تمر عملية رسم السياسة العامة بمراحل تختلف من دولة الى أخرى في طبيعتها وطولها وتعقيدها وفقاً لعوامل كثيرة اهمها النظام السياسي ونظام الحكم في كل منها. فنظام الحكم والسياسة في كل دولة هو الذي يحدد كيفية رسم السياسة العامة, ثم يصف دور الافراد والجماعات غير الرسمية في تحديد المشكلة وطرحها على الحكومة, وفي استخلاص الحلول البديلة والاختيار من بينها,
ويعين القنوات التي يمكن عن طريقها للإفراد والجماعات تنفيذها والتي قد تحدث تأثيرا في اجراءات العمل الحكومي وفي اصحاب سلطه اتخاذ القرار السياسي الرسمي بما يترتب عليه تبني حلولاً جديدة .
ومن الاهمية الوقوف على سير تنفيذ السياسات العامة ،حيث تقع في مقدمة اهداف السياسة العامة تحقيق المصلحة العامة والتي تنطوي على تحقيق الفوائد المادية وتتضمن ايضاً الافكار والمبادئ والقيم المعنوية. وان العلاقة بين المصلحة العامة والسياسة العامة علاقة ترابطية متلازمة انطلاقاً من ان مهمة الحكومة مركزية كانت ام محلية يجب ان تكون دائما في خدمة وحماية الصالح العام.
يعتبر التمويل المحلي من الضروريات اللازمة والأساسية لقيام التنمية المحلية، حيث تتطلب هذه الأخيرة تعبئة أكبر قدر ممكن من الموارد المالية المحلية، ويعرف التمويل المحلي بأنه كل الموارد المالية المتاحة والتي يمكن توفيرها من مصادر مختلفة لتمويل التنمية المحلية بالصورة التي تحقق أكبر معدلات لتلك التنمية عبر الزمن، وتعظم استقلالية المحليات عن الحكومة المركزية في تحقيق التنمية المحلية المنشودة.
ولتنمية الموارد المالية فإنه يجب توسيع سلطات الوحدات المحلية في الحصول على إيراداتها الذاتية، وأن يكون لكل منها موازنة مستقلة، يتم إعدادها على المستوى المحلي، بحيث يتم ترشيد الإنفاق العام، وتطوير القدرات الفنية والإدارية للعاملين، وإعداد الدراسات الفنية والاقتصادية وتهيئة المناخ المناسب للاستثمار، وتنظيم الجهود الذاتية الخاصة بالأفراد والقطاع الخاص، ودعم اللامركزية المالية من خلال توسيع صلاحيات الوحدات المحلية في فرض الضرائب والرسوم في إطار ضوابط مركزية
وينبغي التأكيد أيضاً على أن الدولة، بموجب القانون الدولي العام، وإذ تمثلها الحكومة المركزية، مسؤولةٌ عن جميع الأفعال الصادرة عن جميع أجهزتها ووكلائها
وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من المبادئ المنطبقة، وفقاً للقانون الدولي العرفي، عندما يتعلق الأمر بمسؤولية الدولة أيّاً كان تنظيمها الداخلي. أولاً، لا ينظم القانون الدولي عموماً هيكل الدولة، ولا وظائف أجهزتها، ولا حتى مجرد تحديد مكوناتها. ويقع ضمن الاختصاص السيادي للدولة أن البتّ في طريقة هيكلة إدارتها وفي الوظائف المسندة إلى حكومتها المركزية و/أو المحلية. ولكن، رغم أنّ الدولة تظل حرةً في تحديد هيكلها الداخلي ووظائفها من خلال قوانينها وممارساتها ، فإن سلوك مؤسساتها وتقسيماتها الإدارية التي تؤدي وظائف وتمارس صلاحيات عامة يُنسَب إلى الدولة حتى لو كانت تلك المؤسسات، في نظر القانون المحلي، تتمتع بالاستقلال الذاتي و/أو كانت مستقلة عن الحكومة التنفيذية المركزية.
إن تفعيل دور المجالس المحلية وتصحيح مسارها هو شرط أساس للقيام بالدور المناط بها، ومن هنا لا بدّ من تعديل قانون المجالس المحلية لتحقيق اللامركزية والتخلص من بيروقراطيتها، ولا بدَّ من التعديل الذي يسمح بانتخاب كامل أعضاء المجالس المحلية ويدخل في ذلك منصب المحافظ وجميع المناصب الأخرى في إطار هيكلية المجالس المحلية كي لا تفرَّغ الديمقراطية من محتواها،
ولا بد من توسيع وتحديد صلاحيات المجالس المحلية وتزويدها بالموارد المادية الكافية والموارد البشرية الكفؤة والمؤهلة والقادرة على تحمل المسؤولية دون تمييز بين ذكر وأنثى، ونحبذ تبني مبدأ التدخل الإيجابي لتقليص الفجوة الهائلة بين عدد عضوات وأعضاء المجالس المحلية التي لا تتجاوز نسبة تمثيل النساء فيها عن 1%، وقبل هذا لا بدَّ من الالتزام الجادّ والمسؤول بالنهج الديمقراطي الصادق الذي ولَّد مشروعاً وطنياً من رحم الوحدة الوطنية المصرية لا بد من ترسيخ حرية الرأي والتعبير وتوسيع دائرة المشاركة والمحاسبة والمساءلة لمطاردة خفافيش الظلام وتجفيف منابع الفساد والإفساد وإقامة العدالة واحترام الحقوق والحريات الفردية وتعزيز دور المؤسسات الدستورية وبناء دولة القانون والنظام والالتزام بذلك من قبل الجميع مؤسسات رسمية وأفراد على حدٍّ سواء.
صحيح أن السلطة المركزية تخلت عن سلطتها ذات الطابع المحلي لصالح الوحدات الإدارية المحلية، ولكنها احتفظت بحق الرقابة والإشراف عليها حتى تضمن أنها تسير بالشكل الذي يتناسب مع السياسة العامة والمصلحة العامة للدولة، ومن المعروف أنه عادة ما يوجد نص قانوني يبين به اختصاصات وصلاحيات الإدارة المحلية ومن خلال ذلك النص يتم تحديد النوعية والكيفية التي يتم فيها رقابة السلطة الموازية،
“أنه لا يمكن للإدارة الموازية أن تصل في رقابتها على الإدارة المحلية إلى حد إصدار الأوامر آما هو الحال في الرقابة الرئاسية ذلك أن ممارسة سلطة إصدار الأوامر تصطدم باستقلال الإدارة المحلية وتمس جوهر اللامركزية نفســـه” فالرقابة إذا تكون ضمن الفلسفة الأساسية التي ينص عليه مبدأ اللامركزية الإدارية وأن لا يخرج عن ذلك المفهوم حتى تبقى الإدارة المحلية متمتعة باستقلاليتها. وإذا آتت الرقابة والإشراف والتعاون رآنًا من أن وجود نظام للإدارة المحلية ومقوماتها حسبما اتفق عليه الباحثين ، فإن هناك مجموعة من الأهداف تتوخاها الحكومة الموازية لمنفعة وخدمة المواطنين من أهمها
1 -تأييد الوحدة السياسية والإدارية للدولة باعتبار أن الإدارة المحلية ما هي إلا نظام فرعي من
النظام العام للدولة وأجهزتها.
-2 التأييد على أن الإدارة المحلية تعمل وفق القوانين والأنظمة التي تصدرها الحكومة الموازية
إضافة إلى أن قرارات المجالس المحلية تكون موافقة ومطابقة لهذه القوانين والأنظمة، وذلك
حماية للجميع، الحكومة الموازية والإدارة المحلية والمواطنين.
-3 التأييد على أن الإدارة المحلية تقوم بواجباتها ووظائفها في نطاق الحد الأدنى المطلوب
وبدرجة من الكفاءة والفاعلية، وذلك من خلال اطلاع الحكومة الموازية على موازنة الإدارة
المحلية التي تعتبر مؤشرًا أساسيًا من مؤشرات أدائها العام .
-4 ضمان حسن سير الخدمات المحلية وقيام الإدارة المحلية بتأديتها بكفاءة وفاعلية، ووضع معيار لنوع ومستوى ا لخدمات المطلوب تقديمها للسكان وبتعاون وثيق بين الإدارة المركزية والإدارة المحلية، بما يكفل لهما اكتشاف نقاط الضعف وتعديلها للأحسن.
ومن ناحية أخرى فإنه لا يمكن اعتبار الحكم المحلي مرحلة متطورة للامركزية الإقليمية، فكلا الاصطلاحين يعبران عن أسلوب واحد، غير أن تسمية الحكم المحلي هو أكثر عراقة وانتشاراً للدلالة على اللامركزية الإقليمية أو الإدارة المحلية، والنظام المحلي الإنجليزي هو أول من عرف هذا المصطلح. وهو السبَّاق في الأخذ به وتطبيقه من بين النظم المحلية العالمية.
ونصل في نهاية هذه الورقة إلى القول مع غالبية الفقه، إن تسمية الإدارة المحلية أو “الحكم المحلي” في مجال اللامركزية الإدارية هي اختلاف في التعابير والاصطلاحات، وليس العبرة في تسمية قانون التنظيم الإداري بقانون الإدارة المحلية أو قانون الحكم المحلي وإنما العبرة بطبيعة الاختصاصات التي يتضمنها القانون، وتوزيعها بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية، ومدى حجم وطبيعة سلطة المحافظ باعتباره ممثل السلطة المركزية من جهة ورئيس الإدارات المحلية في بعض النظم الإدارية – ومنها اليمن – من جهة أخرى.
كما أن النصوص القانونية لاشك في أهميتها، ولكن يجب تحليلها وبيان الاختصاصات الأصلية، وأهم من ذلك ما جرى العمل عليه من احترام للاختصاصات الموزعة طبقاً للدستور أو القانون، فإذا كانت النصوص القانونية ترجح كفة اللامركزية الإدارية في التنظيم الإداري، فإن السلطة التنفيذية “الحكومة المركزية” تملك وسائل وأساليب وأجهزة تفرغ هذه النصوص من مضمونها الديمقراطي، وبما أن تسمية الحكم المحلي قد تثير التباساً مع نظام اللامركزية السياسية، لذا بات من الأفضل اعتماد تسمية “الإدارة المحلية” كاصطلاح علمي وعملي للتعبير عن اللامركزية الإدارية الإقليمية والاستغناء عن استعمال تعبير “الحكم المحلي” أو أية تسمية أخرى قد تتعارض مع المفاهيم القانونية والإدارية التي أوضحنا ها.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن قانون السلطة المحلية رقم (4) لسنة 2000م المعدل قد سمى الوزارة التي تشرف على الهيئات المحلية بوزارة الإدارة المحلية ونعتقد أن هذه التسمية هي الأدق في نظرنا أما الحكم المحلي فهو الاصطلاح العام الشائع خطأ لذات أسلوب الإدارة المحلية نظراً لعراقة استخدامه في أقدم النظم الإدارية في بريطانيا مع أن التسمية في النظام الإنجليزي تعود إلى اعتبارات تاريخية محضة.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان