تعد حماية المال العام أو المال المملوك للدولة من أهم اختصاصات وواجبات الحكومة، فهو حق أصيل للشَّعب في ثرواته العامَّة، وهو المُحرك الأساسي لنمو الاقتصاد في أي بلد، وهو الشريك الفاعل في بناء الوطن بكل قطاعاته، وحق الأجيال القادمة في ثروات أوطانهم، لذا تعمل الحكومات على إصدار القوانين التي من شأنها حماية المال العام،
والتي تتطور بتطور مفهوم المال العام، وتشعباته في مختلف القطاعات والأنشطة، ويرتبط دائمًا قانون حماية المال العام بتضارب المصلحة، حيث يُعد تضارب المصالح إحدى أهم الأدوات في إهدار المال العام،
لذلك توضع قوانين مُلزمة تتبنَّى عصرها عند الحديث عن تعديل القانون الذي يعمل على حماية المال العام، ويمنع الإضرار به عبر تضارب المصلحة بين العام والخاص. إن المال العام هو شريان الحكم والإدارة ، وحمايته ترتبط بحماية حقوق المواطنين ومنها المساواة وتكافؤ الفرص ، وتعد الأحكام الخاصة به من أهم ضمانات العدالة الاجتماعية وسبيلاً من سبل تحقيق التنمية المتوازنة .
وبما أن المال العام هو المال الذي يكون مخصصاً لمنفعة عامة ويهدف إلي تحقيق مصلحة عامة ، وتتم الاستفادة منه من قبل كافة المواطنين سواء كانت تلك الاستفادة مباشرة كاستعمال الطرق والأرصفة في المرور ، والتردد علي المنتزهات والحدائق والشواطئ للترفيه أو بصورة غير مباشرة ويكون ذلك عند تخصيص المال العام لإدارة مرفق عام كاستعمال مدرجات الجامعات وفصول الدراسة ووسائل النقل العام ويقتضي ذلك الاستعمال للأموال العامة ثلاثة مبادئ أساسية :-
الحرية / وتعني أن يكون للأفراد حق استعمال المال العام دون اشتراط للحصول على إذن أو ترخيص .
المساواة / وتعني عدم التمييز بين المواطنين في استعمال المال العام .
المجانية / وتعني أن ينتفع الجميع من المال دون مقابل ولا يبخل بذلك قيام الجهة المالكة بفرض رسوم بسيطة كرسوم المتاحف والمدن الأثرية .
إن للمال العام أهمية عظمى في المجتمع ، حيث تتعلق به المصالح العامة التي لا غني عنها ؛ ولا تصلح الحياة بدونها إذ فكرة حماية المال العام ورسالته، هي فكرة وطنيَّة مشرقة مستنيرة، يشترك الكلّ في صياغتها وترجمتها على أرض الواقع، بدءاً من الفرد العادي، ومروراً بالمجتمع ومؤسّساته وهيئاته واجهزته المختلفة وانتهاءً بالدولة، والدول المجاورة، هي التي تتعزّز فيها هذه الثقافة، واقعاً عملياً محسوساً، وما سطع نجم بعض الدول إلا من هذه الزاوية ابتداء.
يعتبر ولي الأمر مسئولا عن إدارة المال العام وحمايته وتنظيم الانتفاع به سواء كان سلعة أو خدمة وهذا ما بينه الفاروق عمر بن الخطاب رضي عنه في قوله: ( ألا وإني ما وجدت صلاح هذا المال إلا بثلاث: أن يؤخذ من حق ،ويعطى في حق، ويمنع من باطل ألا وإنما أنا في مالكم حوالي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف).
لذلك نصت القوانين المرعية في جمهورية مصر العربية على حماية المال العام من أي استغلال أو استيلاء يقع عليه ووقعت جزاءات حال انتهاك حرمته، فهناك جزاء أداري ومدني وجنائي يوقع حال العبس بالمال العام.
فقد نص الدستور المصري في المادة ٣٣ منه على أن ( تحمي الدولة الملكية بأنواعها الثلاث الملكية العامة والملكية الخاصة، والملكية التعاونية).
ونصت المادة ٤٤ على أن للملكية العامة حرمة لا يجوز المساس بها، وحمايتها واجب وفقا القانون).
وتتمثل الحماية المدنية للمال العام في ثلاث صور:
الصورة الأولى- عدم جواز التصرف في الأموال العامة.
الصورة الثانية- عدم جواز اكتساب المال العام بالتقادم.
الصورة الثالثة -عدم جواز الحجز على الأموال العامة.
وبخصوص الحماية الجنائية للمال العام فإن المشـرع فـي جميـع القوانين واللوائح على اختلاف أنواعها قد عني بتقرير حماية خاصة للمال العام تحفظـه مـن أنواع التعدي الصادر من جمهور المنتفعين أو إهمالهم، غير أن هذه الحماية الجنائية ليسـت موحدة بحيث تشمل جميع الأموال العامة على قدم المساواة، ولكنها تنصب بصورة أوضح على الأموال الأكثر تعرضاً للجمهور كالطرق العامة ومجاري المياه وخلافه. والنصوص التي تقرر تلك الحماية لا يجمعها تشريع واحد، ولكنها مبعثرة في قوانين العقوبات وعـدد مـن القـوانين والمراسيم والقرارات الوزارية المختلفة.
فقد نصت المادة 119 من قانون العقوبات المصري على أنه: ( يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
المال نعمة عظيمة من نعم الله تعالى علينا، فالمال قِوام الحياة الإنسانية، به تنهض الأمة وترتقي وتصلح أحوالها، وبه تتوافر حاجات كل فرد في المجتمع، فهو وسيلة لدعم قضايا الوطن وتيسير شؤون الناس، فإذا استخدم في الصلاح كان نعمة، وإذا استخدم في الفساد كان شقاءً. ومن أهم أحكام شريعتنا حماية المال وتحريم الاعتداء عليه، وأوصى الإسلام كل فرد بحماية ماله الخاص، وكذلك المال العام، بل إنّه الأشد حرمة لما يترتب عليه من ضرر أكبر، ولكثرة الحقوق المتعلّقة به، وتعدد الذمم المالكة له؛ فالحفاظ على الملكية العامة مسؤولية الناس كافة؛ لأن منفعتها تعود علينا جميعاً، فقد فرض الله علينا حمايتها وحذّر من التطاول عليها، حيث قال رسولنا الكريم: «إن رجالاً يتخوضون في مال الله فلهم النار يوم القيامة».
فإنّ المال العام أمانة يجب حفظها ويحرم مسّها ولا يجوز التطاول عليها من أي أحدٍ كان باستغلال نفوذه ومنصبه، وللأسف يعتبر البعض أن الاستيلاء على المال العام ذكاء وفوز بغنيمة وينسى أنه خسارة عظيمة لمجتمعه، ومن صور ذلك في مجتمعنا من يسطو على المال العام بتزوير أوراق رسمية أو الموظف الذي يتقاضى البدلات بالتحايل على القانون ومن دون وجه حق، أو مسؤول يعين موظفاً بمجرد كتابة اسم الموظف في جهة أو أكثر من جهة بالتلاعب في الملفات، فيأخذ راتباً شهرياً لوجود اسمه في ملف لا بوجوده هو!
ولو رأينا المجتمعات الأخرى من الدول الأوروبية وغير المسلمة، نجدها تنظر إلى المال العام على أنه أشد خصوصية من المال الخاص، فإنّها لا تمسه وهكذا تتقدم هذه الدول وتتطور بالحفاظ على المال العام.
فإنّ حماية المال العام واجب وطني وديني وإنساني؛ لأن به تدار شؤون الدولة وأفرادها، ويعتبر الاعتداء عليه اعتداء على الجميع؛ لأن من سرق من المال العام يسرق من الأمة كلها؛ فسرقته أعظم جرماً من سرقة المال الخاص؛ لأنه آكل لأمول الناس بالباطل، فالإسلام دعا لحفظ المال وصانه عن الفساد، فهذه مبادئ لا غنى عنها، يجب التمسك بها، فبها نصون حقوقنا ونتقدم ونرتفع، ولكي يسود النظام في حياتنا يجب الوقوف أمام أصحاب الفتن ومحاربة هذه الفئة التي تسبّبت في فساد جوانب عديدة من بلدنا، وجعلت أمتنا ترجع إلى الوراء وتزداد ضعفاً أمام دولٍ قوية متسلّطة.–
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا