(( إيجابيات وسلبيات تحويل رواية “الراهب المحتال” إلى نص درامي،،
في مسعى فني يعكس طموحًا أدبيًا ومسرحيًا، تم تحويل رواية “الراهب المحتال” ( للكاتب البريطاني ويليام لو كيو إلى عمل درامي بصيغة المونودراما، وهو شكل مسرحي يتطلب أداءً عاليًا من ممثل واحد يروي الأحداث ويجسد الشخصيات من خلال صوته وجسده وتفاعله مع الفضاء المسرحي.وهي نقطة مهمة تحسب لنقابة فناني بابل وهم يقدمون عرضا مسرحيا يستحق المشاهدة للاسباب التالية التي نرجو ان نكون قد نستخلص منها سلبيات وايجابيات تحويل الرواية الى نص درامي..بجهود جباره للمخرج محمد حسين حبيب وبتوقيع الممثل المجتهد احمد عباس
هذه المبادرة تستحق التوقف عندها، لأنها لا تقتصر على مجرد نقل نص من صفحة إلى مسرح، بل تُعيد طرح السؤال الكبير: ماذا نكسب وماذا نخسر عندما نحول الأدب إلى دراما؟
: الإيجابيات
. إعادة إحياء النصوص المنسية
تحويل رواية قديمة مثل “الراهب المحتال” – التي كادت أن تُطوى في دفاتر التاريخ – إلى عمل درامي حديث، يُعدّ شكلًا من أشكال البعث الأدبي. فالجمهور الذي لا يقرأ الروايات قد يستمع أو يشاهد العمل الدرامي، ويكتشف بذلك مادة أدبية كانت بعيدة عن متناوله.
. تعميق البعد الإنساني للشخصية
شخصية مثل راسبوتين، التي غالبًا ما يتم تصويرها بصورة كاريكاتيرية أو شيطانية، تأخذ في العمل الدرامي وجهًا إنسانيًا أكثر تعقيدًا: فهو يتحدث، يخطئ، يتردد، يبكي، ويفتخر. الدراما لا تكتفي بوصف الشخصية بل تجعلنا نحيا داخلها.
. تسهيل نقل القضايا التاريخية والسياسية
الرواية تتناول صراعات روسيا ما قبل الثورة، ودور راسبوتين في تفكك الإمبراطورية. هذه القضايا السياسية يمكن أن تكون ثقيلة على القارئ العادي، لكن عند معالجتها فنيًا تصبح أقرب وأكثر تأثيرًا.
وايضا
. فسحة للخيال الإخراجي
صيغة المونودراما تفتح المجال أمام إخراج إبداعي يجمع بين الإضاءة، المؤثرات الصوتية، والنص الداخلي، مما يمنح النص بعدًا تجريبيًا وجماليًا لا توفره الرواية المكتوبة.
ثانيًا: السلبيات
. احتمالية تشويه المعنى الأصلي
التحويل الدرامي قد يؤدي إلى تبسيط أو تحوير في المضمون، خاصة إذا تم اختزال الأحداث أو تحوير بعض التفاصيل لصالح الحبكة أو الإثارة، مما يُفقد النص عمقه الأصلي أو يُقدّمه بشكل منحاز.( وهذا ماحدث للأسف في عرض اليوم)
غياب السياق التاريخي الكامل
الرواية تعطي القارئ فرصة التعمق في السياق السياسي والديني والاجتماعي، أما العمل الدرامي فيُضطر لاختزال هذه الخلفيات ضمن مشاهد قصيرة، مما قد يؤدي إلى فهم سطحي أو مشوّه للأحداث.
محدودية التفاعل في المونودراما
رغم القوة النفسية لهذا الشكل المسرحي، إلا أن غياب الحوار بين شخصيات متعددة قد يُضعف من التوتر الدرامي أو يحرم الجمهور من رؤية الصراع الحي بين القوى والشخصيات.
. خطر المبالغة الخطابية أو الشعاراتية
خصوصًا حين تكون الشخصية التاريخية مثيرة للجدل، قد يلجأ النص أو الأداء إلى المبالغة في التبجيل أو الشيطنة، وهو ما يُفقد العمل توازنه الفني والموضوعي.
خلاصة القول
[ تحويل الأدب إلى دراما ليس مجرد تغيير في الشكل، بل هو فعل تأويلي وفني يُخضع النص لمعايير جديدة. وعليه، فإن نجاح التجربة مرهون بقدرة الكاتب والمخرج والممثل على الحفاظ على روح الرواية، مع الإبداع في صياغتها بلغة المسرح أو الإذاعة دون أن تتحول إلى وعظ أو ترف لغوي.
ومع أن رواية “الراهب المحتال” قد تُثير أسئلة أكثر مما تقدّم إجابات، فإن تقديمها كعمل مونودرامي بصوت واحد – أداءً وتوليفًا – يجعلها فرصة ثمينة للغوص في أعماق التاريخ، والسياسة، والدين، والنفس البشرية.
ملحق : —
“الراهب المحتال”… من رواية إلى مونودراما مسرحية على خشبة المسرح المدرسي في بابل.
قراءة في الرواية والتمثيل والإخراج”*
*بقلم: [د.عزيز جبر الساعدي ]
في زمنٍ تتعطش فيه المسارح إلى أعمال درامية ترتكز على العمق النفسي والشخصيات الإشكالية، تبدو رواية “الراهب المحتال” للكاتب البريطاني ويليام لو كيو مادة خصبة لإعادة التناول الفني، ليس فقط بوصفها نصًا أدبيًا يعود لبدايات القرن العشرين، بل لأنها تسلط الضوء على واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الروسي، وهو غريغوري راسبوتين.
في مشروع فني جديد حمل عنوان *”اعترافات راهب محتال لنقابة فناني بابل”، تمت إعادة صياغة الرواية ضمن قالب *المونودراما* – ذلك النوع المسرحي الذي يعتمد على ممثل واحد، يُجسد من خلاله بوحًا داخليًا، ورحلة نفسية، واستبطانًا وجوديًا لشخصية واحدة، تمثل أحيانًا أمة أو فكرة أو حقبة بأكملها.
نص الرواية بين السرد التاريخي والخيال الدرامي*
رواية الراهب المحتال لا تكتفي بسرد سيرة راسبوتين، بل توظفه كأداة لتفكيك البنية السياسية والاجتماعية في روسيا القيصرية، قبيل سقوطها. الكاتب، المعروف بميله إلى الأدب السياسي والشُبه الوثائقي، قدّم نصًا يتداخل فيه التوثيق مع الخيال، والتقارير الصحفية مع التصورات الروائية.
، تمت إعادة توزيع هذه الطبقات السردية على محاور نفسية، حيث نسمع راسبوتين وهو يخاطب الله تارة، وظله تارة، والناس الذين أخرجوه من المجهول إلى قلب البلاط الإمبراطوري ثم عادوا ليغرسوا فيه الخنجر.والرمي بالسلاح المبالغ فيه في المشهد الاخير
أداء مونودرامي بتوقيع أحمد عباس
في هذا العمل، قام الفنان أحمد عباس بتولي مهمتين متلازمتين: التمثيل والتوليف *، وهو تحدٍ مزدوج يندر أن يتقنه فنان من دون أن يقع في فخ التنميط أو الاجتهاد الفردي. لكن الأداء جاء متماسكًا، يحمل نبرة الراهب والمخادع، الواعظ والمنكسر، ليخلق شخصية متوترة تقف على حدود الإيمان والجنون.
اعتمد الأداء الصوتي على تنويع نبرة الحديث، ما بين الخشوع والخداع، بين الحنين للقرية السيبيرية والصراع مع السلطة.( لم يكن مقنعا بسبب ضعف الإنتاج )وقد أضافت المؤثرات الصوتية – مثل وقع الخطى، وصوت الريح، وبعض المؤثرات – بُعدًا دراميًا ساهم في نقل المشاهد إلى عالم بطرسبرغ المظلم.
حوار داخلي لا يخلو من اعترافات*
واحدة من أبرز نقاط القوة في النص المسرحي كانت استخدام الحوارات المأخوذة من الرواية نفسها، والمثبتة في رسائل ووثائق تاريخية، كمثال:
“أنا لست راهبًا… ولم أطلب القصور… هم من فتحوا لي الأبواب.”
“بدون لقاءاتنا الأسبوعية، كل شيء مظلم… فيك وحدك لدي إيمان.”
هذه العبارات لم تكن مجرد اقتباسات بل تحوّلت إلى مفاتيح درامية لبناء مونولوج داخلي يقود المشاهد إلى التساؤل: هل راسبوتين ضحية سلطة أم صانع خراب؟ هل آمن حقًا برسالته، أم كانت مجرد خدعة محكمة؟