قبالة أرضنا شجرة جميز عتيقة ، ثمارها كبيرة الحجم ، ولذيذة الطعم ، كنا نأكل منها ونحن صغار، ونستظل بظلها ، وكنت أتأملها أحيانا ، فأشعر أن لها هيبة وجلالا ، كأنها عملاق عجوز ، حكيم ، شهد كثيرا من الأحداث ، وعرف كثيرا من الناس ، وصمد أمام تقلبات المناخ ، لا أحد يعرف كم عمرها ، أكبر المزارعين سنا يؤكد أنه وجدها كما هي اليوم منذ طفولته الباكرة ، ضخمة ، وارفة الظلال ، وافرة الثمار .
وشجرة الجميزة رغم ضخامتها ، فروعها ضعيفة ، قد ينكسر الفرع الكبير منها تحت أقدام من يتسلقها بكل سهولة ، وهذا ما حدث بالفعل ذات يوم ، حيث تسلقها شاب طيب محبوب ، ليلقي بثمارها إلى بعض الصبية الصغار ، فسقط من فوقها إلى الأرض مفارقا الحياة ، بعد أن انكسر الفرع الذي كان يحمله.
كانت حادثة مفجعة حقا ، حزن أهل قريتنا جميعا ، كان حديثهم لا ينقطع عن الحزن العميق الذي أصابهم بفقد هذا الفتى الشهم ، لكن العجيب أن شجرة الجميزة هي الأخرى حزنت لمصرع هذا الفتى ، فلم تظهر لها ثمرة منذ ذلك العام ، ربما شعرت أنها كانت السبب ، وأن هذا الفرع الذي ضعف تحت أقدام الفتى كان من الواجب عليه أن يكون أكثر صلابة وتماسكا ، حزنت شجرة الجميز العتيقة لتثبت أنها أكثر إحساسا ووفاء ونبلا من كثير من البشر .
كاتب المقال كاتب وباحث