فى بداية التحاقى بالقسم الاقتصادى فى الأخبار منتصف الثمانينيات كان المسئول عن القسم هو الأستاذ جميل جورج متعه الله بالصحة والعافية وهو أشهر محرر اقتصادى عرفته الصحافة المصرية بل والعربية، والوحيد الذى كان يقترن اسمه عند نشره لأى موضوع اقتصادى بتخصصه الذى برع فيه فكانت الجريدة تنشر اسمه: كتب جميل جورج المحرر الاقتصادى للأخبار. كلفنى الأستاذ جميل فى بداية مشوارى الصحفى بتغطية أخبار وزارة المالية. معروف أنها من أصعب الوزارات لخطورة مايرتبط بها من قرارات تمس حياة كل مواطن. لذا كان التعامل الصحفى مع وزراء المالية من الصعوبة بمكان.وكان الحصول على خبر أو سبق صحفى يحتاج إلى جهود غير عادية وظل الأستاذ جميل يشجعنى لتثبيت أقدامى فى الوزارة خاصة بعد أن تولى حقيبتها الدكتور محمد الرزاز رحمه الله أشهر وزير مالية والذى تولى الوزارة عشر سنوات تقريبا من 1986إلى 1996 وكان الدكتور الرزاز مصدرا حيوياً لرسامى الكاريكاتير بقيادة مصطفى حسين مع كلمات الرائع أحمد رجب وكان القراء ينتظرون الأخبار كل صباح ليستمتعوا بكاريكاتير الأخبار الذى يتناول كل مايصدر عن الدكتور الرزاز من قرارات.
كان الدكتور الرزاز رغم بشاشة وجهه وابتسامته التى يلقى بها كل الصحفيين بخيلا جدا فى إمداد الصحفيين بما يحتاجونه من بيانات أو شرح للقرارات. ورغم ذلك لم يضق يوما بالنقد ولا برسوم الكاريكاتير التى كان يحتفظ فى مكتبه بعدد كبير منها. أذكر مرة من المرات الكثيرة التى استقبلنى فيها فى مكتبه دون أن أخرج منه بخبر للنشر طلب منى أن أطلب من الأستاذين الكبيرين أحمد رجب ومصطفى حسين أن «يخفوا عليه شوية» حسب تعبيره ليس لأنه ضاق بما يرسمانه ويكتبانه عنه ولكن فقط لأن بنته كانت تعود من المدرسة كل يوم باكية من قريناتها اللائى كن يمسكن بالأخبار ويقلن لها: شفتى باباكى مكتوب عنه إيه فى الأخبار النهاردة؟. طبعا فى ذلك الوقت لم أكن لأجرؤ أن أتحدث مع أساتذتى أصلا فكيف يمكن أن أبلغهم برغبة الدكتور الرزاز فطلبت من الأستاذ جميل أن يتولى المهمة، ومن بعدها أصبح الرزاز ومصطفى حسين وأحمد رجب أصدقاء، ومع ذلك لم يتوقف الكاريكاتير الساخر عن الرزاز يوما واحدا خاصة بعد أن تحدث أحمد رجب مع ابنة الرزاز وأفهمها أن أباها شخصية عامة قابلة للنقد لما يصدره من قرارات لا لشيئ يمس شخصه أو سمعته.
المهم بعدها أننى تركت تغطية وزارة المالية وكنت أتابع مشفقا زملائى الذين تولوا تغطيتها سواء فى الأخبار أو من الصحف الأخرى. وتولى مسئولية الوزارة بعد الرزاز تسعة وزراء كانت علاقتهم بالصحافة تتأرجح مابين الإيمان بدورها ومابين النظرة القديمة التى تفضل عدم التعامل مع الصحفيين من باب إبعد عن الشر وغنيله، حتى جاء 2018 وزير المالية الحالى الدكتور محمد معيط الذى أشهد من خلال متابعتى للزملاء أنه وزير من نوع خاص لم يغلق مكتبه ولا تليفونه يوما فى وجه أى صحفى. يتلقى أى أسئلة بصدر رحب ويجيب عنها بكل بساطة ووضوح ولا أخفى سرا أننى كثيرا ماتمنيت أن تعود عجلة الزمن للوراء لأقوم بتغطية وزارة المالية مرة أخرى بشرط أن يكون الدكتور محمد معيط وزيرا لها وكنت أحسد زملائى على وجود وزير مالية بهذا الإدراك لأهمية دور الصحافة. ويبدو أننى لم أقم بتحصين زملائى من عين الحسود حيث عرفت مؤخرا أن الدكتور معيط منع عددا من الصحفيين من دخول الوزارة لأنهم كتبوا أشياء لم تعجبه.فحتى يادكتور معيط لو كان هناك خطأ وهو أمر وارد فكنت أتوقع أن تتصل بالزملاء كما عودتنا لتشرح لهم عدم صحة ماكتبوه ولا أعتقد أن أياً منهم كان سيرفض نشر توضيحك.أتمنى يادكتور معيط أن تعيد تصحيح الوضع فإذا كان وزير المالية فى كل زمان ومكان هو شخص لا يحبه الناس ولا الصحفيون فأزعم أنك وزير المالية الوحيد فى العالم الذى يحبه على الأقل الصحفيون، وأتمنى من كل قلبى أن يحافظ على هذا الحب فهلا فعلت يادكتور؟