من ابرز تجليات فوضى السياسة الترامبية العشوائية ذلك الصراع الدائر الان بين الولايات المتحدة والصين المؤسس لحرب باردة حديثة..وما يصحب تلك الحالة من مقارنات سريعة شاملة ودقيقة لعناصر وأركان المواجهة على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها..
مقارنات كاشفة لموازين القوى في مختلف المجالات..اجمالي الناتج المحلي حجم الاستثمار الأجنبي المباشر وسوق الأسهم والسندات والعناصر المختلفة للعملية الاقتصادية وأركان ووسائل التنمية والطرق الى تحقيقها على الارض..الى جانب مقارنات القوة العسكرية ومن يستطيع فرض الهيمنة والغلبة بالقوة والى أي مدي وعلى أي صعيد..
لم تتوقف المقارنات على إمكانيات الدولة وقدراتها الاقتصادية والعسكرية بل أيضا تركز على بيان قوة الحلفاء مع كل دولة وكفة من ترجح سياسيا او اقتصاديا وكيف يمكن تحقيق التوازن من عدمه وكذلك أساليب الضغط الممكنة للحد من قدرات كل طرف إزاء المواجهة مع الاخر المنافس المشاكس والعنيد..
ولعلها من اصدق الرسائل واقواها الى دول العالم كافة وخاصة الواقعة بين فكي الرحى او في مرمى النيران الصعبة لتكتشف عناصر القوة ونقاط الضعف بما يمكنها من رسم خريطة للإنقاذ بكل جدية وباقصى سرعة أيضا قبل الانهيار العظيم..او لتعرف كيف تتصرف فعليا مع الخطر الواقع عليها او المحتمل مواجهته..وهي تمنح الدول الصاعدة فرصة أيضا للتعرف على امكانياتها الحقيقية وما تمتلكه من موارد طبيعية او قدرات خاصة تشكل عناصر مهمة في المواجهة..وهي أيضا كاشفة لطرق الابتزاز ومحاولات السرقة والهيمنة على الموارد الطبيعية بابخس الاثمان وهوما يذكرنا بسياسات الاستعمار القديم وحملاته العسكرية على الدول الفقيرة ومنهجه في نهب الثروات الطبيعية والمواد الخام وتصديرها ومنع أي محاولة لتصنيعها والإفادة منها وطنيا..ولعل معركة المعادن النادرة على الساحة الان سواء من جانب الإدارة الامريكية او الحكومة الصينية كاشفة وتطرح النموذج الصارخ للصراع والى اين يمكن ان يصل..
لعل تفاصيل المواجهة التي باتت تمارس علنا وعلى شاشات الفضائيات وبلا ادني حرج او مراعاة لقواعد اللياقة او الدبلوماسية دفعت العديد من الدولة التي لاتزال تحتفظ بجزء من كرامتها الوطنية ان تتحسس كل ما لديها من إمكانيات وعناصر نادرة او غير نادرة وتاثيرها في الاقتصادات القومية الوطنية..وتنبه القادة السياسيين الى كثير من أوراق الضغط او القوة التى تمتلكها في المواجهة مع العدو الحاضر او المحتمل..
لا أتصور ان تلك الأمور تغيب عن عقل وفكر مراكز الأبحاث الوطنية وهي ترصد وتدقق ما يجري ليس فقط في العلن بل ما يحدث ويتفاعل وراء الكواليس فوراء الاكمة ما وراءها بكل تأكيد..
اللافت في تلك المقارنات هو ما يتصل بالمنهج وطبيعة التوجهات الحاكمة والمسيطرة والتي تصنع دائما الفرق في الصراع فوفقا لما رصده الكثير من الخبراء والمراقبين لتداعيات الاحداث قبل ان تصل الى نقطة الانفجار والذي يخلق حالة التمايز بين الحالة الامريكية والصينية.. فامريكا تسعى بالدرجة الأولى الى فرض السيطرة والهيمنة على العالم بكل وسائل الاختراق وبالقوة المسلحة وخلق كيانات سياسية موالية او موازية لتنفيذ مخططاتها ولو ضد المصلحة الوطنية للدول الحليفة والصديقة والمتمردة أيضا.
اما الصين فتسعى للنمو وتحقيق نهضة اقتصادية وجذب المزيد من الاستثمارات حول العالم بعيدا عن أي صراعات سياسية مباشرة ولعل هذا ما ساعدها على الانتشار والهيمنة على السوق وإخضاع الياته وفقا لسياساتها المرتكزة على ما تملكه من عناصر القوة سواء المادية او المهارات الفنية العالية والتي تضمن لها التفوق التكنولوجي الى جانب الوفرة الوفيرة في الايدي العاملة الماهرة المدربة..
في سجل المقارنات توقفت امام مقارنة مهمة بين موقف أمريكا وموقف الصين قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وبعث بها الى الرئيس الحالي دونالد ترامب في رسالة توضح لماذا تتميز بكين على واشنطن!
كارتر الحاصل على جائزة “جورج بوش الأب الأولى للحنكة السياسية” لجهوده في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين كشف عن الرسالة خلال لقاء في كنيسة مارانثا المعمدانية في ولاية جورجيا قال إنه أبلغ ترامب بأن الولايات المتحدة أنفقت تريليونات الدولارات على الحروب في السنوات الأخيرة بينما استثمرت الصين التريليونات في مشاريع تعود بالنفع على شعبها.ورد ترامب على الرسالة متصلا بكارتر على خط خاص أخبره بصراحة شديدة أن الصينيين كانوا يتقدمون على الولايات المتحدة في نواح كثيرة”.
وقد أعادت الصحافة الأمريكية مؤخرًا نشر ما قاله كارتر لترامب حول الصين:”أنت قلق من أن الصين تتقدم علينا وأنا أتفق معك.لكن هل تعرف لماذا تتقدم الصين علينا؟ لقد قمتُ بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع بكين في عام 1979. منذ ذلك الحين هل تعرف كم مرة خاضت الصين حربًا مع أي جهة؟ ولا مرة، في حين أننا نخوض الحروب باستمرار.
الولايات المتحدة هي أكثر الدول ميلًا للحروب في تاريخ العالم لأنها تريد فرض أنظمة تستجيب لحكومتنا وللقيم الأمريكية في جميع أنحاء الغرب والسيطرة على الشركات التي تمتلك موارد الطاقة في الدول الأخرى.
أما الصين فتستثمر مواردها في مشاريع مثل السكك الحديدية والبنية التحتية والقطارات العابرة للقارات والمحيطات عالية السرعة وتكنولوجيا الجيل السادس والذكاء الروبوتي والجامعات والمستشفيات والموانئ والمباني بدلًا من إنفاقها على التسلح العسكري.
“وتساءل :كم عدد الكيلومترات من القطارات عالية السرعة التي نملكها في هذا البلد؟!لقد أضعنا 300 مليار دولار على الإنفاق العسكري من أجل إخضاع دول حاولت الهروب من هيمنتنا في حين لم تهدر الصين فلسًا واحدًا على الحروب ولهذا السبب فهي تتفوق علينا في كل مجال تقريبًا ولو كنا أنفقنا 300 مليار دولار على إنشاء البنية التحتية والروبوتات والرعاية الصحية العامة في الولايات المتحدة لكنا نمتلك قطارات عالية السرعة تعبر المحيطات لكان لدينا جسور لا تنهار ورعاية صحية مجانية للأمريكيين وآلاف الأمريكيين الذين ما كانوا ليصابوا بكوفيد-19 أكثر من أي دولة أخرى في العالم لكانت لدينا طرق متينة وكان نظامنا التعليمي جيدًا مثل نظام كوريا الجنوبية أو شنغهاي.”
هذه خلاصة حقيقية لمن يزرع الخير ومن يصر على زراعة الشوك..
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com