أن ضعف نظام الحماية الفكرية للأفراد، وخاصة المراهقين، سببه ضعف الوعي الديني، وإهمال القيم الدينية والأخلاقية، وتراجع دور المساجد كمراكز للإرشاد والمشورة وتراجع دور المؤسسات التعليمية، مما قد يكون له تأثير سلبي على النظام الفكري، إلى جانب تأثير وسائل الإعلام العالمية والمحلية وظهور الإنترنت، يصعب السيطرة على مخرجات المعلومات وسلوك السوق والانحرافات الأخلاقية. كما يرتبط التفكك الأسري بضعف الجهاز الفكري، وقصور في التواصل والاهتمام باحتياجات المراهق، فضلاً عن تأثير الأقران والمصادر الخارجية دون التوجيه السليم من الأسرة، مما يجعل الفرد عرضة للانزلاق. أية اتجاهات قد تؤدي إلى الانحياز الفكري والتطرف.
إن ترسيخ الأمن الفكري هو مسؤولية وطنية على عاتق الجميع وليس الدولة وحدها، فالكل مطالب فـي مـوقـعـه بالإسهام فـي هـذا الـواجـب الـوطنـي الـمـهـم، فالمؤسسات التعليمية لها دور كبير في هذا الجانب، حيث يمكن تفعيل دور المدارس والجامعات لتساهم في تطور الفكر الوسطي المعتدل بعيداً عن الغلو والتطرف كما أن الأسرة والمجتمع لهما دور في التربية السليمة للأبناء من خلال دورات ومحاضرات يقدمها المختصون والإعلام بأنواعه المختلفة بما يملكه من نفوذ وتأثير على المجتمعات، كل هذه المؤسسات لها أدوار كبيرة في سبيل تحقيق التحصين الفكري لأفراد المجتمع وتحقيق الوحدة والتلاحم وتوفير الأرضية الصلبة لعملية بناء وتنمية الوطن. إنها الدعوة الصريحة لإعمال العقل بوعي، والتفكير بعمق والتدبر مع الاعتبار، لأن التعقل السليم يقود إلى فكر سليم، ومؤداه حياة راقية وسلوك قويم ومجتمع مستقر.
وإن الفكر العقيم الضال، لا يقود إلا إلى الحياة المضطربة؛ إذ يعتبر القاعدة التي تؤسس عليها كل أنواع الانحرافات السلوكية في المجتمع، لذلك لا بد من العمل على موضوع الأمن الفكري، لأن الحاجة للأمن في المجتمع ضرورة حياتية في كل الميادين، وفقدانه يحدث الخلل في كل سبل الحياة، فالحاجة إلى الأمن الفكري حاجة فطرية فردية ومجتمعية.
فمن المستحيل استقرار الحياة الطبيعية إلا إذا استقر الإنسان نفسيًّا وكان آمنًا على نفسه. ولا ريب أن موضوع الأمن الفكري يجب أن ينال العناية التامة، ويبذل من أجله كل الجهد لما له من أهمية كبيرة، فحيث كان وجد الاستقرار النفسي للفرد والأمن للمجتمع، وحيث فقد حل الخطر.
إن أسس تحقيق الأمن الفكري مرتبط بجهات عدة يقع على عاتقها تعزيزه، إذ هو مسؤولية الجميع حيث لكل دور مهم في البناء الفكري للفرد، وأهم هذه الجهات المنوط بها عملية البناء الفكري، هي الأسرة والمؤسسات الدينية والمؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام والهيئات الاقتصادية والمجتمعية
١- الأسرة
الأسرة هي مسرح التفاعل الأول، وهي المنوط بها الدور الحيوي في تنشئة الأبناء ونقل ثقافة المجتمع إليهم، وذلك يعطيها الفرصة الكبرى لترسيخ المبادئ السليمة التي تتفق مع الشريعة الإسلامية، وتعالج الانحرافات السلوكية في مهدها، وتقوّم الاعوجاج في بواكيره، وخصوصًا أنها أول المحاضن التي تتلقف الطفل بعد ولادته ويقضي فيها أولى سنوات عمره، ويكون كصفحة بيضاء تقبل ما يدون عليها. ولا ريب أن الأسرة السوية، رباطها الرحمة والمودة اللذان ينغرسان في نفوس الأبناء، مما ينتج عنه عنصر بشري قادر على أن يخدم نفسه وأسرته ووطنه بفكر راق بعيد عن الانحراف
. تكمن أهمية الأمن الفكري في مفهومه الجوهري لأنه يمثل مرتكز أساسي لتعايش الإنسان مع نفسه ومع الآخرين وحاجزاً يحمي الفرد والمجتمع من الارتباك الفكري وضعف المبادئ والقيم الأخلاقية، وتسهم السلامة الفكرية للفرد في تحقيق المكارم الأخلاقية لأنها تعزز السلوك الجيد، وتحمي حقوق الآخرين، وتشجع السلوك الأخلاقي الذي يحترم القيم الإنسانية، من خلال دور العقل في توجيه سلوك الإنسان واتخاذ القرارات السليمة في الحياة.
٢- المؤسسات الدينية على اختلاف أنواعها
لا ينكر ما للمؤسسات الدينية عامة والمساجد خاصة، من دور كبير يساهم في تقويم سلوك الأجيال عبر تصحيح المفاهيم المغلوطة، وإعادة البناء الفكري على أسس سليمة، مما يدعم تحقيق الأمن الفكري، وهذا منوط بالعلماء الحقيقيين المؤهلين بالعلم، وبفهم للواقع ومعرفة تامة بمقاصد الشريعة.
فهم المسؤولون في الفتوى وإرشاد الشباب وتوجيههم، باعتبارهم يمثلون المؤسسات الشرعية التي تتعامل مباشرة مع أفكار المجتمع التي يمكن أن تصيب بعضًا منه بمرض الانحراف والغلو والتطرف. فالتربية الأمنية الدينية تقوم بترسيخ القيم الإسلامية والقيم الاجتماعية المتوائمة معها، وحماية النشء من التيارات السلبية الهدّامة.
٣- المؤسسات التعليمية
تعتبر المؤسسات التعليمية في كافة مراحلها، من أهم الركائز الاجتماعية في عملية بناء الفكر، حيث يجب أن يتم عبر إعداد المناهج الوسطية المتفرعة عن الكتاب والسنة، والتي تدعو إلى التفكير السليم. كما أن تأهيل المعلمين تربويًّا وفكريًّا يعالج الأفكار المنحرفة، ويحد من انتشارها، ويساهم في إعادة البناء الفكري الصحيح المؤسس على قواعد الإيمان؛ لذلك ينبغي الاهتمام التام بالمؤسسات التعليمية لمواجهة الأفكار الخطرة، وتفعيل البرامج التي تشمل محاور السياسات التعليمية العامة، والتربية الوطنية والمناهج، وإعداد المعلمين وإمدادهم بالمهارات الفنية لتوجيه الطلاب، والعمل الاجتماعي في المؤسسة والأنشطة الطلابية
٤- المؤسسات الإعلامية والثقافية
معلوم أن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت في عالم اليوم تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل فكر الأجيال سلبًا أو إيجابًا، لذلك عليها مسؤوليات جسام في توجيه الناشئة وتقويم الفكر؛ لأن الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، هو في متناول عامة المجتمع، ويقع دور كبير على القائمين عليه، لذلك يجب مراعاة أن يكونوا من المؤهلين فكريًّا، ليساهموا في اختصار الجهد والوقت في عملية التغيير للأفكار الشاذة وتعزيز الفكر الصحيح، من خلال إعداد برامج إعلامية فكرية تصحيحية هادفة، وتسليط الضوء على القضايا الشائكة مثار الشبهات، وتصحيح ما فيها وإظهار حقيقتها بطرق شرعية، وإعداد الخطط الإعلامية المتكاملة، وإشراك المفكرين والعلماء والأدباء والخبراء في المجال الأمني للمشاركة في تلك الجهود.
٥- المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية
ينبغي على المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية المشاركة في عملية البناء الفكري الصحيح للناشئة، والمساهمة الفعالة في تحقيق الأمن الفكري للمجتمع.. ويكون ذلك بالتعاون الجاد في القضاء على البطالة وملء فراغ الشباب، لأن البطالة والفراغ من أكبر أسباب التطرف والانجرار وراء الأفكار المنحرفة. ولقد بات من الضروري العمل على صناعة المناعة في فكر شبابنا وجيل الأمة بشكل عام، فكما أن التيارات المنحرفة تقدم إلينا نماذج فكرية مصنعة وجاهزة ومغلفة بما يغري الشباب ويجذب أصحاب الهوى، كذلك يتحتم علينا مواجهة هذه التيارات بصناعة فكرية خاصة بنا، منسجمة مع قيمنا وحضارتنا على أن يتم تضمينها في الإعلام والمؤسسات التعليمية والتربوية وكافة المؤسسات العامة التي تدير حياتنا، لتكون بمثابة “تطعيم” لفكرنا قبل أن تغزوه فيروسات التطرف المصنعة مخبريًّا من قبل جنود الخفاء من أعداء الأمة والمتربصين بها. فالأفكار هي التي تنتج، ومن خلال هذه الإنتاجية تبنى المناهج وتصنع المسيرة نحو المستقبل، وتنتج الاستقلالية والمناعة الأتوماتيكية، وتحفظ الهوية الأفكار التي ننتجها نحن ونأخذ بها براءة اختراع هي في الحقيقة قوة لا تهزم وحصن لا يهدم.
تعتبر التنشئة الأسرية الصالحة أمراً بالغ الأهمية لأن الاستقرار النفسي والعاطفي والمادي الذي توفره الأسرة يساعد على غرس الثقة والاطمئنان، وبالتالي تعزيز القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية لأفرادها، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى تنمية قيم العائلة. الشخصية غير مستقرة وعرضة للانحرافات. ويجب استخدام وسائل الإعلام في خلق المعرفة وتوجيه الحوار البناء وتفعيل دور المؤسسات التعليمية في حماية الأمن المعرفي الاجتماعي. تقع على عاتق المناهج والمعلمين والإدارات الإدارية في المؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات مسؤولية تصحيح الانحرافات في الوقت المناسب، وتوجيه أفكار الشباب نحو القيم الصحيحة، وتقليل تأثير العوامل الخارجية على الشباب.
