كان الكهل جالساً تحت جذع جميزة لأخذ قسطٍ مِن الراحة و أمامه أولاده الأشداء يحرثون و يزرعون . و بينما هو يتأمل أحفاده حوله يرتعون و يلعبون عاد بذاكرته إلى أيام شبابه ، يومَ مَرَّت ثلاثة أيام على رحيل أبيه .
و حينها تذكر تلك اﻷم القوية ، و هى تسير بجواره و هو ابنها الوحيد بين الحقول حاملةً له على رأسها الطعام و الماء .
و عندما وصلا إلى أراضيهما ، تذكر لحظة رأى كم هى شاسعة أراضى أبيه ، فأوجس فى نفسه خيفة أن يعجز و لا يستطيع الحرث و الغرس و اﻹنجاز . و تسمر فى مكانه و أنزل الفأس مِن فوق كتفه .
و بدون أن يدرى تهاوى فأسه على الأرض و كأنما الإحباط الذى أصاب صاحبه قد انتقل إليه .
و لكنها اﻷم تقرأ المكنون و كأنه مكتوبٌ و مَقروءٌ . لقد قرأت الوهن فى عينيه ، فاتجهت نحوه باسمةً ثم ناولته الفأس ، و هزَّت كتفه العفية مشجعةً و مانحةً له الهِمَّة و العزيمة و هى تقول له :
(يا ولدى لا تهن ، فَجبالُ الكُحل تفنيها المراود) .