“إِنَّ الَّذي مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِنًا * جَعَلَ الجَمالَ وَسرَّهُ في الضادِ”
كلمات ذات معاني عميقة وعريضة أطلقها أمير الشعراء أحمد شوقي يتغزل فيها باللغة العربية عام 1922 في حفل لتكريم المفكر والأديب اللبناني العربي أمين الريحاني على سفح الهرم . يومها رد الريحاني يتغنى بمصر قائلا :” مصر هي أكبر الشرقيات الباسمات للدهر..هي أول من بنى ركنا للعلم وبيتاً للحضارة.. وأول من شيد للحياة هيكلاً وللموت قصورا .. هي أول من أضرم في ليل الحياة نار الإيمان .. لها في الموت حياة، ولها في الحياة المآثر الخالدات”.
أستدعى هذا المشهد العربي الذي حدث قبل حوالي قرن من الزمان وبالتحديد منذ 96 عاما ، ونحن نعيش أجواء الإحتفالات الفقيرة باليوم العالمي للغة العربية المحدد له 18 ديسمبر من كل عام ، ليكون شاهدا على حالة التردي التي يعيشها العرب ولغتهم العربية. ففي عام 1922 تجمع قادة الفكر وأعلام الأدب وحراس اللغة العربية من مصر والوطن العربي لترسيخ فكرة العروبة والدعوة لتوحيد العرب ، أما حاليا فينكفئ كل على نفسه وداخل قطره الضيق ، طوعا أو كرها ، ليلعق جراحه. أما تردي اللغة العربية فيشهد بها كل شئ من حولنا ، نراها ونسمعها في إعوجاج ألسنة غالبية المذيعين والمذيعات والمدرسين والمدرسات ، حتى الكثير من الدعاة وأئمة المساجد . ونلحظها بوضوح في مداخلات الكثير من النواب، وفي المحاضرات بالجامعات ، وفي كتابات الأكثرية من الصحفيين والصحفيات ،. وفي الاسلوب الركيك للإصدرات الأدبية والعلمية.ونقرأها في لافتات المحال التجارية والمؤسسات المكتوبة في الغالب بلغات أجنبية ، ونسمعها في النعيق والإسفاف التي تعج به شوارعنا على مدار الساعة . وتضج بها الكتابات المشوهة المنتشرة على مواقع التواصل الإجتماعي.
وبمناسبة اليوم العالمي الـ 64 للغة العربية أدعو القراء الأعزاء والباحثين والمهتمين للتوقف عند تعريف اللغة العربية للدكتورعبد العزيز الدغيثر في دراسة بعنوان (نشأة اللغة العربية وتطورها وثباتها أمام التحديات) والذي يقول فيه : ” عُرِّفت اللغة بأنّها مجموعة من الأصوات التي تساعد الإنسان في التعبير عن متطلباته، ويختلف التعريف الخاص بحقيقة اللغة العربية عن تعريفها الوظيفي، أو تعريف علاقتها بالإنسان، حيث تظهر اللغة العربية كنتيجة لميزة العقل والتفكير، ممّا يجعل الإنسان مُميَّزاً عن باقي المخلوقات الأخرى “. فهي فعلا لغة التفكير والعقل يتضح ذلك من بحورها العميقة ومفرداتها الثرية ، وفي بلاغتها وقواعد نحوها وإعرابها وعلامات ترقيمها .
وتكستب اللغة العربية أهميتها الرئيسية من أنها لغة القرآن الكريم ، وأنها اللغة التي يقيم بها حوالي 1,5 مليار مسلم شعائرهم الدينية . فقد وردت جملة ” قُرْآنًا عَرَبِيًّا” حوالي 11 مره في القرآن الكريم .
فهل نفيق من النُّعَاس اللغوي ؟! .واختم برأي أبرز أدباء المهجر جبران خليل جبران الذي يعد من أساطين اللغة العربية رغم أنه هاجر إلى أمريكا مع أسرته عام 1895 وكان عمره 12 عاما وعاش بها حتى توفي عام 1931 والذي يصف حال اللغة العربية منذ عقود قائلا : “راود النعاس قوة الابتكار في اللغة العربية فنامت، وبنومها تحول الشعراء إلى ناظمين، والفلاسفة إلى كلاميين، والأطباء إلى دجالين، والفلكيون إلى منجمين “.
Aboalaa_n@yahoo.com