إن الأدب والفنون هما الركيزة الأساسية لهوية الأمم، والمرآة العاكسة لواقعها الثقافي والاجتماعي، فإما أن يكونا سلاحًا للبناء والرقي،
أو معولًا للهدم والانحطاط.
فحين كان الأدب والفن يحملان رسالة سامية، شكّلا وجدان الشعوب، وغرسا القيم النبيلة، وأسّسا لأجيال تتسلح بالأخلاق والمعرفة.
أما اليوم، فقد تحولا في كثير من الأحيان إلى أدوات مسمومة، تُفرغ العقول من محتواها، وتستبدل المعاني السامية بالابتذال، وتُشرعن العنف والبلطجة والانحلال تحت ستار الإبداع والحداثة.
فهل هذا النوع من الإبداع الساقط تجسيد وتعبير لماوصلنا إليه
فلقد شهدنا في تلك الأعمال تبدلًا مخيفًا في منظومة القيم، حيث تم استبدال الحب بالكراهية، والأمل بالغيرة والحقد، والفرح بالحزن والبؤس، حتى أصبحت الفوضى والعدوانية والابتذال هي العنوان الأبرز لكثير من الأعمال الأدبية والفنية
. لم تكن هذه الوسائل انعكاس لواقع متغير، بل أصبحت سببًا رئيسيًا في تعميق الانحدار القيمي، مما أدى إلى نشوء أجيال تائهة، ممسوخة الهوية، فاقدة للانتماء، تعتقد أن القوة في العنف، وأن الجرأة في الانحطاط، وأن النجاح في التخلي عن المبادئ والأعراف والتقاليد التي كانت تتمتع بقدسية الاديان
إن التأثير المدمر لهذا الانحدار لا يتوقف عند تغيير الذوق العام أو تشويه الهوية الثقافية، بل يمتد إلى تشكيل سلوكيات النشء وصياغة عقولهم بشكل يجعلهم أسرى لنماذج مشوهة، يقتدون بها، ويتبنون أفكارها وسلوكياتها. فحين يصبح البلطجي قدوة، والمحتال نموذجًا للنجاح، والفاحش في القول والفعل رمزًا للتحرر، فماذا ننتظر من أجيال نشأت في هذه البيئة المشوهة؟ إننا أمام خطر أشد فتكًا من أي سلاح، خطر يهدد المجتمعات من الداخل، فيقتل فيها الأخلاق والقيم والانتماء، ويمهد لسقوطها دون طلقة واحدة.
لقد آن الأوان لأن نعي حجم الكارثة التي نواجهها، فالهدم الأخلاقي والقيمي هو المقدمة الحتمية لانهيار الأمم، ولا نهضة بدون استعادة الهوية الثقافية التي صاغها الأدب والفن الراقي عبر العصور. المسؤولية تقع على الجميع: المبدعون، والمثقفون، والمجتمع بأسره ، حتي من البسطاء الطيبين في رفض هذا الانحطاط، والتمسك بالقيم التي صنعت حضاراتنا وقيمنا التراحمية ، قبل أن نصبح مجرد ظلال باهتة لأمم سقطت في هاوية الانحلال، ولم تستطع النهوض مجددًا.