رغم ارتفاع أسعار الفائدة، بما يفاقم العجز. وقاد هذا، بالإضافة إلى نمو المعروض النقدي، إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم. وأصبح الاستثمار الأجنبي خارج قطاع النفط والغاز ضئيلا. وانخفضت التحويلات خلال 2022-2023 بواقع 30% إلى 22 مليار دولار مع إحجام العاملين في الخارج عن التحويل بسعر الصرف الرسمي.
كما ألقت الحرب في قطاع غزة المتاخم للحدود الشمالية الشرقية لمصر بثقلها على السياحة وعائدات قناة السويس. وانخفضت إيرادات الممر الملاحي بنحو 50% في وقت سابق من هذا العام. وإن كانت السياسات النقدية للبنك المركزي تعلن أنها تستهدف مكافحة التضخم، إلا أن التضخم لن يتراجع في مصر إلا من خلال القضاء على أسبابه، عبر زيادة إنتاج السلع والخدمات، الاعتماد على مستلزمات الإنتاج المحلية، إعادة النظر في المشروعات ذات المكون الخارجي الذي يتطلب موارد من النقد الأجنبي، وكذلك القضاء على الفساد.
ومن أكبر مشكلات المديونية العامة في مصر أن الحكومة لا تملك برنامجا للحد من هذه الديون أو سدادها وفق جداول زمنية محددة، كما أنها تلجأ كثيرا للديون قصيرة الأجل، بينما مواردها لا تسمح للتعامل مع هذه الديون، مما يجعلها تضطر للاستدانة كل عام لتمارس ما يعرف بتدوير الديون، ومن هنا نجد أن العجز بالموازنة العامة للدولة بحدود 30 مليار دولار.
يُبنى على الميزان التجاري السلعي لأي دولة عدة أمور، منها معرفة الدلالات الأولية لأداء اقتصاد الدولة، طبيعة ما ينتجه من سلع.
لم يكن سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية على مدار أكثر من 5 سنوات مضت معبرا عن قيمته الحقيقية، فقد كان مدعوما بتدفقات تعاملات الأجانب في الدين العام، والتي بلغت قرابة 30 مليار دولار في بعض السنوات.
ومن جانب آخر، استمرت الحكومة في سياسة حماية سعر صرف الجنيه، بعوامل أخرى بجانب تعاملات الأجانب في الدين العام، مثل ودائع دول الخليج لدعم احتياطي النقد الأجنبي، وكان لتراجع إيرادات مصر من السياحة بسبب أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا دور في تراجع قيمة الجنيه، وكذلك استمرار الحكومة في استيراد سلع أجنبية لمشروعات لا تدر عوائد في الأجلين القصير والمتوسط.
ولن يكون للجنيه المصري سعر صرف حقيقي إلا إذا تخلت الحكومة عن سياسة حماية سعر الصرف، واتبعت سياسة اقتصادية تعكس زيادة تدفقات النقد الأجنبي للداخل بشكل يوازن وارداتها من الخارج، ولن يتحقق ذلك إلا بزيادة في الصادرات السلعية والخدمية، وترشيد الواردات السلعية والخدمية.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا