في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات ولا يتحرّك فيه إلا الغبار، صار الصمتُ جريمة، والمجاملةُ خيانة، والتقاعس عن أداء الواجب نوعًا من التواطؤ مع الفوضى. نحن لا نعيش فوضى عشوائية، بل فوضى منظّمة برعاية الغياب، وتحت سُبات السلطان، وسط مشهدٍ عربيٍّ يتكرّر في كل ركن من أوطاننا، من القاهرة إلى بغداد.
في شوارع القاهرة كما في أحياء بغداد، لا شيء يسرّ العين إلا لمن اعتاد العتمة. تكاد لا تفرّق بين زئير دراجة نارية أو صرخة أمٍّ فقدت طفلها، أو شبح “توك توك” يخطف من بين الأذرع أحلام فقراء لا حول لهم ولا قوة.
هي الفوضى حين ترتدي عباءة الاعتياد، وتصبح الجريمة جزءًا من المشهد اليومي، فلا يُسائل أحدٌ أحدًا، ولا يتحرّك نائبٌ أو مسؤول إلا حيث الكاميرات وطوابير المجاملات في الأفراح والليالي الملاح، بينما تنام التشريعات في أدراج البرلمانات، وينام الشعب بين كوابيس الأمن الغائب.
من المسؤول…؟
نقولها ببساطة: من يغضّ الطرف عن تقنين وسائل الموت اليومية — كالدراجات النارية والتكاتك — التي تحوّلت، في غياب القوانين، إلى أدوات للقتل والخطف والسرقة، هو شريك في الجريمة.
حين يسقط طفل تحت عجلات “توك توك” يسير بلا ترخيص، أو يُخطف غافلًا في زحام سوق شعبي، فالدم لا يُغسل بالبيانات الرسمية، بل بتشريعات حازمة وعقوبات رادعة.
نواب على الهامش… ورواتب لا تُستحق،،
منذ متى أصبح دور النائب أن يجمع “القطيع” خلفه في الأعراس ومواسم الانتخابات؟ متى تحوّل البرلمان إلى مسرح للخطابات الجوفاء، بينما القرى والمدن تغرق في دماء الأبرياء؟
النائب الحقيقي لا يُقاس بعدد صور السيلفي في الموالد، بل بعدد التشريعات التي تصون كرامة الناس وتحميهم من جحيم الفوضى.
النائب لا يعمل تطوّعًا ولا تكرّمًا على الناس، بل يتقاضى راتبًا وحوافز من أموال الشعب، ويؤدّي اليمين تحت القبة على حفظ الأمانة. فليعلم أن خدمته للناس ليست منحة، بل واجب مفروض، وأن تجاهله لصوت المواطن خيانة للثقة واستغلال للمنصب.
أسلاك الموت: خطر معلّق فوق الرؤوس،،،
وأين هو النائب من استغاثات يومية تطلقها أسرٌ تعيش تحت خطوط الضغط العالي؟ أسلاك كهرباء تخترق البيوت، ضحايا تُسجَّل يوميًا، وطلبات تُكتب للسادة النواب ولا حياة لمن تنادي.
أليس من مهام النائب أن ينقل الخطر قبل وقوعه إلى طاولات المسؤولين؟ أن يحمي الإنسان من الموت المجاني الذي يتربّص به فوق سطح بيته أو في طريقه إلى العمل؟
لقد زحف العمران بشكل غير مسبوق، وابتلعت الكتل السكانية خطوط الكهرباء، حتى أصبحت كالأفاعي فوق رؤوس المواطنين. وعوضًا عن الحل، يخرج المسؤول ليقول: “هذا تعدٍّ”، متناسيًا أن الزيادة السكانية تحتاج إلى توسعة رقعة الإسكان، لا إلى مزيد من دفاتر الضحايا. فأين التخطيط؟ وأين كرامة الإنسان؟
من القاهرة إلى بغداد: وحدة المصير وتكرار الأخطاء،،،
ما يحدث في القاهرة، يحدث في بغداد. ومن شبرا إلى الكاظمية، ومن الفيوم إلى البصرة، تتشابه المشاهد: غياب الرقابة، موت مجاني، ومسؤولون يكتفون بالتبرير. تتشارك العاصمتان في وجع متشابه، وتخوضان فوضى يومية بأدوات مختلفة، لكن الضحية واحدة: المواطن.
متى يفيق المغفّلون…؟
سؤالٌ موجّه لنا جميعًا: إلى متى نُخدَع بمشهد النائب الذي يُربّت على أكتافنا في المناسبات، بينما يترك أبناءنا فريسةً للخطر؟ متى نُدرك أن التغيير لا يأتي من المصافحات واللافتات، بل من قوانين تحمي، ومحاسبة لا تهادن، وإرادة شعبية لا تنام على الأوهام. ؟
صرخة قبل الاستحقاق،،،،
لذلك نكتب قبل الاستحقاق الانتخابي، لنزرع بذور الوعي في الاختيار؛ فالنائب الحقّ هو من يتبنّى مشاكل المجتمع، ويسعى إلى تصحيح المسار، ومحاربة الفساد، وسنّ التشريعات من أجل الأجيال القادمة.
نكتب كي لا يكون البرلمان حلبة للوجاهة أو مظلة للفساد، بل ساحة عمل حقيقية تُطرح فيها المبادرات وتُسمع فيها صرخات الناس قبل أن تُنسى.
نكتب لنكمل مهمة الغائب، ونطلق صرخة في وجه المال السياسي وأشباه الرجال، علّنا نوقظ ضميرًا أو نمنح الأمل لبلادٍ تتأرجح بين العتمة والرجاء.،،،!!
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية
saadadham976@gmail.com