تُشكل الزيادة السكانية بحجمها الحالي ضغطا هائلا على الميزانية العامة للدولة والتي ستتجه رغما عنها لتلبية احتياجات وخدمات المواطنين بدلا من إنشاء المزيد من المشروعات الاقتصادية والتنموية التي توفر حياة كريمة للمواطنين، وتحسن بدروها من مناخ الاستثمار وتسهم في تحقيق تقدم الدولة المصرية ووضعها في مصاف الدول المتقدمة.
ورغم الجهود المصرية المخلصة التي قدمتها الدولة لحل ومعالجة قضية الزيادة السكانية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إلا أنها ما زالت جهودا عاجزة عن مواجهة هذه الزيادة السكانية الهائلة وتفتقر إلى وضع سياسات شاملة وخططا صارمة يتم تطبيقها بحزم وتؤدى إلى خفض معدل الزيادة السكانية بما يتناسب مع موارد الدولة وجهود تحقيق خطط التنمية المستدامة.
يُمكن تعريف المشكلة السكانية علميا بأنها اختلال التوازن بين عدد السكان من ناحية، وحجم الموارد الطبيعية والرأسمالية والمعرفة الفنية من ناحية أخرى ، فالسكان كما يُنظر إليهم كقوة إنتاجية ووسيلة لاستغلال الموارد، كذلك هم أيضاً قوة استهلاكية تُمثل ضغطاً على الموارد المتاحة ، ومن ثَمَّ يؤدي عدم التوازن بين السكان وحجم الموارد إلى وجود ما يعرف بـ “المشكلة السكانية”.
تُشير الساعة السكانية التابعة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد سكان مصر بلغ فى 12 سبتمبر 2022 نحو 103 ملايين و908 ألف و 590 نسمة.
وهنا تجدر الإشارة إلى إجمالي أعداد السكان بالتعدادات المختلفة حتى يتسنى لنا الوقوف على حجم الزيادة المطردة فى الأعداد خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ عدد السكان وفقا لتعداد عام 2006 نحو 72.6 ، والتعداد الذى يليه فى عام 2017 بلغ عدد السكان نحو 94.8 مليون نسمة، أى بزيادة تُقدر بنحو 22 مليون نسمة فى 11 سنة فقط (متوسط 2 مليون سنويا)، بينما كان عدد السكان فى تعداد 1986 نحو 48.2 مليون نسمة، ووصل فى التعداد الذى يليه فى عام 1996 نحو 59.31 مليون نسمة، أى بزيادة حوالي 11 مليون نسمة فى 10 سنوات (متوسط مليون سنويا).
وبالرجوع إلى تعداد 1927، بلغ عدد السكان نحو 14.18 مليون نسمة، والتعداد الذى يليه فى عام 1937 بلغ العدد نحو 15.92،أى بزيادة 1.74 مليون نسمة فقط فى 10 سنوات.
وهكذا فقد شهد عدد السكان تطورا كبيرا وتضاعف خلال سنوات قليلة لتصبح مصر الدولة الأكثر سكانا في العالم العربي وثالث أكثر الدول اكتظاظا بالسكان في إفريقيا (بعد نيجيريا وإثيوبيا)، والدولة رقم 14 على مستوى دول العالم من حيث عدد السكان.
كما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد سكان مصر سيصل في عام 2030 إلى قرابة 120 مليون نسمة، مما يجعلها مساوية لعدد سكان 15 دولة أوروبية ذات كثافة سكانية ضعيفة أو متوسطة. فيما تُشير الدراسات إلى أنه بحلول عام 2050 من المتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى 153.4 مليون نسمة، ثم يتوالى الارتفاع ليصل عدد السكان بنهاية القرن الحادي والعشرين إلى 198.7 مليون نسمة أو ما يعادل أكثر من ضعف سكان مصر عام 2015.
وفقا لتقديرات السكان في 1 يناير 2022، بلغ عدد الأسر المصرية 25.5 مليون أسرة، 55.3% من إجمالي عدد الأسر يقيمون بالريف ( 14.1 مليون أسرة)، 44.7% من إجمالي عدد الأسر يقيمون بالحضر (11.4 مليون أسرة)
تُعد المشكلة السكانية من القضايا المعقدة بالغة التشعب من ناحية الأسباب والتداعيات ، خاصة وأنه كلا من الأسباب والتداعيات تؤدى كل منهما إلى الأخرى ، ولكن يمكن تحديد أسباب مشكلة الزيادة السكانية في الآتي :
1- الزيادة الطبيعية (ارتفاع عدد المواليد وانخفاض أعداد الوفيات):
بلغ عدد الزيادة الطبيعية فى مصر نحو 1.571 مليون فرد عام 2020 مقابل 1.734 مليون فرد عام 2019 بنسبة انخفاض 9.4%. وعلى الرغم من انخفاض معدل الزيادة الطبيعية والذى وصل إلى 15.6 فى الألف لإجمالي الجمهورية عام 2020 بعدما كان 24.9فى الألف عام 2012 و23.3 فى الألف عام 2015
إلا أن هذا المعدل يعتبر مرتفعا قياسا بالمعدل العالمي للزيادة الطبيعية والذى بلغ 10.37% وفقا للبنك الدولي. سجلت محافظات (مطروح – سوهاج – أسيوط -المنيا -قنا) والتى تعتبر الأعلى فى معدلات الفقر على مستوى الجمهورية، ارتفاعا بمعدلات الزيادة الطبيعية مقارنة بالمحافظات الأخرى، وقد بلغ المعدل بهذه المحافظات (40.2 – 22.7 – 22.2 – 21.8 – 20.3 ) لكل 1000 من السكان على الترتيب على عكس محافظة بورسعيد التى جاءت فى المرتبة الأخيرة حيث بلغ المعدل 8 فى الألف لنفس العام.
ومن الملاحظ أنه خلال القرن الماضي اتجه متوسط الزيادة السنوية إلى الارتفاع عبر الزمن، فقد أضافت مصر إلى سكانها 3.6 ملايين نسمة بين عامي 1920 و1940، ثم 9.3 ملايين نسمة بين عامى 1940 و1960، ثم 16.7 مليون نسمة بين عامى 1960 و1980، ثم 25.5 مليون نسمة بين عامى 1980 و2000، ثم 33.5 مليون نسمة بين عامى 2000 و2020.
وبحسب بيانات الجهاز المركزى للإحصاء، بلغ عدد المواليد 2.235 مليون مولود عام 2020 مقابل 2.305 مليون مولود عام 2019 بنسبة انخفاض 3%، وبلغ معدل المواليد 22.2 فى الألف عام 2020 مقابل 23.3 فى الألف عام 2019 بنسبة انخفاض 1.1 فى الألف.وهذه الزيادة الهائلة فى أعداد المواليد تُعيق إمكانيات وقدرات أى دولة فى العالم. وبلغ عدد مواليد الحضر 1.143 مليون مولود بينما بلغ عدد مواليد الريف 1.092 مليون مولود عام 2020.
وجاءت محافظة القاهرة فى المرتبة الأولى حيث بلغ عدد المواليد بها 199 ألف مولودا عام 2020، بينما جاءت محافظة جنوب سيناء فى المرتبة الأخيرة حيث بلغ عدد المواليد بها 2977 مولودا. وبلغ عدد المواليد الذكور 1.143 مليون مولود، والإناث 1.092 مليون مولود، بلغت نسبة النوع عند الميلاد 105 ذكرا لكل 100 أنثى خلال عام 2020. بلغ عدد الوفيات 665 ألف عام 2020 مقابل 571 ألف عام 2019 بنسبة ارتفاع قدرها 16.5%. وبلغ معدل الوفيات الخام 6.6 فى الألف عام 2020 مقابل 5.8 فى الألف عام 2019 بنسبة ارتفاع 0.8 فى الألف.وسجلت الوفيات فى الفئات العمرية (1-4)، (5-14) أقل نسب للوفيات حيث بلغت فى هذه الوفيات 1.4%ـ، 1.3% على الترتيب من إجمالى الوفيات.
2- زيادة متوسط العمر المتوقع
ساهم ارتفاع معدلات البقاء على قيد الحياة فى تفاقم مشكلة السكان، حيث إن توقع البقاء على قيد الحياة وصل إلى 75.9 للإناث و 73.4 للذكور عام 2020 مقابل 73.3 للإناث و70.5 للذكور عام 2016، فى حين كان 71.7 للإناث و 69.0 للذكور عام 2012
3-التركيبة السكانية:
تتسم التركيبة السكانية فى مصر بارتفاع معدلات الخصوبة حيث أشار المسح السكاني الصحي لمصر 2014 إلى ارتفاع المعدل الإجمالي للخصوبة (متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في المرحلة العمرية بين 15 و49 عاماً) من 3 أطفال لكل إمرأة فى عام 2008 إلى 3.5 طفل لكل إمرأة فى عام 2014 ، الأمر الذى أدى بدوره إلى ارتفاع نسبة السكان في الفئات العمرية أقل من 15 عاماً حيث بلغت نسبتهم نحو 34.3% من إجمالي التركيب العمري لأفراد الأسر. والحقيقة هنا تتمثل فى أن الخطر من الزيادة السكانية لا يقتصر فقط على حجمها بل في التركيبة العمرية لهذه الزيادة، فعندما يكون هناك أكثر من 36 مليون نسمة من السكان أقل من 15 سنة أى قرابة ثلث سكان مصر، فإن هذا يؤدي إلى اتساع قاعدة الهرم السكاني وإلى ارتفاع معدلات الإعالة العمرية مما يشكل بدوره عبئا كبيرا على الأسر وعلى الدولة في توفير احتياجاتهم من التعليم والصحة والغذاء وغيرها من الاحتياجات الضرورية، ويعتبر عائقا أمام تحقيق النمو الاقتصادي. 4
-الزواج المبكر:
يُسهم فى تفاقم حجم المشكلة السكانية، فعادة ما ترتبط معدلات الزواج المبكر بنسبة مواليد مرتفعة حيث إن معظم النساء المتزوجات فى مصر يلدن الطفل الأول خلال العام والنصف الأول من الزواج ، كما سيؤدى الزواج المبكر إلى زيادة فترة الخصوبة لدى النساء .
وقد كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى تقريره حول التعداد الأخير للسكان لعام 2017 أن جملة زواج القاصرات (دون سن 18 عاما) فى مصر ارتفعت لتصل إلى 118 ألف حالة زواج سنويا بما يعادل نحو 40% من إجمالى حالات الزواج، مشيرا إلى أن أرقام الحالات الزواجية للفئة العمرية أقل من 15 عاما من الذكور والإناث معا خلال عام واحد بلغت كالتالى 5999 حالة زواجية: 1541 حالة زواجية للذكور، و 4458 حالة زواجية للإناث.
كما تشير بيانات تعداد 2017 إلى نسبة تصل إلى 27.4٪ من النساء المتزوجات ( أكثر من ربع السيدات فى مصر) تزوجن قبل سن 18:20 سنة، وأن من تزوجن في هذه المرحلة العمرية لديهن في المتوسط طفل أكثر من عدد الأطفال المنجبين لمن تزوجن في أعمار أكبر.
5- الهـجــرة :
تسبب العدد الهائل من المهاجرين واللاجئين والذى يقدر بنحو 19 ملايين في زيادة الطلب على الخدمات والبضائع ، والمنافسة الكبيرة مع المصريين للحصول على فرص العمل علاوة على زيادة الطلب على الوحدات السكنية والضغط على المرافق والبنية التحتية .
هذا فضلا عن أن الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن بحثا عن فرص العمل والسكن الملائم تسببت في إحداث كثافة سكانية في المدن الحضرية وضغطا هائلا على كافة الخدمات.
5-تطور الخدمات الطبية:
أدى تطور الخدمات الطبية إلى علاج الكثير من الأمراض التي كانت تودى بحياة الملايين من المرضى وبالتالي انخفضت معدلات الوفيات فى ظل ارتفاع معدل المواليد كما أشرنا سابقا.
هذا وقد أشار تقرير التنمية المستدامة لعام 2022 إلى أنه تم تحقيق معدلات تحسن مُعتدل بعدد من المؤشرات كمؤشر مدة الحياة المتوقعة عند الولادة، ومعدل الوفاة المعياري بسبب عدد من الأمراض المزمنة، ومن المتوقع مزيد من التحسن بهذه المعدلات بعد تطبيق عدد من المبادرات الصحية التي تقوم بها الدولة، كمبادرة 100 مليون صحة للقضاء على فيروس سي والكشف المبكر عن الإصابة بعدد من الأمراض غير السارية لدى الكبار، فضلا عن عدد من المبادرات الرئاسية لصحة المرأة والطفل.
6-الموروثات الاجتماعية:
على الرغم من التطور الفكري والثقافي الذى شهده المجتمع المصري على مدى عقود طويلة، إلا أنه مازالت تتحكم به أفكار ومعتقدات – خاصة فى ريف مصر وصعيدها – تؤكد على أهمية الأسرة التي يزداد عدد أبنائها باعتبارهم ” العزوة والسند ” والنظر إلى الأسر الصغيرة على أنها أسر ضعيفة، كما تتعلق هذه المعتقدات أيضا بأن الأسر الكبيرة يمكنها تشغيل أبنائها في عمر مبكر وهو ما يمثل لهذه الأسر قوة اقتصادية حالية ومستقبلية.
وقد قامت بعض الدراسات بقياس الآراء حول بعض القضايا المتعلقة بتنظيم الأسرة، وتوصلت إلى أن نسبة 20% ممن شاركوا فى الاستبيانات يعتقدون بأن استخدام وسائل منع الحمل يتنافى مع المعتقدات الدينية، وكشفت عن أن المشكلة الرئيسية التى تواجهها الدولة تتمثل فى أن عدد الأطفال الذى يرغب المواطنون فى إنجابه مرتفع نسبيا.
7-التغيرات السياسية:
شهدت الدولة المصرية منذ عام 2011 تغييرات سياسية هائلة كان لها تداعيات كبيرة على خطط التنمية وضبط النمو السكانى حيث توجهت أولويات الدولة فى تلك الفترة إلى تحقيق الانضباط الأمنى والحفاظ على الأمن الغذائى للمواطنين ، وبسبب هذه الأوضاع غير المستقرة تحول النمو السكانى إلى الارتفاع مرة أخرى وبمعدلات متسارعة بسبب عدم انتظام خدمات تنظيم الأسرة بعد أحداث 2011 وانخفاض جودة الخدمات المقدمة مع غياب البيانات المُحدثة وبرامج بناء القدرات وآليات الرصد والتقييم.
تُعد مشكلة الزيادة السكانية أبرز المعوقات أمام تحقيق خطط التنمية ، خاصة أن التوقعات الدولية فى هذا الشأن تؤكد حدوث كارثة سكانية فى حال استمرار معدل التزايد السكانى بشكله الحالى ، ويُمكن إجمال أبرز تداعيات المشكلة السكانية كما يلي:
تدنى الخصائص السكانية : في ضوء نتائج التعداد السكاني لعام 2017 يتضح أن الهرم السكاني لمصر شهد تغييرا كبيرا ما بين تعدادي 2006 و2017، حيث اتسعت قاعدة الهرم لتدل على زيادة نسبية في التركيبة العمرية لصالح الشريحة الأصغر عمرًا، ففي حين كانت نسبة السكان أقل من 5 سنوات في تعداد 2006 نحو 10.6%، ارتفعت النسبة إلى 13.6 % في 2017، وحدث ذلك أيضًا في الفئة العمرية التالية، وهو مؤشر على اتجاه مؤشرات الإنجاب إلى الارتفاع
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الارتفاع في معدلات الإنجاب، والذي بدأ منذ عام 2006 سيستمر تأثيره لمدد طويلة؛ حيث إن مواليد الفترة من 2006 إلى 2016 سيستمر تأثيرهم لعقود قادمة، سواء من الناحية الديموجرافية عندما يصلون إلى عمر الإنجاب ويسهمون في إحداث موجة أخرى من الزيادة السكانية، أو من الناحية الاقتصادية عندما يصلون إلى عمر العمل ويشكلون ضغطًا على سوق العمل ، كذلك فإن هذه الزيادة الكبيرة كان من شأنها التأثير بشكل مباشر على تدنى الخصائص السكانية والتي تشمل :
أ – التعليم :تقف الزيادة السكانية حجر عثر أمام إصلاح المنظومة التعليمية إذ أن جودة الخدمة التعليمية تعتمد بشكل أساسي على عدد الطلاب ، وبالطبع كلما زاد عدد الطلاب انخفضت جودة الخدمة التعليمية المقدمة.
وتشير بيانات تعداد السكان الأخير 2017 إلى أن معدل الأمية بلغ 25.8٪ (21.2٪ للذكور، و30.8٪ للإناث)، وتصدرت محافظات الصعيد النسب الأكبر فى الأمية حيث بلغت 37.2% فى محافظة المنيا، وتليها بنى سويف بنسبة 35.9%، تليها أسيوط بنسبة 34.6%، وسوهاج بنسبة 33.6%.
هذا إلى جانب أن نسبة التسرب وعدم الالتحاق بالتعليم وصلت لـ34% بمحافظات الجمهورية وفقا لتعداد 2017، حيث إن أعداد السكان الذين تسربوا من التعليم بلغت 6.143.787 بنسبة 7.3%، وأعداد من لم يلتحقوا بالتعليم وصلت 22.642.259 بنسبة 26.8%.
كما أن الزيادة السكانية فاقمت من كثافة الفصول المدرسية بالمراحل التعليمية المختلفة، والتي وصلت عام 2021 إلى ما يقرب من 52 طالبا بالفصل فى المرحلة الإبتدائية، و48 طالبا فى المرحلة الإعدادية، 49 فى الثانوي الزراعي، و48 فى الثانوي التجاري. كما ارتفع متوسط نصيب المدرس من التلاميذ ووصل لـ 30 تلميذ/مدرس فى المرحلة الإبتدائية،
ب – الصحة :فى حالة استمرار الزيادة السكانية بوضعها الحالى فإن هذا سوف يؤدى إلى عديد من الآثار السلبية على مستوى جودة الخدمات الصحية المقدمة ، فهذه الزيادة سوف تؤدى الى ارتفاع الطلب على الخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوفير عدد أكبر من الكوادر الطبية كالأطباء وأطقم التمريض والمستشفيات وعدد الأسرة والأجهزة والمعدات الطبية ، وجميعها معطيات تشكل ضغطا على الميزانية العامة للدولة والموجهة للقطاع الصحى بشكل خاص. وتجدر الإشارة إلى أن معدّل الأطباء يبلغ 2.8 لكل 1000 نسمة في مصر ويصل معدّل التمريض 2.3 لكل 1000 نسمة، ومعدّل أسرّة المستشفيات 1.3 لكل 1000 نسمة في حين يصل المتوسط العالمي إلى 2.9 سرير/1000 نسمة، وهي مؤشرات تعكس ضعف أداء القطاع الصحي فى مواجهة الزيادة السكانية الهائلة.
ج – البطالة (المشاركة فى قوة العمل ) : تشكل الزيادة السكانية ضغطا كبيرا على فرص العمل المتاحة وسوق العمل ، وعلى مدار عقود مضت عانت الدولة المصرية من زيادة معدلات البطالة حيث بلغت نسبة البطالة 12.8٪ عام 2015، وانخفضت إلى 9.9% عام 2018، ثم وصلت إلى 7.4% عام 2021 (5.6% للذكور، و16% للإناث) أى أن البطالة بين الإناث تصل إلى ما يقرب من ثلاث أضعاف البطالة بين الذكور. د- التوزيع غير المتكافىء للسكان : تزيد مساحة مصر الكلية على مليون كم2 ، ولكن أغلب السكان مازالوا يتركزون على مساحة تمثل من 7: 8% من إجمالى مساحة الأراضى المصرية وهى المنطقة المحيطة بوادى النيل والدلتا فلا زالت محافظة القاهرة تتصدر الكثافة السكانية بواقع 9.9% من جملة السكان حيث سجلت محافظة القاهرة فى 5 سبتمبر 2022 أعلى محافظة فى عدد السكان الذى بلغ نحو 10 ملايين و 163 ألف و537 نسمة، تليها محافظة الجيزة والتي ارتفعت نسبة سكانها إلى 9.1% من إجمالي سكان الجمهورية بنحو 9 ملايين، 409 ألف و181 نسمة، وكذلك محافظة الشرقية التي ارتفعت نسبة سكانها إلى 7.5% بواقع 7 ملايين، 822 ألف و247 نسمة.
ذلك فى حين تأتي محافظة جنوب سيناء بأقل عدد للسكان بنحو 113 ألف و619 نسمة وهو ما يُشكل نسبة 0.1% من إجمالي سكان الجمهورية، ومحافظة شمال سيناء 450 ألف و528 نسمة، والتى تشكل 0.5% من إجمالى عدد السكان، على الرغم من المساحة الشاسعة للمحافظتين حيث يشكلان نسبة 6% من إجمالي مساحة مصر، وهو ما يعكس بدوره سوء التوزيع الجغرافى للسكان. وعلى الرغم من اهتمام الدولة المصرية بإقامة مجتمعات عمرانية جديدة تحدث خلخلة سكانية إلا أن هذه المجتمعات لم تحقق أهدافها السكانية المنشودة، ومازالت الكثافة السكانية فى مصر مركزة فى مناطق محددة وبمعدلات مرتفعة فى تراكم رأسى يحتاج إلى خططا أكبر لتحقيق توزيع أفقى للسكان يخفض من حجم الكثافة السكانية .
ارتفاع معدلات الفقر : هناك علاقة طردية بين حجم السكان وزيادة معدلات الفقر ، فكلما زاد عدد السكان كلما انخفض نصيب الفرد من الدخل والخدمات والقدرة على الالتحاق بالعمل المناسب، وتشير الإحصاءات إلى أن مستويات الفقر ارتفعت من 16.7٪ عام 1999/2000 إلى 25.2٪ عام 2010/2011، ثم إلى 27.8٪ عام 2015، ويصل إلى 32.5٪ عام 2019، ثم انخفضت فى عام 2020 لتصل إلى 29.7%،كذلك فإن العلاقة قوية بين الفقر وحجم الأسرة، فكلما زاد حجم الأسرة زاد الفقر فنجد أن 80.6% من الأفراد الذين يعيشون في أسر بها 10أفراد أو أكثر هم من الفقراء، 48.1% للأفراد الذين يقيمون في أسر بها 6-7 أفراد فقراء، مقارنة ب 7.5% بالأسر التي بها أقل من 4 أفراد. كذلك أشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن مؤشرات الفقر تتناقص كلما ارتفع مستوى التعليم، وبلغت نسبة الفقراء بين الأميين 35.6% مقابل 9.4% لمن حصل على شهادة جامعية في (2019/2020). وسجلت نسبة الفقراء بين حاملي الشهادات فوق المتوسط 15.2%، وبلغت النسبة بين من حصلوا على شهادة ثانوية 17.4%، وبين الحاصلين على شهادة تعليم أساسي 33.1% في(2019/2020).
تناقص الرقعة الزراعية : أسهمت الزيادة السكانية على مدى عقود مضت فى تقليص حجم الرقعة الزراعية فى مصر بسبب الزحف العمرانى على هذه الأراضى والتعديات عليها وبالتالى ضياع آلاف من أجود الفدادين التى كانت تحقق متطلبات الأمن الغذائى ، وتقليصها أدى بدوره إلى زيادة حجم الواردات من السلع الإستراتيجية خاصة القمح الذى يكلف ميزانية الدولة مليارات الدولارات فى كل عام ، كما أن إعادة استصلاح هذه الأراضى مرة أخرى يتم بتكلفة باهظة تمثل ضغطا على الميزانية العامة للدولة .
وإذا ما وضعنا الاعتبارات السابقة مع التغيرات المناخية المتلاحقة وتأثيرها على المحاصيل الزراعية والهجرة الداخلية لسكان الريف إلى المدن لوجدنا الأمر يعد كارثيا على وضع الأراضى الزراعية وتوافر المحاصيل الاستراتيجية بشكل خاص، لاسيما وأن نصيب الفرد من الأرض الزراعية تناقص ووصل إلى 2 قيراط مقابل فدان لكل فرد في فترات زمنية سابقة.
ووفقا لدراسة بعنوان “التمدد العمراني على الأراضي الزراعية” تم نشرها بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي عام 2020، بلغ حجم التعديات على الأراضي الزراعية على مستوى الدولة نحو 84939 فدان وذلك خلال الفترة من 25/1/2011 م وحتى 18/11/2018 م، وتنقسم عمليات التعدي إلى ثلاثة أقسام ( التبوير ، التجريف ، البناء ) وتمثل هذه نحو ( 35.5% ، 7.70% ، 57.80% ) على الترتيب من المساحة الإجمالية المتعدى عليها.
وبحسب الدراسة، تعتبر الزيادة السكانية من أهم الأسباب التي تؤدى إلى زيادة التعديات حيث ارتفعت الكثافة السكانية على الأرض الزراعية من نحو 10.4 فرد للفدان عام 2006 إلى نحو 15.4 فرد للفدان عام 2017 ، وانخفض نصيب الفرد من المساحة الزراعية من نحو 0.14 فدان عام 2006 إلى نحو 0.09 فدان عام 2017 ومن المساحة المحصولية انخفض من نحو 0.26 فدان عام 2006 إلى نحو 0.09 فدان عام 2017 م.
وفى حين أن معدل النمو في المساحة المزروعة قُدر بنحو 0.8% وفقا لما ذكرته الدراسة، فإنه لا يتناسب مع معدل النمو السكاني الذى بلغ 2.56% كما أشارت الدراسة سابقا.
تناقص الموارد المائية : يمثل نهر النيل المورد الرئيسى للمياه فى مصر فهو يشكل 97% من حجم الموارد المائية كما أن حصة مصر من المياه ثابتة وتبلغ 55,5 مليار متر مكعب..ومع الزيادة الهائلة فى أعداد السكان، تناقص نصيب الفرد من المياه من نحو 2000 متر مكعب للفرد سنويا عام 1959 إلى نحو 630 متر مكعب للفرد سنويا عام 2015.
وبحسب تقرير التنمية البشرية في مصر لعام 2021 ، بلغ نصيب الفرد من المياه عام 2018 نحو 585 مترا مكعبا سنويا، وهو ما يمثل تقريبا نصف خط الفقر المائي العالمي الذى يُقدر بـ 1000 متر مكعب من المياه سنوياً للفرد. ويتوقع بحلول عام 2025 أن يقل نصيب الفرد ليصل إلى 496 مترا مكعبا سنويا. كما أنه من المتوقع بحلول عام 2030 أن يصل إلى 444 مترا مكعبا سنويا للفرد، وفي عام 2037 يتوقع أن يصل إلى 387 مترا مكعبا سنويا، وبحلول عام 2050 من المتوقع أن يصل إلى 303 أمتار مكعبة، وفي حال الوصول إلى هذا سيقدر نصيب الفرد من المياه في مصر بما يعادل ثلث خط الفقر المائي العالمي.
5- انتشار العشوائيات:
وفقا للتصريحات الرسمية، كان هناك نحو 14 مليون نسمة يعيشون بالمناطق العشوائية على مستوى الجمهورية قبل عام 2014، وهذا الرقم وصل في بعض الدراسات إلى 20 مليون نسمة ، منهم 1.7 مليون نسمة يقطنون 357 منطقة غير آمنة (بدرجاتها المختلفة)، و12 مليونا يقطنون مساحة 152 ألف فدان، وهى المناطق العشوائية غير المخططة .
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ إجمالي مساحة المناطق العشوائية بالجمهورية عام 2016 نحو 160.8 ألف فدان تمثل 38.6% من الكتلة العمرانية لمدن الجمهورية (37.6% مناطق غير مخططة، 1% مناطق غير آمنة).
جهود الدولة المصرية لمواجهة الزيادة السكانية
تدرك القيادة السياسية المصرية خطورة القضية السكانية والتى أصبحت تمثل تحدياً متزايداً أمام خطط التنمية فى مصر وتداعياتها الخطيرة ، الأمر الذى جعل من هذه القضية أولوية فى عملية الإصلاح والبناء التى تقوم بها الدولة المصرية منذ عام 2014 لتحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة، حيث اتخذت العديد من الإجراءات والمبادرات والبرامج من أجل مواجهة هذه المشكلة ، ويمكن إجمال هذه الإجراءات فيما يلى :
1- الدستور المصرى (المادة 41) : ألزم الدستور المصرى الدولة بوضع برنامج قومى يُحدث توازنا بين الزيادة السكانية والموارد المتاحة ، فقد نصت المادة 41 من الدستور المصرى 2014 على أنه : “تلتزم الدولة بتنفيذ برنامج سكاني يهدف إلي تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار في الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، وذلك فى إطار تحقيق التنمية المستدامة”.
2- إطلاق الاستراتيجية القومية للسكان (215-2030) :وتهدف هذه الاستراتيجية إلى الارتقاء بنوعية حياة المواطن من خلال: خفض معدلات الزيادة السكانية لإحداث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادي والسكاني، وإعادة رسم الخريطة السكانية في مصر عبر إعادة توزيع السكان، وتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق تقليل التباينات في المؤشرات التنموية بين المناطق الجغرافية ، فضلا عن عدد من الأهداف الكمية جاء فى مقدمتها خفض معدلات الإنجاب ليصل متوسط عدد الأطفال إلى 2.4 طفل بحلول عام 2030 مقارنة بحوالي 3.5 طفل حالياً. ويتطلب تحقيق هذا الخفض في معدلات الإنجاب الوصول بنسب السيدات اللائي يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة إلى 72% مقارنة بحوالي 59% حالياً.
وتسعى هذه الاستراتيجية إلى تحقيق أربعة أهداف هي :
– الارتقاء بنوعية حياة المواطن المصري، من خلال خفض معدلات الزيادة السكانية، لإحداث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات النمو السكاني. ويتم ذلك من خلال القنوات والأجهزة الصحية والاجتماعية والإعلامية والدينية، للتعريف بخدمات تنظيم الأسرة، وتشجيع الأسر على استخدام وسائل تنظيم الأسرة.
– استعادة ريادة مصر الإقليمية من خلال الارتقاء بالخصائص السكانية ، ويتطلب ذلك خفض معدلات الأمية وتحسين جودة التعليم والقضاء على عمالة الأطفال.
–إعادة توزيع السكان من خلال إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة والقضاء على العشوائيات.
–تحقيق العدالة الاجتماعية والسلام الاجتماعي، ويتضمن ذلك ربط خريطة التنمية بخريطة الفقر في مصر من أجل الوصول إلى توزيع للمشروعات يخدم محدودي الدخل، وإعطاء أولوية للمحافظات وللمناطق الفقيرة عند توزيع مشروعات البنية الأساسية التي يمكن أن ترفع معدلات التشغيل بما في ذلك تشغيل المرأة.
3– إطلاق الاستراتيجية القومية لتنمية الأسرة المصرية فى فبراير 2022:والتى تهدف للارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة بشكل عام من خلال ضبط معدلات النمو المتسارعة، والارتقاء بخصائص السكان (مستوى التعليم، الصحة، معدل الفقر، فرص العمل).
وترتكز الاستراتيجية على عدة محاور أبرزها المحور التشريعي لوضع إطار تنظيمي حاكم للسياسات المتخذة لضبط النمو السكاني، ومحور التمكين الاقتصادي للمرأة، والذي يتمثل في تدريب مليوني سيدة، وإقامة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر لحوالي مليون سيدة، وتنظيم زيارات منزلية من قبل وزارة الصحة لتلبية احتياجات النساء من وسائل تنظيم الأسرة، فضلًا عن توفير تدريب لرائدات ريفيات، والدفع بمزيد من الطبيبات لتوفير وسائل التنظيم، بالإضافة إلى تنظيم برامج توعوية للشباب المقبلين على الزواج، وإنشاء منظومة إلكترونية موحدة لميكنة وربط جميع الخدمات المقدمة للأسرة المصرية. ومن المقرر تنفيذ هذه الاستراتيجية على عدة مراحل فى جميع أنحاء الجمهورية على مدار 3 سنوات، على أن تشمل المرحلة الأولى عدد 1500 قرية من قرى مبادرة “حياة كريمة” تتواجد في 52 مركزبـ20 محافظة.
وفيما يتعلق بالفئات المستهدفة من الاستراتيجية، فإنها تستهدف السيدات من 18 حتى 40 سنة، طلبة الجامعات، تلاميذ المدارس، أطفال القرى والنجوع، تجمعات الريف، رجال الدين، الداعيات والراهبات.
4- مشروع “2 كفاية ” :قامت وزارة التضامن الاجتماعي بتدشين مشروع ” 2 كفاية ” بهدف تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة خاصة في المناطق الفقيرة والأكثر احتياجا.
تم إطلاق هذا المشروع بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان وتتضمن أنشطة المشروع حملات طرق الأبواب للسيدات في المحافظات الأعلى فى معدلات الخصوبة وهي البحيرة، الجيزة، الفيوم، بنى سويف، المنيا، قنا، سوهاج، أسيوط، الأقصر، أسوان، بالإضافة إلى حي الأسمرات ، والتوسع فى إقامة عيادات تنظيم الأسرة وعيادات الجمعيات الأهلية المشاركة فى المشروع ، فضلا عن تقديم النصائح والمشورة ورفع وعى السيدات لتغيير القيم الإنجابية الخاطئة .
وعقد المشروع شراكة مع 108 جمعية أهلية بعدد 2257 قرية/ حي بالمحافظات المستهدفة، ويقوم بالتثقيف المجتمعي 1,246 متطوعة تم تدريبهن للعمل كمثقفات مجتمعيات ، وكذلك تجهيز 65 عيادة “2 كفاية” بالإضافة إلى تدريب الأطباء والتمريض العاملين، وإمداد تلك العيادات بوسائل تنظيم الأسرة التي قامت وزارة الصحة والسكان بتوفيرها بالمجان.
وبالفعل وصل عدد المترددات علي عيادات تنظيم الأسرة بالجمعيات الأهلية الشريكة إلى 251 ألف سيدة، كما وصل إجمالي السيدات المستخدمات لوسائل تنظيم الأسرة إلى حوالي 195 ألف سيدة من إجمالي المترددات، أي 78% من عدد المترددات.
وفيما يتعلق بنتائج حملات طرق الأبواب التي تعمل علي زيادة الطلب على وسائل تنظيم الأسرة عن طريق تصحيح المفاهيم الصحية والمجتمعية والدينية الخاطئة حول تنظيم الأسرة وتعزيز مفهوم الأسرة الصغيرة، فقد تم تنفيذ العديد من ورش العمل وإعداد وطباعة وتوزيع عدد 2.500 نسخة من “دليل المثقفة المجتمعية” والذى يتضمن أهم الرسائل لتصحيح المفاهيم ، وقد بلغت عدد زيارات طرق الأبواب 9.300 مليون زيارة، كما بلغ عدد زيارات السيدات المستهدفات إلي عيادات تنظيم الأسرة بوزارة الصحة وعيادات الجمعيات الأهلية الشريكة 1.751 زيارة تردد.
ونجح البرنامج في تعبئة 1.250 متطوعة للتعاون في التسويق المجتمعي لكافة القضايا الاجتماعية التي تقوم الوزارة بتسويقها ، وأثناء إيقاف حملات طرق الأبواب فى الربع الثاني من عام 2020 نظراً لجائحة كورونا، قد تم عمل 703 ألف مكالمة تليفونية للتوعية بتنظيم الأسرة وبطرق الوقاية من فيروس كورونا .
5– التوسع فى برامج الحماية الاجتماعية والتى كان آخرها إضافة مليون أسرة لبرنامج الدعم النقدي المشروط “تكافل وكرامة” الذى تم إطلاقه فى 2015، فضلا عن صرف مساعدات استثنائية لـ ٩ ملايين أسرة خلال ٦ شهور..حيث وجهت الدولة ما يزيد على 2 تريليون جنيه لبرامج الحماية الاجتماعية، خلال الثمانى سنوات السابقة (14/2015-21/2022)، وذلك بمعدل زيادة 95%، مقارنةً بالسنوات الثمانى التى سبقتها (06/2007- 13/2014).
وكان من أبرز ثمار برامج الحماية الاجتماعية انخفاض معدلات الفقر فى مصر منذ سنوات طويلة ، فقد أوضح الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن معدلات الفقر تراجعت فى مصر إلى 29.7% في العام 2019-2020 مقابل 32.5% في العام 2017-2018 ، ولأول مرة منذ 20 عامًا ، كذلك تراجعت نسبة الفقرالمدقع على مستوي الجمهورية إلي 4.5% عام 2019/ 2020 مقابل 6.2% عام2017 / 2018.
6– إتاحة مزيد من خدمات المرافق العامة للمواطنين: على الرغم من الزيادة الهائلة للسكان، وصلت نسبة الأسر المتصلة بالشبكة العامة للكهرباء 99.7% فى 2017، مقابل 99.07 فى 2006. ووصلت نسبة الأسر المتصلة بالشبكة العامة للمياه 96.97% فى 2017 مقابل 96.60%. ووصلت نسبة الأسر المتصلة بالشبكة العامة للصرف الصحي 55.89% مقابل 46.60% فى 2006.
7- زيادة الرقعة الزراعية: سعت الدولة إلى زيادة المساحة المنزرعة من خلال تنفيذ مشروعات تهدف إلى التوسع في استصلاح الأراضي، والتي كان أبرزها: مشروع المليون ونصف المليون فدان، ومشروع الدلتا الجديدة.
وتستهدف الدولة من خلال تلك المشروعات تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأمن الغذائي القومي بما يتناسب مع معدلات الزيادة السكانية، فبحسب تصريحات وزير الزراعة بلغ إجمالي مساحة الأراضي الزراعية الآن حوالى 9.4 مليون فدان، منها 6.1 مليون فدان من الأراضى القديمة، والباقى أراض جديدة ومستصلحة.
8– إعداد استراتيجية للموارد المائية حتى عام 2050 ، ووضع خطة قومية للموارد المائية حتى عام 2037 بتكلفة تصل إلى 50 مليار دولار والتي من المتوقع زيادتها إلى100 مليار دولار ، وترتكز على أربعة محاور رئيسية تتضمن: ترشيد استخدام الموارد المائية المتاحة ورفع كفاءة منظومة الري من خلال مشروعات تبطين الترع والتحول لنظم الري الحديثة، وتحسين نوعية المياه من خلال إنشاء محطات المعالجة الثنائية والثلاثية، وتوفير مصادر مائية إضافية مثل تحلية مياه البحر، وتهيئة المناخ للإدارة المثلى للمياه من خلال التطوير التشريعى والمؤسسى وزيادة وعى المواطنين بأهمية ترشيد المياه والحفاظ عليها من كافة أشكال الهدر والتلوث.
9- القضاء على المناطق العشوائية: أولت القيادة السياسية اهتماما كبيرا بالقضاء على المناطق العشوائية غير الآمنة، وتطوير المناطق غير المخططة بمختلف المحافظات، من خلال التوسع فى مشروعات الإسكان الاجتماعي، والتصدي بكل حسم لمخالفات البناء والتعدي على الأراضي، والتنوع الجغرافي في إقامة المشروعات القومية حيث قامت بتنفيذ المشروعات فى مختلف أنحاء الجمهورية، وعدم اقتصرها على المدن الكبرى.
هذا إلى جانب مشروع التطوير العمراني عواصم المحافظات الذي يُموله صندوق التنمية الحضارية ويستهدف معالجة مشكلة الطلب المتزايد على السكن.
10- إطلاق مبادرة “حياة كريمة” في عام ٢٠١٩ لتحسين مستوى الحياة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا وذلك على مستوى الدولة. وتعتمد المبادرة على تنفيذ مجموعة من الأنشطة الخدمية والتنموية التى من شأنها ضمان “حياة كريمة” لتلك الفئة وتحسين ظروف معيشتهم.
11- إطلاق مبادرة “سكن لكل المصريين” لتوفير وحدات سكنية للمواطنين من متوسطي الدخل، حيث تستهدف المبادرة إنشاء 3 ملايين وحدة سكنية للاستيعاب الطلب المتنامي على السكن فى ظل الزيادة السكانية المطردة.
مقترحات لمواجهة الزيادة السكانية
لا شك أن الزيادة السكانية تعد المشكلة الأخطر والأهم والأكثر تأثيرا على خطط التنمية الشاملة، وجهود الدولة لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة لن تؤتى ثمارها إذا لم تتزامن مع خطط واستراتيجيات جادة لخفض معدل الزيادة السكانية. وتقدم الدراسة مجموعة من المقترحات للحد من النمو السكاني كما يلي:
1- وضع استراتيجية عاجلة وموحدة قابلة للتطبيق لضبط معدلات النمو السكاني مع تفعيل آليات التقييم والمتابعة لهذه الاستراتيجية وإشراك كافة مؤسسات الدولة المعنية في تنفيذها ، والاهتمام بوضع ” خفض معدل الزيادة السكانية ” كهدف قومي تتعاون كافة أجهزة الدولة في تحقيقه.
2- وضع “الفرصة الديموجرافية” الحالية للهيكل السكاني في مصر في أولويات الاستراتيجية الموحدة لضبط النمو السكاني واستغلالها بالشكل الأمثل.
3- وتجدر الإشارة هنا إلى أن “الفرصة الديموجرافية” تعني حدوث انخفاض فى معدلات الإنجاب المرتفعة بشكل سريع وزيادة فى نسبة السكان فى الشريحة العمرية من 15 : 64 وهو ما يؤدى بدوره إلى خفض معدل الإعالة الديموجرافية مع زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلى وتحقيق مستوى معيشى أفضل. وتُشير نتائج التعدادات المتعاقبة والمسوح السكانية إلى أن مصر على أعتاب الفرصة الديموجرافية التى يمكن للدولة استغلالها بشكل جيد خاصة مع توافر الارادة السياسية وتعاون مصر مع الجهات الدولية.
وبالفعل تمكنت بعض الدول من استغلال هذه الفرصة فى إحداث معدلات نمو مرتفعة والاستفادة القصوى من خطط التنمية المستدامة مثل الصين على سبيل المثال .
4- إحداث عملية خلخلة سكانية واقعية وحقيقية لإنهاء تكدس السكان حول وادى النيل ودلتاه والانتقال إلى المدن والعواصم الجديدة التي أقامتها الدولة في الأعوام الأخيرة والتي وصلت إلى 30 مدينة جديدة بمساحة 580 ألف فدان ، وبإجمالي استثمارات 690 مليار جنيه.
5- وضع سياسة واضحة لتحسين الخصائص السكانية لتحقيق الاستفادة القصوى من الثروة البشرية فى عملية التنمية المستدامة.
6- تنظيم حملة إعلامية موسعة من خلال وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي ورسم سياسة للإعلام السكاني تستهدف رفع الوعى المجتمعي حول مخاطر الزيادة السكانية وكيفية السيطرة على خفض معدلات الإنجاب.
7- تشجيع منظمات المجتمع المدني للقيام بدور أكثر فعالية فى توفير الخدمات والمشورة فى المناطق النائية، ورفع وعى المواطنين بمخاطر الزيادة السكانية.
8- تبنى خطة توعوية وثقافية شاملة لتصحيح المفاهيم والمعتقدات الاجتماعية والدينية الخاطئة حول مفهوم تنظيم الأسرة مع التأكيد على أنه لا يتعارض مع القيم الدينية والثقافية.—
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا