من الأفكار المغلوطة كراهية الزينة وهوان الدنيا لدي كثير من المسلمين. والإسلام كما جاء في كتابه وسنة رسوله لا يؤكد أن الدنيا في نظر المسلم هينة فارغة، ويحرص على عزة الإنسان وكرامته في الدنيا كما يحرص على مكانته في الآخرة. ومن أمارات ذلك، أن الأصل في الأشياء الإباحة بمعنى أنها ليست محرمة ولا محظورة، ومنها الزواج، ومن أهدافه السكينة والمودة والاستقرار وقرة العين بالذرية الصالحة. والزواج لقاء مختلفين في النوع ذكر وأنثى لاكتمال الحياة وأن يفضي كل منهما للآخر بما لم يفض به لأبويه وهذا ما يجسده التعبير القرآني ” هن لباس لكم وأنتم لباس لهن” وما يوحي به اللباس من الشمول والملامسة والدفء والستر والرقة والجمال والمسرة والإسرار والتمتع بجمال اللون والمنظر والتكافل والتساند. والزواج بذلك متعة من متع الحياة، وأنس بها يحظى به الإنسان دون غيره من الكائنات. فالحيوانات والنباتات تتكاثر على نحو فطري خالص. الذكر والأنثى منهما لا ينال الآخر إلا وقت التناسل ليؤدي الوظيفة الفطرية ولا يطلبه على نحو ما يطلب الإنسان من ذكر أو أنثى الآخر.
ومنها الزينة التي نراها في الزواج والأولاد والمال والملبس والمأكل والمشرب والمسكن والمركب. فالزينة ليست عرضا فارغا من عرض الدنيا ولو كانت كذلك لخلت الحياة من الجمال. ولعل قوله تعالى” ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك. إن الله يحب المحسنين” يؤكد قولي. والمشكلة الكبرى هي الاتجاه المخالف. فالمال مثلا في الإسلام وسيلة من وسائل الإغناء والقوة والمنعة وقهر العوز والحاجة، والإنسان مستخلف فيه بمعنى أنه مسؤول عما اؤتمن عليه أمام الله وأمام الناس. وقد وضع الله للناس في المال حقوقا ألزم بها ذوى المال منها الزكاة وهي حق معلوم ومنها الصدقات، وهي حقوق مستحبة، ومنها الهبات والعطايا وهي من التطوع في الخيرات. ومع ذلك غلبت الأثرة والأنانية والاعتقاد بالتحايل على الله، فتحول المال إلى غاية هي الاكتناز” ألهاكم التكاثر” وقل الأمن بسبب كثرة الفقر والعوز وزادت الكراهية والبغضاء، وتفشت رغبة الأغنياء في الإسراف سرا وعلنا، وشعر الإنسان بالاستغناء عن الناس وعن ستر الله” كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى” فنسي الحساب ورب الأسباب ومالك الملك وآمن وصدق بما هو فيه فقط. وما حديث صاحب الجنتين ببعيد. فقد رزقه الله بزينة وجمال ومال وقوة ومنعة ” جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا. كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر” اكتملت له كل جوانب النعمة والقوة وصدق أنها لا تزول. لذلك كان نكرانه ” ما أظن أن تبيد هذه أبدا” وكأن الدنيا ساكنة جامدة، ثم لا يكتفي بهذا العمي فيعلن اعتقاده بما لا يعلم جحودا ونكرانا” وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا”. فالزينة ليست حراما إلا ما كان منها محرما، وليست عرضا فارغا بل هي جوهر الحياة لتكتمل الحياة وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق. قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة”
