كتب عادل البكل
في الوقت الذي تشهد فيه الساحة السياسية إعادة قراءة للعلاقات التاريخية بين تركيا والدول العربية، يبرز اسم السفير التركي الأسبق في القاهرة، سميح جونڤر، كأحد أبرز الدبلوماسيين الذين خدموا بلادهم خلال فترات عصيبة، تاركًا وراءه إرثًا دبلوماسيًا وثقافيًا يعكس عمق التجربة وروح الانتماء.
في كتابه الشهير “المهنة غير المرئية”، يسلّط جونڤر الضوء على تجربته كسفير لتركيا في مصر بين عامي 1965 و1972، وهي مرحلة شديدة الحساسية في التاريخ المصري الحديث، شهدت انتقال السلطة من الرئيس جمال عبد الناصر إلى الرئيس أنور السادات، وسط تحولات إقليمية ودولية عاصفة.
ويقول جونڤر في مذكراته:
“الدبلوماسية ليست مجرد تعليمات تُنفّذ، بل علاقة ثقة تُبنى… ومع عبد الناصر ومن بعده السادات، أدركت أن التواصل الإنساني كان أقوى سلاح في مواجهة العواصف السياسية.”
نجح جونڤر في تعزيز العلاقات التركية المصرية من خلال ما يصفه بـ”النهج الصامت”، حيث اعتمد على الحوار المباشر وتفهم السياق المحلي، بعيدًا عن الأساليب الاستفزازية أو التصعيدية. ويضيف:
“كنت أدرك أن مصر في تلك اللحظة لا تحتاج إلى من يحاكمها، بل إلى من يفهمها.”
وتكتسب شهادته قيمة إضافية من كونه أحد الذين وثّقوا سيرة فاتين رشدي زورلو، أحد رموز الديمقراطية في تركيا، الذي أُعدم بعد انقلاب 1960، مشيرًا إلى أن “كتابة التاريخ ليست فعلًا انتقاميًا، بل مسؤولية تجاه الأجيال القادمة.”
يقدم كتاب “المهنة غير المرئية” قراءة متأنية لمفهوم العمل الدبلوماسي من الداخل، ويكشف كيف يمكن للدبلوماسي أن يكون فاعلًا سياسيًا وإنسانيًا في آن، عندما يضع المصلحة الوطنية ضمن إطار من الحكمة والاحترام المتبادل.