من الومضات الإيجابية في الموسم الدرامي والبرامجي هذا العام برنامج “قطايف”، والذي يقدمه الفنان الكوميدي خفيف الظل سامح حسين عبر قناته علي اليوتيوب وتذيعه عدة منصات بعد تحقيقه لنجاح باهر بعد عرض حلقاته الأولي.
” قطايف” سامح غرس أخضر وسط غثاء أجوف، ووصفه بعض رواد شبكات التواصل كأنه نقطة ضوء وسط ظلام برامج ودراما رمضان، وكالبذرة الطيبة في أرض بور في إنتظار من يعتني بها وينميها ويعمل علي تطويرها وتوظيفها في هذا العالم الرقمي الجامح!.
سامح” من كتيبة الفنانين المحببين إلي القلوب ببساطته في التمثيل والواقع وإنحيازه لكل ما هو جميل في غالبية أعماله الفنية، وقد استطاع هذا العام تقديم مضمون مغاير كنموذج متميز لتجربة البرامج القيمية الهادفة، من خلال برنامجه “قطايف”، والذي يعرض يوميا في عدد من منصات التواصل.
البرنامج يحتوي رسائل متنوعة تجمع ما بين الروحانيات الإيمانية والنصيحة والحكاية والعظة وخلاصات مركزة لأهداف التنمية البشرية، وبناء الإنسانية، ولحظات التأمل في إطار قيمي رفيع بإسلوب بديع ومضمون متميز أضاف لرصيده الكثير من التقدير والاحترام.
وبعد تصدره الأعلى تداولا بمنصة “إكس”.. أعرب الفنان سامح حسين عن سعادته بنجاح تجربته النوعية الجديدة وتقدم بالشكر والتقدير لكل من أشادوا ببرنامجه “قطايف” الذي يدعو للتمسك بالقيم الإنسانية والأخلاق الحميدة.
ومع سعادة المتلقين والمتخصصين ببرنامج سامح حسين عاد الجدل من جديد حول إشكالية المنعطف الخطير الذي تمر به البرامج الرمضانية والدراما المصرية بشكل عام مع إصرار صناعها علي صياغتها وإخراجها في قوالب بعيدة عن الواقع وفي حالة خصام مع الواقع بما يتضمنه من قضايا تنموية ومشكلات إجتماعية فعلية ومعالجتها دراميا بصورة متوازنة دون تهويل أو تهوين..
كما ثار الجدل حول مدي أهمية برامج المقالب وعلي رأسها برنامج “رامز أيلون مصر” ، والذي يتحرك في المسار النقيض بما يحويه من فكرة عبثية وسخافات متكرره بنسخ الكربون كل عام وبلا هدف، والتي بلغت حدا مبالغ فيه من الاستخفاف بعقول الناس، والإثارة المصطنعة، فكل شيء متفق عليه، فمقدم البرنامج يعلم والضيف البطل يدرك تمام السردية العبثية والحبكة المصطنعة ويعلم تماما كل التفاصيل ويقبل عن طيب خاطر “المرمطة والبهدله وقلة القيمة”، طعما في كسب حفنة من الأموال قد تصل لملايين الجنيهات حسب شهرة البطل ونجاحه في عقد هذه الصفقة “المتدنية”..
كما أن المشاهدين يعلمون أيضا أن البرنامج (تمثيل في تمثيل)، ولكنهم يتابعون لعدم وجود البديل وسط هذا الهشيم اليابس !.
إن نجاح “قطايف”، بمردوده القيمي والأخلاقي كنموذج للبرامج الهادفة التي تحترم عقلية المشاهد تنسف تماما خطأ نظرية (الجمهور عايز كدة)، فالناس يمتلكون قدرة التفرقة بين الغث والثمين، وفقا لنظرية التعرض الإنتقائي، لكنهم أحيانا يذهبون إلى ما تفرضه عليهم قوي الإنتاج النفعي والقنوات الرأسمالية ويضطرون أحيانا للإختيار بين السئ والأسوأ، ولكن عندما يتيح له الإنتاج الهادف بالتأكيد سيقبل على الرسالة الأكثر إقناعا وعقلانية، حتى لو كانت بسيطة لأن غالبية الناس بفطرتهم السوية وبطبيعتهم الإنسانية يبحثون عن الرسائل الهادفة والإيجابية فقد سأم الناس الرسائل المبتذلة التي تعتمد علي الإثارة وتغييب العقول، وأحيانا تزييف الوعي وطمس التراث وتمييع الهوية.
ويبدو أن سامح حسين قد وصل لمرحلة النضج الفني وينوي أن ينضم لعظماء الفنانين الذين قدموا أعمالا وطنية واجتماعية في قوالب فنية ودرامية متنوعة عبرت عن أوجاع، وأفراح، وتطلعات أبناء أرض الكنانة.
وفي هذا السياق عرض له قبل عدة أشهر فيلم
” ساندوتش عيال”، والذي تدور أحداثه حول نسب الطلاق المرتفعة في مصر وتأثيرها السلبي على الأطفال، وذلك من خلال قصة محامي على خلاف مع زوجته وهو ما لفت نظره للموضوع، فيقرر أن يطالب بحقوق الأطفال الذين وقع عليهم الضرر نتيجة الخلافات، وحالات الطلاق أو الخلع بين والديهما في إطار كوميدي هادف.
وفي اعتقادي أن لكل فنان محطات مهمه وفارقه في حياته، إما أن ينضم لكتيبة المبدعين أو أن ينزلق مع التيار والموجات العاتية من الأعمال الفنية المبتذلة.. وله الخيار يكون أو لا يكون..
وفي تقديري أن الفنان محمد رمضان استوعب هذا الدرس جيدا وهو الآن في محطة تغيير المسار وإعادة حساباته واكتشاف نفسه، أو ربما إدراك أن للفنان أدوار إنسانية ومجتمعية يجب ألا يتخلي عنها وبعيدا عن كافة الحسابات المادية والشهرة الزائفة، ويجب أن يظل طوال الوقت في دائرة البسطاء وأبناء البلد الجدعان، وهو ما يقدمه هذا العام عبر برنامجه “مدفع رمضان”.
ويأتي هذا بعد سلسلة من الأعمال الفنية الهابطة لرمضان قدم من خلالها نماذج لشخصيات شاذة ومتناقضة اتسمت بالكبر والعنف والبلطجة والزعامة الفاسدة، وتبرير الأفعال للوصول للأهداف بطرق مشروعة وغير مشروعة، حتي اتهمه البعض بأنه تسبب في إفساد جيل بأكمله عن طريق التقليد الأعمى وتقمص أدوراه الخبيثة، وانخفضت شعبيته ومكانته لدي المشاهدين، وهو الآن في محطة العودة!
وفي تصوري أن الفنان المبدع هو المحور الأهم في نجاح العمل الفني فهو من يمتلك القدرة على إعداد و إنشاء أعمال فنية جديدة ومبتكرة، ويتميز بالقدرة على التفكير بشكل إبداعي وابتكاري. كما يمتلك القدرة على إنشاء الأعمال الفنية الجديدة والتعبير عن الأفكار والمشاعر عبر أعماله الفنية المتنوعة.
وتبقي عبقرية توظيف الميديا الجديدة وسط هذا الزحام الكبير وهذا السيل المتدفق من الرسائل السلبية والمضامين المشبوهة، وهو أمر يتطلب جهدا كبيرا وإعدادا جيد، ويظل المضمون القيمي هو الفيصل لنجاح العمل والوصول لقلوب الناس..
تحية حب وتقدير للفنان جميل القلب واللسان “سامح حسين” ولكل فنان ولكل مبدع ولكل كاتب ولكل إعلامي يدرك أهمية وسمو رسالته وإيمانه بقدرته علي التغيير والعطاء اللامحدود لوطنه وأهله، دون انتظار لمقابل أو بحثا عن شهرة مؤقتة وتحقيق مصالح نفعية سرعان ما تأخذ بصاحبها إلي طي النسيان وإلي غياهب التاريخ.. تحية لكل من يترك أثرا صالحا نافعا قولا وفعلا.