هذه الأغنية التي تعتبر ثورة على التطبيع وفرصة كبيرة لايجاد الذات العربية وصرخة في وجه العالم الغربي والعربي لإعلان حالة الكره العامة ورفض التطبيع على جميع الأصعدة، أسباب نجاحها معروفة وبديهية لأنها كما قلنا صرخة لمحاولة الخروج من الكبت العميق لمشاعرنا والاحساس بالعجز وسهولة كلماتها لرجل الشارع جعلتها أسهل في الوصول إليه، لكن السؤال هنا: لماذا خرجت علينا هذه الأغنية دون غيرها ؟ لماذا رأت النور وغيرها الكثير والكثير أقل صراحة وأقل صراخا في طي النسيان والكتمان؟
وللعلم عنوان الأغنية وهو السبب الرئيس في نجاحها يرجع للرقابة على المصنفات الفنية والتي رفضت الاسم القديم وهو «أنا مبحبش اسرائيل» واعتبرت أن اسرائيل لا تخضع للحب وعدم الحب «اسرائيل تكره» كما قالت، وكان العنوان الأكثر صراحة والأكثر جرأة والأكثر نجاحا وهنا أيضا سؤال.. لماذا هذه الصرخة في وجه التطبيع؟
أعتقد أن الجو العام في الشارع العربي آنذاك للانتفاضة الفلسطينية والممارسات الصهيونية العدوانية تجاههم وتجاهلهم للرأي العام العربي والعالمي جعل الحكام يخضعون لشعوبهم ووجدوا المتنفس للاعلان عن عدم التطبيع والخضوع اعلاميا فرصة لعدم مقدرتهم على الاعلان عن هذا سياسيا، وهنا كانت الفرصة التي سنحت لهذه الأغنية دون غيرها، والتي بدورها أعطت الفرصة لأعمال كثيرة للظهور، ولكن للأسف الأعمال التي ظهرت على أثر هذه الأغنية كانت لاستغلال نجاح وركب موجة كما يقال، ولكن أيضا لا ننكر أنه كانت هناك محاولات جادة أهمها «أوبريت الحلم العربي» الذي ضم أشهر المطربين من جميع الدول العربية.
وإذا كان كل الفنانين وكل الشعوب العربية رغم اختلاف الثقافات تجتمع على حقيقة واحدة وهى «عدم التطبيع» إلا أنه كان من المفترض أن تستغل الفرصة بشكل أفضل وأن يظهر الموهوبون الشعراء والفنانون الجادون دورهم في التعبير عن ذلك باطلاق العنان لمشاعرهم وأقلامهم واستغلال الفرصة التي قلما تتكرر، فكم من أعمال لم تر النور بسبب التعتيم الاعلامي وطوق الرقابة والتطبيع الذي ضقنا به وضاق بنا، لماذا لم تخرج أغان أكثر قومية ووطنية وأين هذا الكم الهائل من الأغاني السياسية الجميلة والعظيمة التي كانت تغنى ومازالت مجهولة، وإذا كانت المحطات الفضائية الآن تتيح الفرص لوجود أعمال قديمة لسماعها وكثيرا منها لم نسمع به من قبل مثل أغنية «وين الملايين» وأغاني مارسيل خليفة والشيخ إمام.. فلماذا ظهرت هذه الأعمال وقت الانتفاضة فقط ثم رجع الكل أدراجه، واذا كانت الرقابة ترفض من قبل مثل هذه الأعمال فما هو الحال بعد وجود أغنية «أنا بكره اسرائيل».
أعتقد أن العالم العربي كله أخطأ خطأ فادحا في تفويت هذه الفرصة على نفسه، وليست الأغنية المصرية فقط، وإذا كانت هذه الأغنية هي نقطة بيضاء في تاريخ الرقابة والاعلام فللأسف عدم استغلالنا لها جعلها سوداوية مرة أخرى، وأعتقد أن فكرة التطبيع أصبحت طوقا يخشى الجميع أن يحطمه، وإذا كانت الانتفاضة انتهت، إلا أن العدوان لم ولن ينتهي وصمود الشعب الفلسطيني أيضا لم ولن ينتهي، والتجاوزات والانتهاكات الاسرائيلية تعدت كل الحدود وأصبح الآن متماديا في جرائمه التي تطورت إلى الابادة والتطهيرالعرقي والتهجير والترحيل وإخفاء ملامح الشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية.
ويحضرني هنا لقاء قديم لوزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني في أحدى البرامج التلفزيونية عندما أكد أن التطبيع سياسي فقط وليس ثقافيا، وقال: نحن لا نستطيع أن نمنع أحدا من دخول اسرائيل والغناء بها واحياء الحفلات هناك ولكن أيضا لا نستطيع أن نمنع الشعب من أن ينبذه ويكرهه.
وهذا الكلام الجريء الواضح كان قراءة جميلة لمشاعر الشعب المصري خاصة والعربي عامة في دعوته ضد التطبيع. وخرجت علينا اغان كثيرة مهمة لم نسمع بها للتعتيم الاعلامي اهمها اشعار الشاعر جمال بخيت وغناء المطرب علي الحجار في أغنية «فلسطيني» عندما قال:
أنا شاعر لكن قدري أغني بارود.. يا عشاق البراح إمتى يكون لي حدود
وإمتى الفجر يا أمة وأحس براحة الضمة يا استشهد يا اتسمي في ليلة بدر حطيني.. فلسطيني.
وأغنية «لم الشمل» التي قال فيها :
لم الشمل بلاش تفكيكا ياللي بتلعب بالبوليتيكا.. عايز تاكل كل من قمحك عايز تعزف اعزف سيكا.. أرضك واحدة وربك واحد لا تروح روسيا ولا أمريكا.. وأفهم بقى ربي يخليكا..
والآن مع التطور التكنولوجي الاعلامي ووجود وسائل التواصل الاجتماعي والتي أصبحت أقوى من أي وسائل اعلامية أو محطات فضائية فالفرصة سانحة لاحياء هذه المشاعر حتى لا تميع وتضيع القضية ونفقدها كما فقدنا كثيرا من نضالنا وكفاحنا، أعتقد أن الفرصة دوما سانحة لأن نلم الشمل ونعلن بأعلى صوت أننا نحب فلسطين ونكره اسرائيل..
Omarfawzi3041966@gmail.com