ويركز مفهوم التنمية المستدامة على المواءمة بين التوازنات البيئية والسكانية والطبيعية، لذا تُعرف بأنها التنمية التي تسعى إلى الاستخدام الامثل وبشكل منصف للموارد بحيث تعيش الأجيال الحالية دون إلحاق الضرر بالأجيال المستقبلية. كما تعالج التنمية المستدامة مشكلة الفقر المتعلق بالسكان، لأن العيش في بيئة من الفقر والعوز والحرمان يؤدي الى استنزاف الموارد وتلوث البيئة. عليه فان التنمية المستدامة جوهرها الإنسان كما هو الحال مع المفهوم الأساسي للتنمية البشرية. وعليه فقد أضيف مفهوم التنمية المستدامة الى مفهوم التنمية البشرية ليصبح مفهوم التنمية البشرية المستدامة.
وهذه الرؤية الجديدة للتنمية التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير التنمية البشرية لعام 1993والتي تضع الإنسان في أولوية أهدافها وتصنع التنمية من أجله. قد عرف التنمية البشرية هي تنمية الناس من اجل الناس بواسطة الناس . وتنمية الناس معناها الاستثمار في قدرات البشر، سواء في التعليم أو الصحة أو المهارات حتى يمكنهم العمل بشكل منتج وخلاق. والتنمية من اجل الناس معناها ضمان عدالة التوزيع لثمار النمو الاقتصادي الذي حققوه توزيعاً عادلاً . وأما التنمية بواسطة الناس، أي إعطاء كل امرئ فرصة المشاركة فيها.
في هذا الإطار يعد مفهوم التنمية البشرية مفهوماً أكثر شمولاً وعمومية من مفاهيم أخرى ترتبط بها ومنها مفهوم “إدارة الموارد البشرية” الذي يُعنى أساساً بتعظيم استغلال طاقات الأفراد العاملين في مؤسسات بعينها، والسياسات والممارسات المتبعة في هذا الإطار.
كذلك، مفهوم “تخطيط الموارد البشرية” الذي يشير إلى وضع تصور لأهداف المجتمع أو المؤسسة مع العمل على خلق شبكة من العلاقات الارتباطية بين هذه الأهداف من ناحية، والموارد البشرية المتاحة وتلك المطلوبة لتحقيقها عددياً ونوعياً من حيث التخصصات والمهارات.
لم يتطرق تعريف التنمية الوارد في بداية الفصل إلى حقوق الأجيال القادمة التي تمتد لفترات أوسع من فترة خطط التنمية موضوعة بحث التعريفات السابقة، وفي جانب العلوم الاقتصادية الحديثة التي تناولها الاقتصاديون خلال القرن الحادي والعشرين جاء مصطلح التنمية المستدامة الذي لا بد من التعريج على مفهومه خاصة فيما يتعلق منه بحدود البحث في المنطقة العربية.
تضمن تقرير) Brandt land سمي هذا التقرير باسم السيدة Harlem Brandt land رئيسة وزراء النروج التي ترأست اللجنة الدولية للتنمية البيئية في سنة 1983) خلال العام 1987 لأول مرة مصطلح التنمية المستدامة والذي كان يقصد به التنمية على التسيير الجيد للموارد المتاحة بما يخدم الاجيال الحالية، مع عدم الرهن بمستقبل الأجيال القادمة. كان التقرير على أساس عمل مؤتمر (ريو/البرازيل) سنة 1992 الذي اهتم بشكل رسمي بهذا الموضوع من خلال المصادقة على (جدول أعمال القرن الحادي والعشرين) الذي أسس من الناحية النظرية مفهوم التنمية المستدامة.
أما قمة (جوهانسبورج) بجنوب أفريقيا في 4 سبتمبر 2002 فقد تم فيها تأكيد مفهوم التنمية المستدامة والمصادقة على خطة عاملة لدعم التنمية المستدامة للعالم في الألفية الجديدة.
ويعرف تقرير براندت لاند التنمية المستدامة بأنها تلبية حاجات الأجيال الحالية دون المساس بإمكانية تلبية حاجات الاجيال القادمة، وتعرف بأنها نتيجة تفاعل مجموعة في أعمال السلطات العمومية والخاصة بالمجتمع من أجل تلبية الحاجات الأساسية والصحية والإنسانية وتنظم تنمية اقتصادية لفائدته والسعي إلى تحقيق انسجام اجتماعي في المجتمع بغض النظر عن الاختلافات الثقافية اللغوية والدينية للأشخاص، ودون رهن مستقبل الأجيال القادمة على تلبية حاجاتهم.
ومن خلال التعريف الوارد أعلاه يمكن استخلاص عناصر التنمية المستدامة وهي:
• العنصر الاقتصادي (تحقيق النمو الاقتصادي، والتوزيع العادل للموارد والثروة)
• العنصر الاجتماعي (تحقيق تنمية اجتماعية بين مختلف فئات المجتمع)
• العنصر البيئي (المحافظة على البيئة وحمايتها)
• العنصر الثقافي (احترام التنوع الثقافي في المجتمع)
• العنصر المكاني (تحقيق توازن بين المدن والأرياف والتهيئة العمرانية)
وهناك مفهوم آخر للتنمية المستدامة يختلف كثيراً عما ورد مفاده أنها عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها، ويواجه العالم خطورة التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليه مع عدم التخلي عن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدل الاجتماعي.
وفيما يتعلق بالوطن العربي فإن هناك جملة معوقات لتنفيذ التنمية المستدامة كما هو الحال في وجود معوقات أو محددات للتنمية عموماً ومنها:*
• عدم الاستقرار في المنطقة العربية الناتج عن غياب الأمن القومي.
• مشكلة الفقر وزيادة حدة الأمية والبطالة والمديونية.
• استمرار الازدياد السكاني في المدن وزيادة هجرة الأرياف إلى المناطق الحضرية.
• زيادة الضغوط على المرافق والخدمات الحضرية وتلوث الهواء وتراكم النفايات.
• تكرار ظاهرة الجفاف وزيادة التصحر.
• النقص الحاد في الموارد المائية وتلوثها وندرة الأراضي الصالحة للزراعة ونقص الطاقة غير المتجددة في بعض الأقطار العربية.
• حداثة تجربة المجتمع المدني وعدم مشاركته الفعالة في وضع استراتيجيات وبرامج التنمية المستدامة وتنفيذها.
• البيئة السياسية.
• غياب حقوق الإنسان في كثير من البلدان العربية وحقوق المرأة السياسية.
• العولمة وآثارها التي تحد من إمكانية تحقيق التنمية المستدامة.
إن معالجة الفقر وتحسين مستوى المعيشة وتوفير الغذاء والدواء اللازم، يعمل على تهيئة بيئة ملائمة قادرة على العطاء يمكن لأفرادها إعمال الفكر وتوظيفه في خدمة أهداف التنمية وبلوغ غاياتها. إن الإبداع والابتكار يحتاج إلى بيئة توفر أدوات لعصف الفكر والعقل البشري من خلال بسط ميدان رحب للبحث العلمي يستوعب الإبداعات ويستقطب الابتكارات. وتستفيد الدول المتقدمة من إمكانات وقدرات المبدعين والمبتكرين على مستوى العالم وتعمل على تحقيق التنمية الشاملة لشعوبها، التي بدورها تنعكس على تحقيق الأمن والاستقرار وزيادة الرفاه الاجتماعي.
بينما تعاني الدول النامية من الفقر وانخفاض مستوى المعيشة وتردي الخدمات، وبالتالي لا يمكن تلبية المتطلبات الأساسية في ظل ضعف وانخفاض معدلات التنمية التي بدورها تنعكس على عدم الاستقرار واختلال الأمن وتفشي الظواهر الإجرامية نتيجة لأن دور البحث والتطوير هامشي في هذه الدول.
تؤدي ثقافة أفراد المجتمع ووعيهم بأهمية المعلومات دوراً هاماً في توضيح فكرة مجتمع المعلومات، فالثقافة هي أهم عوامل التغيير في المجتمع. فعلى سبيل المثال نجد أن هناك ارتباط بين درجة انتشار استخدام تكنولوجيا المعلومات وبين حدوث تبعات ثقافية قد يظهر مردودها في طرق التفكير والأداء العملي في بيئة استخدام روافد معلوماتية أخرى، ويجب أن تبدأ هذه الثقافة للوعي المعلوماتي منذ الصغر أي أن يتم تنمية هذا الوعي لدي أفراد المجتمع منذ المراحل التعليمية الأولي وذلك لأنه استثمار لا ينتهي.
لذا فإن أعظم وأقوى استثمار يجب أن تتبناه المجتمعات هو استثمار في قدرات ومهارات مواطنيها لأنه استثمار دائم بدوام هذه الدنيا وأي استثمار غيره سيكون معرضاً للزوال أو لتناقص قيمته، فمثلاً الموارد الطبيعية تزول وتتناقص قيمتها … وما إلي ذلك، وبالتالي فإن أول خطوة يخطوها المجتمع في طريق تحوله إلي مجتمع المعلومات يجب أن تبدأ من التربية والتعليم.
فالمعرفة هي عماد التنمية وهي بوابة العبور الى مستويات التقدم التي ننشدها جميعا. فالمعرفة تنعكس على تطور الاقتصاد والسياسة والمجتمع بأسره وعلى كافة جوانب النشاط الانساني ولقد لعبت المعرفة على مر العصور دوراً حاسماً في صعود الامم وهبوطها وصياغة توجهات الحاضر والمستقبل.
ورغم تعدد التعريفات والاقتراحات لمفهوم التنمية البشرية فأنها جميعاً تتضمن مفهوم أساسي وهو إتاحة أفضل الفرص الممكنة لاستغلال الطاقات البشرية المتاحة من أجل تحقيق مستوى رفاهية أفضل للأفراد. فالبشر هم الهدف الأساسي للتنمية البشرية، وهم أيضاً الأداة الأساسية لتحقيق هذه التنمية. كما أن التنمية بهذا المعنى لا تعنى فقط زيادة الثروة أو الدخل للمجتمع أو حتى الأفراد وإنما النهوض بأوضاعهم الثقافية والاجتماعية والصحية والتعليمية وتمكينهم سياسياً وتفعيل مشاركتهم في المجتمع وحسن توظيف طاقاتهم وقدراتهم لخدمة أنفسهم ومجتمعاتهم. كما ان ضعف القدرات البشرية نقيض للتنمية، فهو أشد وطأة وأكثر تأثيراً على كل مناحي الحياة لأنه يحد من قدرات المواطنين والمجتمع ككل على الاستخدام الافضل لمواردهم الانسانية والمادية على حد سواء.
ويعتمد مجتمع المعرفة في الأساس على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باعتبارها أدوات أساسية للتغيير، ويجتاز الحدود التقليدية عن طريق توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كوسيطٍ يسرّع ويعزّز عملية التغيير في كافة جوانب المجتمع؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية والصحية والتربوية والثقافية، وذلك في سبيل إنتاج وتنظيم وتطبيق المعرفة.
أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من شأنها أن تساهم في تعزيز التنمية من خلال مساهمتها في تطوير الاداء وتحسين نوعية الخدمات في كافة المجالات الاجتماعية، وكذلك في المشاركة ونشر المعرفة والوعي وتحقيق النمو الاقتصادي، والانفتاح على السوق العالمية، وتطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الانسان. الا انها في المقابل، يمكن لها أن تزيد التفاوت في الدخل، وتوسع الفجوة بين الدول.
إن المعرفة لا تنشأ من فراغ؛ بل هي وليدة عوامل اجتماعية ثقافية تاريخية تؤثر في بناء المجتمع معرفياً، وقدرته على إنتاج المعرفة وتوظيفها بكفاءة في جميع نشاطاته للارتقاء بمستوي الإنسان وإيصاله إلى مرحلة العطاء الكفء، وفهم معادلات الحياة واستعمالها لبناء مجتمع أفضل؛ فأن المعرفة هي السبيل الوحيد لبلوغ هذه الغاية، وهي في حد ذاتها الأداة المحركة للعنصر البشري لتحقيق حريته ورفع قيمته، وتحوله من التخلف إلى التقدم.
دكتور القانون العام ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان