التربية في عمومها تعمل على تعديل سلوك الفرد؛ ومن ثم تهيئه للحياة؛ حيث تمكنه من اكتساب خبرات متنوعة يستطيع من خلالها أن ينغمس في مسارات العمل بتنوعاته المختلفة؛ فيصبح قادرا على الإنتاج، والعطاء، ولديه طموحات وتطلعات تتمخض من رغبته في الإعمار، ناهيك عن حب إضافته لحضارته التي يستمد منها ثقافته بما فيها من قومية اللغة ومسك القيم وعبق الخلق القويم والعادات التي تُعد ملهمة للأجيال تلو الأخرى.
وعندما غزا الذكاء الاصطناعي كافة المجالات، غدا التعليم برمته متأثرًا بصورة كبيرة لا يستهان بها بأدوات وتطبيقات هذا الذكاء المصطنع، وهنا يتوجب أن نضع ميثاقًا يضمن تعزيز النسق القيمي لدى منتسبي المؤسسة التعليمية، ويصبح سياجًا منيعًا يقي من كافة المخاطر بصورها المتباينة، ويبدو ذلك جليًا عند استخدام وتوظيف مفردات التقنيات وأدواتها وتطبيقاتها.
إن حتمية قيم الذكاء الاصطناعي في البيئة التعليمية تكمن في ضمانة تكوين بني معرفية سليمة وتشكيل وعي صحيح وسلوك قويم ووجدان نقي غير مشوب؛ ومن ثم نتجنب كل ما من شأنه يضير أو يؤثر سلبًا على سلامة الفكر والإدراك بأنماطه المختلفة، وهذا يجعلنا نبحر دون خوف أو خشية أو وجل، وننهل من نضج الثمرة التي تفيض بالفائدة وتكتسي بجميل القيم.
وتساعدنا قيم الذكاء الاصطناعي في تنشئة جيل يمتلك وجدان راق، والذي يُعد أحد المكونات الرئيسة لدى الإنسان، ويتضمن في مكنونه الغائر مشاعره، وانفعالاته، وميوله، واتجاهاته، وذوقه وتذوقه، وعقيدته، وقدرته على التكيف مع نفسه والآخرين، ومظاهر فرحه، وحبه، وكرهه، وحفاظه على عاداته، وصور تعاونه، وتعامله مع ما يحيط به من مظاهر الأشياء، وظواهرها.
وهذا الوصف الدقيق يعبر عما نتطلع إليه جراء توظيف واستخدام أدوات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خضم مفردات العملية التعليمية بكافة تفاصيلها، ولا يخفى علينا أن هناك بحوث ودراسات متعددة ومتنوعة خرجت بنتائج تشير إلى أن انغماس الفرد مع التقنية قد يفقده كثير من الشعور بمن حوله؛ حيث ماهية التوحد مع الآلة، وهذا قد لا أسلم به على الأطلاق؛ حيث اعتقد أن الإنسان قد يجد ضالته عندما تسنح له فرصة التعامل المفرط أو المحدد معها.
وهنا يجب أن ننظر لوجه الاستفادة وأوجه الضرر عندما لا نهتم بغرس منظومة القيم النبيلة التي حتمًا تزيد من مقدرة الإنسان على التعامل الآمن، بل وتجعله يتمكن من أن يوظف محاسن وثمرات الاستخدام والتوظيف في حل المشكلات والتغلب على التحديات المحيطة به أو التي قد ترتبط بمجال تعلمه أو تخصصه الأكاديمي أو المهني، ووصول الفرد لهذا المستوى من الرقي في التعامل لا ينفك عن امتلاكه القيم النبيلة التي نؤكد عليها؛ حيث يصعب أن يجتمع الغث مع الثمين.
إن مزامنة الإنسان لمنظومة القيم النبيلة في البيئة التعليمية عند توظيف واستخدام أدوات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أنشطة التعلم تجعله يحمل اتجاهات إيجابية وميول نحو حب العلم وشغف تحصيل معارفه الجديد منه والأصيل، كما أن هذا ينعكس على ما يصدر من ممارسات وتصرفات وأداءات تتناغم مع ما نبتغيه من صلاح وإصلاح في القول والعمل، بل وتتوافق مع مدخلات الابتكار التي تغير كافة مجالات الإنتاج لما هو أفضل وبما يتناسب مع عصر الفضاء المنفتح والمتسارع في عملياته ومخرجاته.
وأرى أن جدوى قيم الذكاء الاصطناعي في البيئة التعليمية نشاهدها أو نرصدها بداية من مدخل العمليات التعليمية وأثناء التفاعلات وعند خروجنا بنتاج هذه العمليات، وعبر هذا المسار المحدد والموقوت بزمن نرى تمكن إنسان من أن يوظف ملكاته ومهاراته الناعمة منها والخشنة في الوصول لأقصى درجات الاستفادة من كافة الأدوات والتطبيقات التي يفرزها الذكاء الاصطناعي بصورة متجددة مع تعزيز ماهية التعامل الآمن عبر الشبكة الدولية ومواقعها الالكترونية المختلفة من خلال الأجهزة الذكية المتنوعة.
وعلى أية حال لا تنفك صورة قيم الذكاء الاصطناعي عن منظومة قيمنا النبيلة والتي منها تحري المصداقية وانتهاج المعيارية في الحكم على الأمور وفي تناول القضايا وإشاعة المحبة والسلام والوئام ونفع الغير والإيثار وتبادل الخبرات وكل ما هو مفيد ويصقل مجالات التعلم والعمل بجد وإتقان وتفان لبلوغ الهدف المنشود ورقي التعامل والتمسك بكل خلق قويم يعضد العلاقات الاجتماعية وينمي أواصرها وروابطها بين الأسرة والأقران والجيران، بل وسائر أطياف المجتمع، إلى غير ذلك من قيم يصعب حصرها في هذا المقام الضيق.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر