الظاهرة التي تستحق الالتفات إليها باهتمام أن “جماعة حسن الساعاتي البنَّاء” لم تستطعْ؛ ولن تستطيعَ أن تنتج عقولاً تفكر وتطور خطابها الفكري أو السياسوي بعد “حسن البنَّاء” ـ الذي جرى قتله بوساطة تنظمه الخاص ـ اتِّباعاً لما خَلَفَه من كُتب (مُقَدَّسة) أسَّست لمبادئ الجاهلية والعزلة الشعورية؛ وتسبب في تجسيد أسوأ المشروعات السياسوية الضارة بصورة الإسلام دين السماحة والرحمة.
ومن مُربع حسن الساعاتي البناء يأتي “سيد قطب” برصيده المحكوم في التفكير بماركسيته الأولى؛ ثم انقلابه للاندماج في المحفل الماسوني؛ وبعدها الانضمام للجماعة المتأخونة؛ والذي يُعزى له دوره فى تنظيم 1965 الخاص وفلسفة تبريره لاستخدام العنف ضد الدولة؛ وكيف تحول من عضو عادى إلى قيادى فى ذلك التنظيم؛ ونقله من الدَّعَوي إلى الحَرَكي الذي يُرسِّخ فعل العنف والقتل.
وفي المربع ذاته يقف “يوسف القرضاوي” مُفتي التكفير عبر فتاواه الشاذة بجواز قتل المسلمين؛ ومصفوفة كتبه الدَّالة على منهجه المريب في النظر لكل الأمور؛ وسعيه لتعميم ذلك بتأسيسه ما يُسمى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وهم من المتأخونين.
وكذلك حملت الهوية السياسوية المتأخونة قلةٌ قليلةٌ مِنْ بعض أسماء مَنْ تبنوا المشروع السَّاعاتي في العديد من أقطار العالمين العربي والإسلامي؛ ليكونوا ممن اندرجوا في القطيع ذاته؛ محاولين أن تكون لهم رسائل مكتوبة.
إن هذه الظاهرة في حقيقتها دالةٌ على تَهَافُت “الدَّعوة الساعاتية” المتأخونة في الأساس؛ وتكشف ماضويتها الفكرانية؛ والتي “تُقَدِّسُ” ما هو “غير مقدس”؛ باعتبارها مُنطلقة من محاولة شخص (حسن الساعاتي) أن يُروج لمشروع في ظَاهِرِهِ مُخادع يُعطي الإيحاء بأنه يروج لعقيدة الإسلام؛ فيما هو مشروع مُخادع يتمسح في أثواب العقيدة؛ ويروج لما سُمي “إسلام الخلافة”، أي “إسلام الممالك”؛ تكويناً يحاولون استخراجه من بئر التاريخ وإعادة تخليقه؛ وقد تغيرت ظروف العالم وأبنيته السياسوية والاقتصادوية والتي لم تعد تقبل بدولة “عقدية الهوية” على نسق “الدولة اليهودية” النموذج المُؤثر في “وجدانيات” تصورات الساعاتي البناء.
لذلك لم تجد تلك الجماعة المتهافتة مع ضحالة تكوينها البشري الراهن؛ سوى وسائط التواصل الاجتماعوي( فيسبوك وإكس/ تويتر وانستغرام) لإثبات حضورها؛ وتلويث ذلك الفضاء بصراخهم الثُّغائي غير المنبني على دراسات تحليلية علموية؛ وإنما بإشاعة أجواء من الضجيج الشعبوي؛ اعتماداً على ضحالة تفكير الجموع الشعبوية.
ومع توقف الجماعة عن إشهار ما يُدل على تطوير أفكار أفرادها بإصدارات ورقية أو اليكترونية تتيح للعقل القارئ إخضاعها لجهود القراءة وتفكيك الخطاب؛ ليس هناك سوى ثلاث نوعيات في ذلك الفضاء: “تدوينات فيسبوك، وتغريدات X تويتر، ومقاطع يوتيوب من البرامج التلفازية”. وخطابُها منحصرٌ في اصطلاحات متهافتة تحريضية؛ تستهلك بإفراط مَرَضَيِّ تعبير “الثورة”!
إن تفكيك خطاب وحركة الجماعة المتأخونة يكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن احتكارها لـ “اصطلاح الثورة” الغريب عن نسيج خطاب حسن الساعاتي المؤسس؛ لا يُمكن أن يُخفي “المسكوت عنه” الذي تُضمره هذه الجماعة وهو فعل “الفوضى”:
** فما تسميه تلك الجماعة المتأخونة ” ثورة ” في خطابها يُعدُّ في حقيقته غِطاءً مُخادعاً؛ يوفر لها شروط “القفز الانتهازي” على ثقل كتل التجمهر؛ وبالتالي احتكار حصاد ما يتحقق عبر الضغط الجموعي، أو ما تتمناه من نتائج تؤدي أو تقود إلى هدم نظام ” الدولة الوطنية ” في المنطقة، وهو مستهدفها الاستراتيجوي الحقيقي كجماعة عقدية متسيسة.
ولعل ما ذكره “صلاح عبد الحق” القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، والمنشور في موقع الجماعة الإليكتروني يؤكد ذلك الهدف بقوله: “كان دائما الإمام البنا يقول: إن الانتصار ليس في سَخاء الأمم بدمائها وأوقاتها، وإنما في الكفايات العالية التي تدير تلك الدماء والأوقات”؛ والمقصود هنا معروف بتحديد قيادات الجماعة الذين يُديرون الأمور للتمكين.
** إن “الثورة” المُدَّعاة، أو “الفوضى” المستحدثة في حقيقتها؛ لن توفر البيئة المناسبة في المجتمع لاستخلاف سلطة وطنية بديلة عن السلطة القائمة؛ بل ستقفز هي كجماعة ذات “طقوسية ماسونية”؛ عبر دورها المرسوم لتكون حسب ” فقه التقية ” أداةً خادمةً لنظام الرأسمالية العولمية؛ والمشاركة بالمساهمة في تفتيت المنطقة العقائدية، وفق ” سيناريو الشرق الأوسط الجديد ” لتتحول إلى “غيتوات” و”زنقات عرقية” و”مذهبية”؛ متناقضة ومتصارعة تتربع في قلبها “الدولة اليهودية” وعلى مسافة منها “الدولة الفارسية” المتشيعة!
** ليس هناك مجال للشك بأن ” السلوك الانتهازوي” المدروس للجماعة المتأخونة؛ لا يقوم ببدء فعالية عمليات الخروج على السلطة القائمة بالتظاهر والتجمهر؛ وإنما بالكمون والترقب، وبث التحريض الباطني للغاضبين من الجماهير؛ تطبيقاً لتصريح حواري ذكره “محمد مهدى عاكف” أول من حمل لقب “المرشد العام السابق” حين تخلى عن منصبه لصالح المرشد الحالى محمد بديع: “الشارع أهْبَل يقوده الإعلام”!
وهذا ما يميز انتهازية تلك الجماعة؛ حين تتيقن من التمكن ونضوج المناخ التمردي، تبدأ في التسلل للتجمعات بعناصرها؛ والهيمنة عليها وإدارتها بخبراتها التنظيمية في السيطرة؛ كما حدث في “ميدان التحرير” بمصر؛ من مسلك القفز واحتضان شعار:”عيش، حرية، عدالة اجتماعية”؛ وكذلك في بدء الأحداث بسوريا والتي جرى مؤخراً إسقاطها بالميليشات المتصهينة، وقد كان المتظاهرون في البداية يرفعون شعار:”لا سلفية ولا إخوان… ثورتنا ثورة إنسان”؛ وكذلك الأمر نفسه في “ليبيا المتشققة”!
** إن النتائج المتحققة بدخول الجماعة المتأخونة في تجمعات الجماهير هي أنها أساءت لها ودمرتها، نتيجة دفع تلك التجمعات لممارسة “العنف القصدي” الخارج والمضاد لسلطات الدولة؛ وقد قطفت كجماعة منظمة ” عسل السلطة “؛ حين تمكنت من كُرسي الحكم لظروف غير طبيعية في مصر؛ وتونس وليبيا والسودان واليمن وأخيراً سوريا. فاستبعدت كل القوى التي كانت تمثل وقود الحركة في الشارع؛ وبعد الإطاحة بها من كرسي الحكم غنمت بعض عناصرها ولا تزال مليارات الدولارات من الأنظمة الداعمة المخصصة للانفاق على الفوضى.
** ومع هروب كثير من عناصر الجماعة المتأخونة لاحقاً من “مصر/ المركز” إلى الدول الحاضنة لتنفيذ آليات مشروع تفتيت المنطقة، واستصناع “الشرق الأوسط الصهيونوي الجديد” مثل تركيا وبريطانيا والولايات المتحدة… لا تزال تلك الجماعة المتأخونة تمارس الدور الغوغائي، عبر كثافة الفعل الإعلاموي؛ والإيهام بفعل الثورة؛ والتباكي عليها واحتكار الدعوة إليها؛ في انتظار ما تجود عليها به أجهزة الاستخبارات في تلك الدول من سيناريوهات استصناع الفوضى في مصر/ القلب من جديد! وهو ما لن يتحقق بإذن الله بفضل وقوة الجيش المصري الوطني العظيم، ورجاله المؤمنين بعقيدة أن “مصر أرض التوحيد الأولى” محفوظة بعناية الله وفضله منذ مطلع التاريخ.
** إن الثورة كفعل حركي “منفتح”؛ هي بعيدة بالمطلق عن طبيعة آليات عمل الجماعة المتأخونة كفعل باطني سري “مغلق”؛ ومنافية للمرجعيات الفكرانية لتلك الجماعة كما سبق الإيضاح. لذلك فالسؤال: لماذا تحتكر إذن الحديث راهناً حول هذا الفعل؟
الإجابة تعيد التذكير بما ذكره “أبو هريرة”؛ من حديث حول “آية المنافق ثلاث، إذا حَدَّثَ كَذب، وإذا وَعَدَ أَخْلَف، وإِذَا اؤتُمِنَ خَان “؛ وهل لمنهج التقية السياسوية الذي تستخدمه باقتدار تلك الجماعة المتأخونة من تناقض مع “آية النفاق”؟ كل الدلائل التي سبق تقديمها تثبت هذه النتيجة؛ لذلك فكما ” لا تُصَدِّقوا الفَاسِقَ إذا حَدَّثَكُم عن الفضيلة؛ فلا تَنْخَدِعُوا بالمتأخون إذا كَلَّمَكم عن الثورة” لأنه يكذب، ويخلف، ويخون… الوقائع أثبتت ذلك.