(نداء عاجل إلى السيد وزير الداخلية، والسيد مدير أمن الدقهلية، والسيد محافظ الدقهلية، وكل أجهزة الحكم المحلي: صرخة قد تهز كراسي من تجاهلوا نداءاتنا، فليست هذه الكلمات إلا صرخة البطريق قبل العاصفة)
من قلب الريف، من قرية صغيرة تُدعى تلبانة، نكتب لا من ترف الكتابة، بل من وجعٍ حقيقي يئن في صمت الليالي، وجعٍ ما عاد الصبر يسكّنه، ولا الحروف تحتمله.
أمس الجمعة، تم دهسي تحت عجلات “توك توك” طائش، وكأن الأمر بات طبيعيًا في قريتنا، بلا مساءلة ولا محاسبة. لقد حُرمنا – نحن أصحاب الهمم وذوو الاحتياجات الخاصة – من حقّنا في السير الآمن، من الجلوس في هدوء، من العيش بكرامة في شوارع أصبحت طاردة، صاخبة، وخطرة، تحت سمع وبصر كل الجهات الأمنية والمحلية.
لقد أبلغت نقطة شرطة تلبانة رسميًا بالواقعة، وطالبتُ بإبلاغ الجهات الأمنية المختصة، ولكن شكوانا أُهملت، وضُرب بها عرض الحائط، وكأن الأمر لا يستحق، وكأن المواطن يُدهس بلا قيمة ولا كرامة.
في زمنٍ فقدت فيه القرى طابعها الأصيل، وتشوهت ملامح السكينة تحت عجلات الدراجات النارية ومكبرات الصوت الصارخة، تنبعث من تلبانة صرخة… صرخة موجهة إلى كل من يملك سلطة القرار، لكنه اختار أن يصمّ أذنيه.
هل مررتم يومًا بجانب “تلبانة”، وأنتم في طريقكم إلى قريتكم المجاورة؟
هل لمح قلبكم ضوء الشمس المنعكس على سنابل قمحها، أو سمعتم زقزقة العصافير وهي تختنق بزئير “توك توك” منفلت لا يعرف حرمة نهار ولا حرمة ليل؟
هل شققتم طريقكم بين أفراحٍ تُطلق فيها الأعيرة النارية، ومواكب زفاف تصخب وكأنها في ساحة معركة، لا في حضن ريفٍ كان يزهو بالهدوء والنقاء؟
طرقنا كل الأبواب، ورفعنا الشكاوى، وذهبنا إلى مأمور المركز، ورفعنا الأمر إلى بوابة مجلس الوزراء، ولكن الشكوى وُضعت في درجٍ مهمل، كأنها بلاغ من كائنٍ لا يُرى، لا من بشرٍ يستصرخون حقهم في النوم!
لقد باتت القرية خارج نطاق الخدمة الأمنية، وخارج اهتمامات كثيرٍ من المسؤولين.
هذه ليست مرثية لقرية جميلة، بل صيحة في وجه الصمت، في وجه التبلد، في وجه من جعلوا أمن الريف ترفًا لا حقًا.
أين دور نقطة الشرطة؟
أين أنتم يا من ترشحتم من على الشاشات وعلى الجدران، ونزلتم علينا بالمظلات الانتخابية؟
هل أصبحت صرخات الأهالي مجرد ضوضاء تُطفأ بزرّ في مكاتب مكيفة؟
نكتب لأن من واجب الكاتب أن يستبق العاصفة، أن يُشير إلى الخطر قبل أن يتحول إلى كارثة.
فالضجيج المستفحل ليس مجرد “إزعاج”، بل هو بيئة للفوضى، لتآكل القانون، لغياب الأمن، ولتفشي العنف المجتمعي.
إنها تلبانة… بقعة جغرافية صغيرة، نعم، لكنها تنزف كل ليلة من زفافٍ يُطلق فيه الرصاص، ومن فرحٍ يتحول إلى كابوس.
نحن لا نطلب معجزة، نطلب فقط حقّنا في ليلٍ هادئ، في نهارٍ بلا ضجيج، في سماع زقزقة عصفور، لا صراخ شيطان دراجة.
نداؤنا واضح: اضبطوا الشارع في قرية تلبانة، قبل أن تتحول إلى ساحة فوضى دائمة، وقبل أن ينهار ما تبقى من ثقة الناس في مؤسسات الدولة.
ارحمونا. هذا كل ما نرجوه.
“وصوتُ الريحِ في الغيطانِ يشكو
فمن يسمع شكاةَ الصمتِ إلا القلوبُ…؟”
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية,
عضو عامل بالنقابة العامة للصحافة والإعلام,,
saadadham976@gmail.com