أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي المسلحة، إلا أن هناك تساؤلات جدية حول ما الذي حققته هذه الضربات المكلفة.
منذ بدء العمليات في مارس، لم توجه الولايات المتحدة ضربة حاسمة للحوثيين، بحسب ما أفاد به مسؤولان أميركيان مطلعان على الكلفة، لكن الحملة كلّفت واشنطن أكثر من مليار دولار. تضمنت هذه النفقات آلاف القنابل والصواريخ المستخدمة، إلى جانب إسقاط سبع طائرات مسيّرة، وغرق مقاتلتين.
ورغم أسابيع من الغارات الأميركية، ظل الحوثيون قادرين على تنفيذ ضربات خارج اليمن، بما في ذلك هجوم هذا الأسبوع استهدف المطار الدولي الرئيسي في إسرائيل. ومع ذلك، فإن الاتفاق المفاجئ الذي أعلنه ترامب الثلاثاء، والذي يقضي بوقف الضربات مقابل تعهد الحوثيين بعدم استهداف السفن الأميركية، قد يكون كافياً لإعلان “النجاح” – مؤقتاً على الأقل.
تفاصيل هذا الاتفاق ما تزال غامضة، ولم يتضح كيف تم التوصل إليه، أو مدة استمراره، أو ما يعنيه للصراع الممتد منذ أن هاجمت حماس – المدعومة من إيران كالحوثيين – إسرائيل في أكتوبر 2023.
ووفقًا لمسؤولَين أميركيَين، تم التوصل إلى الاتفاق جزئياً عبر وساطة من سلطنة عمان، وهو يتعلق فقط بالسفن الأميركية. ولا يُتوقع أن يوقف الحوثيون هجماتهم على إسرائيل أو على سفن دول أخرى.
قال أحد المسؤولين: “كان من الواضح أن الإدارة تبحث عن مخرج من هذه الحملة ضد الحوثيين”. وزارة الدفاع الأميركية رفضت التعليق.
وكان من الصعب قياس مدى نجاح العمليات منذ مارس، إذ أن الطائرات المسيّرة التي كانت تُرسل لتقييم الأهداف كانت تُسقط غالبًا من قبل الحوثيين، ولم يكن هناك وجود لقوات أميركية على الأرض للتحقق من فعالية الضربات.
وبحسب المسؤولين، فقد كانت التكلفة مرتفعة للغاية وتؤثر على مخزون الأسلحة الأميركي. فمنذ بدء العملية المعروفة باسم “Rough Rider” في 15 مارس، استخدم البنتاغون حوالي 2000 قنبلة وصاروخ بقيمة تتجاوز 775 مليون دولار، بما في ذلك مئات القنابل زنة 2000 رطل (تكلفة الواحدة نحو 85 ألف دولار)، وأكثر من 75 صاروخ “توماهوك” (تكلفة الواحد نحو 1.9 مليون دولار)، وأكثر من 20 صاروخ جوّال AGM-158 (تكلفة الواحد نحو 1.5 مليون دولار)، إلى جانب ذخائر أخرى.
كما أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 10 ملايين دولار لنقل منظومتَي دفاع جوي من طراز “باتريوت” مع الإمدادات اللازمة لدعمهما إلى المنطقة عبر السفن، دون احتساب تكلفة النقل الجوي. وأفاد قائد القيادة الأميركية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الأدميرال سام بابارو أن نقل منظومة “باتريوت” استلزم 73 رحلة بطائرة شحن C-17، والتي تبلغ تكلفة تشغيلها نحو 27 ألف دولار في الساعة. وتم نقل منظومتين إلى المنطقة.
مع ذلك، كان هناك قلق متزايد من أن نهج إدارة ترامب تجاه الحوثيين لن يكون مستدامًا. قالت دانا سترول، التي شغلت منصب كبيرة مستشاري البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط في عهد بايدن: “واشنطن لا تمتلك الصبر أو الانتباه الكافي لالتزام طويل المدى”، مشيرة إلى أن الإدارة كانت تبحث عن مخرج.
إذا صمد الاتفاق، فقد تبرر إدارة ترامب وقف العمليات ضد الحوثيين، لكن من غير المرجح أن يغيّر ذلك واقع استمرار التهديد الحوثي للملاحة في البحر الأحمر. تقول سترول: “سيتوقف الحوثيون عن استهداف السفن الأميركية لفترة من الوقت. لكنهم لن يتوقفوا عن قصف إسرائيل، ولن تعود حركة الشحن التجاري، ولن يتغيّر شيء في الحرب الأهلية اليمنية”.
تردد خلال إدارتي بايدن وترامب
بدأت إدارة بايدن حملة عسكرية بعد هجمات الحوثيين على الشحن الدولي في البحر الأحمر عقب هجوم حماس في 2023، بهدف استعادة “حرية الملاحة”. إلا أن منتقدي بايدن رأوا أن تلك العمليات لم تُضعف الجماعة فعليًا.
في مارس، صعّدت إدارة ترامب الضغط على الحوثيين، وأرسلت حاملة طائرات ثانية ومرافقيها، إضافة إلى منصات دفاعية مثل منظومتي “باتريوت” ومنظومة “ثاد” (THAAD).
كما منح ترامب قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل “إريك” كوريلا صلاحيات واسعة لاستهداف الحوثيين، وهي صلاحيات لم يُوافق عليها بايدن سابقًا.
لكن إدارة ترامب نفسها شهدت انقسامات حول مدى تصعيد الحملة. ووفقًا لتقارير سابقة، كانت إدارة بايدن قد وضعت خطة طويلة المدى لإضعاف الحوثيين، لكنها قررت عدم تنفيذها كي لا تُقيّد الإدارة القادمة، وسلمتها إلى فريق ترامب.
وفي الوقت الذي تحدث فيه ترامب ووزير دفاعه بيت هيغسث علنًا عن عزمهم “سحق الحوثيين”، قالت مصادر أميركية وأجنبية إنهم لا يعتقدون أن لدى ترامب الإرادة أو الالتزام الكافي لتحقيق هذا الهدف.
الانقسام في الإدارة ظهر للعلن عندما أُضيف بالخطأ رئيس تحرير مجلة The Atlantic جيفري غولدبيرغ إلى مجموعة دردشة عبر تطبيق “سيغنال” ضمت عدة
مسؤولين كبار. وتُظهر السجلات المنشورة للمجموعة أن نائب الرئيس جي. دي. فانس أعرب عن قلقه من أن ترامب لا يدرك ما يفعله، واقترح أن على الولايات المتحدة عدم التورط أكثر في المنطقة.
قالت سترول إنه إذا أوفى الحوثيون بتعهدهم وتوقفوا عن استهداف السفن الأميركية، فسيكون ذلك كافيًا لتبرير إنهاء الدور الأميركي في هذه الحملة. وأضافت: “يمكن لواشنطن إرسال سفينة عبر البحر الأحمر وتقول إن حرية الملاحة قد عادت”.