في عالم يتحرك بسرعة غير مسبوقة، أصبح الابتكار والذكاء الاصطناعي ليسا مجرد أدوات، بل ضرورة حتمية لإعادة تشكيل الاقتصادات وتحقيق الاستدامة. قطر اليوم ليست مجرد متلقٍ للتكنولوجيا، بل فاعل رئيسي في صياغة المستقبل الرقمي والاقتصادي. والاستثمار في العقول الشابة، وتمكينها من أدوات الذكاء الاصطناعي، هو المفتاح لتحويل الأفكار إلى ثروات مستدامة، وجعل قطر مركزًا عالميًا في هذا المجال. فليكن شعارنا: لا مستحيل مع المعرفة، ولا حدود للإبداع!
بلدنا الحبيبة قطر تستثمر بقوة في قطاع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة، حيث أطلقت العديد من المبادرات لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للابتكار.
صندوق استثمارات رأس المال الجريء في قطر خصص مليار دولار لدعم الشركات الناشئة، بما في ذلك المشاريع القائمة على الذكاء الاصطناعي.
«واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا» تدعم أكثر من 100 شركة ناشئة تعمل في التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
قطر وضعت الذكاء الاصطناعي كأولوية في استراتيجيتها الوطنية للابتكار، وتعمل على بناء بيئة جاذبة للمستثمرين ورواد الأعمال في هذا المجال.
استضافة قطر لـ قمة الويب لأكثر من 5 سنوات متتالية يعزز مكانتها كمركز عالمي للابتكار التكنولوجي.
الذكاء الاصطناعي والابتكار أصبحا عنصرين أساسيين في تقدم المجتمعات، وتعزيز الإنتاجية في مختلف القطاعات، ويحدثان تحولا جذريا في تحليل البيانات، ويساعدان على اتخاذ أنسب القرارات، وكيفية إنجاز الأعمال، وهما القوة الدافعة التي تُمكّن المؤسسات من الاستفادة القصوى من التكنولوجيا، وتحقيق التقدم المستدام، والتنافسية في مضمار السباق، وزيادة في معدلات الربحية بتكلفة أقل، وفي هذا السياق يشكل تكامل الذكاء الاصطناعي والابتكار حجر الأساس في بناء وتطوير وتنمية الاقتصادات الجديدة.
وأي مجتمع يعظِّم هذين العنصرين الذكاء الاصطناعي والابتكار يرتبط بالثروة والنفوذ، وفي المقابل أي مجتمع يهملهما يرتبط بالفقر والضعف، فبهما تتحول المجتمعات من الاقتصادات التقليدية بطيئة النمو إلى «الاقتصادات الجديدة» المتحركة دوما، وهذا المصطلح اعتمدته الدول الغنية لاقتصاداتها، ففكرة الاقتصاد الجديد مرتكزة على المعرفة، المعرفة كمعلومة، والمعرفة كخبرة ومهارة، وتقنية وتقانة، وبالطبع دون إهمال الاقتصاد القائم على الموارد، فـ «الاقتصاد الجديد» هو اقتصاد شامل، لكن ثمن المعرفة فيه كبير، لأنها نتاج البحث العلمي الجاد والابتكار مستوفي المعايير، وقد يقول قائل: إن البحث العلمي والابتكار في حاجة إلى نفقات كبيرة، والرد على هذا القول أنه صحيح، لكن العائدات في النهاية هائلة، لا وجه للمقارنة بينها وبين حجم النفقات.
يقول الدكتور أحمد زويل وهو الحاصل على جائزة نوبل في حوار استغرق أربع ساعات مع طلاب وإعلاميين: إن تكلفة صناعة أغلى هاتف محمول لا تتجاوز عشرة أو عشرين دولارا على أقصى تقدير، لأنه مصنوع من سيليكون ورقائق معدنية ليست ذات قيمة مالية كمواد خام، ولكن الصانع يبيعه بأربعمائة أو خمسمائة دولار للوكلاء، ويصل إلى المستهلك النهائي بثمن باهظ، وهذا الفرق الكبير بين تكلفة صناعة الجهاز وثمنه هو ثمن المعرفة والابتكار والبحث العلمي، فالصانع لم يبِع جهازا فقط، ولكنه باع معرفة وعلما، ولذلك جنى مارتن كوبر مخترع الهاتف المحمول من وراء اختراعه هذا ثروة تقدر بأربعمائة مليار دولار.
ولماذا نذهب بعيدا وبين أيدينا تطبيق جوجل؟، فهو ليس إلا محرك بحث ابتكره صديقان هما لاري بايج وسيرجي برين من جامعة ستانفورد الأميركية، دون أن يستخدما أية مواد خام أو يحتاجا إلى مبنى، أي لم يتحملا أية أعباء مالية، هما فقط استخدما عقلهما وصمما تطبيقا يستخدم الروابط لإظهار صفحة معينة موجودة على شبكة الإنترنت، وعندما حظي برواج من مستخدمي الشبكة أسس الصديقان شركة قيمتها السوقية اليوم 2,5 تريليون دولار.
نسوق هذه الأمثلة بهدف توجيه شبابنا النابه إلى إتقان استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تحفيز الابتكار الذي لم يعد بالإمكان الاستغناء عنه في العديد من المجالات الحيوية، فالذكاء الاصطناعي يساعد المبتكر خلال مراحل الابتكار في معالجة كميات ضخمة من البيانات بشكل أسرع ودقة أكثر من البشر، ويفتح أمامه آفاقا جديدة لتطوير منتجات موجودة بالفعل، أو إبداع منتجات لخدمة البشرية قابلة للمنافسة لم تكن موجودة من قبل، ففي مجال الطب مثلا يساعد على ابتكار أدوية جديدة لمرض عضال، وفي مجال التصنيع يساعد في تحسين أنظمة الإنتاج والتنبؤ بأعطال الآلات وتوفير صيانة استباقية، أو ابتكار آلات بديلة تقلل الأعطال الطارئة، وفي مجال الزراعة يساعد على استنبات مزروعات محسنة جينيا.
الشباب العربي وفي الطليعة الشباب القطري بينهم نوابغ وعقول نيِّرة قادرة على التفكير والابتكار والاختراع، وقد برزوا في مناسبات كثيرة، كالاحتفال بتكريم المتميزين علميا والمسابقات الدولية، لكن يحتاجون إلى المزيد من التشجيع والتحفيز، وبيئة عمل تصبر عليهم وتمنحهم الفرصة، لا تهدد أحدا إذا أخفق، فليس كل من ابتكر واخترع نجح من أول محاولة، وإنما بعد عشرات المحاولات، فعلى سبيل المثال قد يحتوي منتج جديد على أخطاء أو خلل أو ثغرات تؤثر على جودته ووظائفه، فالتعامل مع هذه الحالات هو الصبر وتحديد المشكلة وحجمها وسببها وبالتالي الوصول إلى حلها بدل الانصراف عنها وإهمالها.
يجب خلال إعداد جيل من المبتكرين إجراء تعديلات على مفاهيم العمل لديهم، كإقناعهم بأن البحث والابتكار ليس مجرد وسيلة للكسب المادي، وإنما أداة لتحقيق التغيير الاجتماعي، أما الكسب المادي فسوف يأتي طوعا أو كرها حال النجاح، والنابه أو النابغ لا يكتفي بوجود أفكار مبدعة لديه، وإنما يجب أن يكون هناك التزام منه بالعمل المستمر وبذل الجهد لتحقيق هذه الأفكار وتنفيذها كمنتجات على أرض الواقع، يؤمن بأن العمل يجب أن يتسم بالإبداع، والبحث عن حلول جديدة للتحديات المستمرة، والتركيز على النتائج الملموسة القابلة للقياس، سواء على مستوى الفرد أو المؤسسة، وعلى ذكر هذه القيم اللازمة للمبتكر فإن قطر تشيِّد الآن أفضل بيئات الابتكار في العالم ومنطقة الشرق الأوسط، من خلال استضافة قمة الويب التي أشاد بها ألمع عقول وادي السيليكون وكبار المبتكرين ورواد الأعمال حول العالم، وتوجت نجاحاتها في النسخة الثانية الشهر الماضي بتوقيع اتفاق شراكة بين الطرفين لخمس سنوات قادمة، يجتمع خلالها آلاف رواد الأعمال والمبتكرين والمستثمرين وقادة القطاعات المختلفة الصناعية والتجارية والتعليمية والبيئية والصحية والتكنولوجية من شتى البقاع بهدف تحويل الدوحة إلى مركز عالمي للتكنولوجيا، يتم فيه التواصل والتعاون وتبادل الأفكار، وخلق بيئة داعمة للابتكار في المنطقة وخارجها.
بهذا الحدث العالمي عززت قطر مكانتها كوجهة مثالية للمبتكرين والشركات العالمية الرائدة، من خلال التسهيلات التي تقدمها لرواد الأعمال، وتمكينهم للانطلاق من هنا نحو الأسواق العالمية، وكمبادرات جادة تم تأسيس صندوق استثمارات رأس المال الجريء، بقيمة مليار دولار لدعم الشركات الناشئة ورواد الأعمال القطريين وغير القطريين، وإطلاق برنامج «ابدأ من قطر» الذي استقبل طلبات من دول عدة، وبعيدا عن المبالغات فإن قطر خلال شراكة الخمس سنوات القادمة مع قمة الويب تنشئ في الدوحة وادي سيليكون آخر على غرار الموجود في أميركا.
للنابهين من شبابنا أقول: أطلقوا العنان لخيالكم وأفكاركم؛ كي تواصل قطر تقدمها بكم.
بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية