في عالم يتغير بسرعة مذهلة ، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية والفرص الضائعة ، يأتي الحديث عن الإصلاحات الضريبية كعلاج سحري يترقبه الجميع. لكن هل فعلا تكون الإصلاحات الضريبية هي مفتاح الخلاص أم أن الطريق المظلم الذي نسلكه سيظل ممتدا مهما غُلفت السياسات الجديدة بغلاف من الأمل؟
النظام الضريبي في العديد من الدول وخصوصا في العالم النامي ، يظل أحد أكثر العوامل التي تعرقل نمو الصناعات المحلية وتُحد من قدرة الشركات على التوسع. الإصلاحات التي يتم الإعلان عنها بين الفينة والأخرى لا تقتصر على تخفيض الضرائب بل تذهب إلى ما هو أبعد في محاولة لتحسين الإجراءات وتقديم مزيد من التسهيلات. لكن المشكلة تبقى: كيف يمكن أن تحدث هذه الإصلاحات تغييرا حقيقيا في بيئة الأعمال إذا لم تتغير العقلية التي تدير النظام؟
من الطبيعي أن يتطلع المستثمرون وأصحاب الأعمال إلى بيئة ضريبية واضحة ومستقرة حيث يمكنهم أن يتوقعوا ما عليهم دفعه دون المفاجآت المزعجة التي تظل تلاحقهم في كل خطوة. ولكن ما يغيب عن النقاشات العميقة حول هذه الإصلاحات هو الدور الذي تلعبه البيروقراطية المتشابكة والإجراءات المعقدة التي تستنزف الوقت والموارد. الإصلاحات التي تروج لها الحكومات في العديد من الأحيان تتعلق بالكلام عن الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص ، بينما في الواقع يظل القطاع الخاص حبيسا لعقبات غير مرئية ولكنها فعالة في تعطيل أي تقدم ملموس.
إذا كان الحديث يدور عن ضمان “اليقين الضريبي”، فإن السؤال الأهم هنا هو: هل بالفعل نملك القدرة على خلق هذا اليقين في ضوء التغيرات المستمرة في السياسات الحكومية؟ أن يكون لديك خطة ضريبية واضحة لا يعني بالضرورة أن هذه الخطة ستكون مستدامة. الحكومة قد تعد بتوفير بيئة مستقرة للمستثمرين ولكن كيف يمكن ضمان أن هذه الاستقرار سيتحقق في ظل التغيرات الدائمة في سياسات العمل، وغياب التكامل بين مختلف الجهات المعنية؟
ومن هنا تبرز أهمية التحول الرقمي في معالجة هذه التحديات. من السهل القول إن التحول الرقمي هو الحل لكل المشاكل، لكن في الواقع هذا التحول يتطلب بنية تحتية تقنية متطورة بالإضافة إلى تدريب حقيقي للعاملين في النظام الضريبي. فقط عند تحقيق هذا التكامل بين الرقمنة والكفاءة البشرية ، يمكن أن نبدأ في رؤية نتائج إيجابية.
التحدي الأكبر في الإصلاح الضريبي ليس في توفير حوافز ضريبية أو تخفيضات ، بل في ضمان الشفافية في توزيع هذه الحوافز. لا يجب أن تكون الإصلاحات الضريبية مجرد وسيلة لتعزيز بعض القطاعات على حساب غيرها، بل يجب أن تكون أداة لتحقيق العدالة الاقتصادية. الإصلاح الضريبي الحقيقي يتطلب رؤية شاملة للنظام ككل ، حيث يجب أن يتماشى مع سياسات أكبر في مجال التحول الاقتصادي وتحقيق النمو المستدام ، وخلق بيئة تشجع على الابتكار.
وفي السياق ذاته لا يمكن تجاهل الدور المهم للتعليم والتوعية فيما يتعلق بالإصلاحات الضريبية. إن تبسيط الإجراءات الضريبية لا يعني فقط تقليل الورق وتعقيد المعاملات ، بل يعني أيضا تحسين مستوى الفهم لدى المصنعين والمستثمرين حول كيفية عمل النظام الضريبي الجديد. وهذا يتطلب حملة توعية حقيقية تتجاوز مجرد الكلمات الملقاة في المؤتمرات الرسمية، لتصل إلى كل زاوية في القطاع الصناعي.
إصلاحات ضريبية دون استراتيجية تنفيذ حقيقية هي مجرد حبر على ورق. قد تكون الحكومة قد أخذت خطوة نحو تحسين المناخ الاستثماري ، ولكن ما لم تُترجم هذه الإصلاحات إلى واقع ملموس ستظل هذه الخطوات مجرد محاولات للإبحار في بحر عميق مليء بالعواصف. فالإصلاحات الضريبية بحاجة إلى أن تكون جزءا من رؤية اقتصادية أوسع رؤية تمتد لتحقق التنمية المستدامة وتحفز الابتكار لا أن تبقى مجرد تعديل لخطوط الأفق الضريبي.