من لا يقرأ التاريخ من مصادره وبمرجعيته العلمية. واقع وحال مصر قبل ثورة يوليو 1952. فلن يعرف ويقدر تلك الثورة التي غيَّرت واقع معظم المصريين من واقع البؤس والفقر والجوع والجهل. إلي واقع العدالة الاجتماعية والاستفادة من خيرات مصر. التي لا تنضب. وقد حباها اللَّه بها.
حاول جمال عبدالناصر بكل طاقاته وقدراته أن يحقق مجتمع العلم والعمل ويقيم مجتمع الكفاية لا الكفاف. مجتمعا يتطلع فيه المصريون إلي مستقبل مشرق. بتكافؤ الفرص دون محسوبية. أو واسطة.
ومن أبناء معظم المصريين الفقراء. بل المعدمون قبل ثورة 1952 بمنهج العدالة الاجتماعية التي انتهجها “جمال عبدالناصر” صار هؤلاء الأبناء قد ارتقت حياتهم بعدما حصلوا علي المجانية الكاملة الحقيقية في المدارس والجامعات. فأصبح منهم المعلم والطبيب والمهندس. وضابط الشرطة. وضابط الجيش. والمحامي. والقاضي. والمحاسب. وأستاذ الجامعة.
ولأول مرة صار بعد الثورة أبناء معظم المصريين وزراء ورؤساء وزراء. ورؤساء الجمهورية.
لأول مرة دخل أبناء المصريين الفقراء السلك الدبلوماسي بعدما كان الالتحاق به مقصوراً علي أبناء الباشوات. وذوي الأصول التركية.
لأول مرة يلتحق أبناء المصريين الفقراء بالعمل في البنوك التي كان يملكها ويديرها الإنجليز وغيرهم من الأجانب. وجاء قرار عبدالناصر بتأميم وتمصير تلك البنوك ليعمل بها المصريون وليديروا دفة اقتصاد مصر.
أُذَكـِّر مَن لا يقرأ تاريخ مصر قبل الثورة. أو من يغفل أو يتغافل. أذكرهم بما قاله جمال الدين الأفغاني عندما رأي بؤس حال الفلاحين المصريين وهم غالبية الشعب المصري. فأخذ يستحثهم علي الثورة علي المحتلين الإنجليز. وطبقة الباشوات الذين استعبدوهم واستذلوهم واغتصبوا حقوقهم ونهبوا أراضيهم.
أخذ الأفغاني يثير حمية ويقظة الفلاح المصري فيقول له: “أيها الفلاح المصري.. لماذا لا تشق بفأسك رأس مغتصب أرضك. بدلاً من أن تشق هذه الأرض لتكون خيراتها لهذا المغتصب؟!!”.
أُذَكـِّركم بما قاله المندوب السامي البريطاني في مصر “اللورد كرومر” في مذكراته حيث وصف المصريين بالتخلف والانحطاط. وأن بلاده ما جاءت إلي مصر إلا لكي تنقذها من ذلك التخلف”.. وقد كان كاذباً. لأن بلاده ما أرادت للمصريين خيراً. ولكن احتلتها نهباً لخيرات مصر.
هنا أيضاً أُذَكـِّركم بدراسة الأب هنري عيروط.. وهو فرنسي الأصل. وعاش في مصر.. عن “الفلاحين المصريين” عام 1938 يقول فيها: “إن أطفال الفلاحين المصريين الذين كان يطلق عليهم أصحاب “الجلابيب الزرقاء” يتمتعون حتي الخامسة عشرة من عمرهم بذكاء يفوق أقرانهم في دول أوروبا. سرعان ما يتراجع هذا الذكاء ليحل محله البلادة والتخلف. نتيجة سوء التغذية”.
أُذَكـِّركم بأن الباشا التركي المقيم في مصر كان يطلق علي الفلاح المصري بأنه “فلاح خرسيس” تحقيراً وإهانة وإذلالاً لهذا الفلاح. الذي يعمل في أرضه. يكاد أن يكون بالسخرة. وبالسخرية أيضاً.
أُذَكـِّركم بأن حكومة الوفد تحت رعاية السيدة زينب الوكيل. زوج مصطفي النحاس. رئيس مجلس الوزراء أطلقت مشروعاً خيرياً للتبرع لمقاومة “الحفاء” عام 1945 لأن معظم المصريين كانوا يسيرون حُفاة الأقدام. فكان هذا المشروع يهدف إلي توزيع حذاء. وبتعبيرات عامية “جزمة” و”صرمة” و”مركوب”. الذي يلبسه الفلاح خصوصاً في قري مصر.
هناك مثل شعبي مصري يقول: “يا بوي” “أبي” شرَّفني. قال له: لما يموت اللي “الذي” يعرفني!!
ونواصل للتواصل في الجمعة القادمةإن شاء اللَّه.